من فضيحة (أنرون) إلى سقوط الأقنعة عن الرهن العقاري ثم إعلان إفلاس بنوك كبرى وشركات مرموقة أمريكية عشنا لحظة تاريخية سابقة في مفهومها وحتى بنائها الفكري والاقتصادي عندما أقدمت الحكومة الأمريكية على تأميم بعض الشركات والبنوك بشكل مفاجئ، ولوبُعث (ماركس، ولينين، وماوتسي تونغ) إلى الوجود لاحتفلوا بعيد النصر على الرأسمالية المتوحشة بإجراء توافق مع نظرياتهم وتطبيقاتهم الاشتراكية على قلعة الرأسمالية الكبرى.. الهزة العالمية التي انفجرت في أمريكا وخلعت معاطف التزييف لليبرالية الرأسمالية خلقت هلعاً لفلاسفة النظرية الرأسمالية التي لا تُقهر، وعندما يتحدث الاختصاصيون الأمريكان أن الزلزال يفوق كل ما حدث من هزات تاريخية للاقتصاد العالمي فإن إعادة هيكلة النظام للخروج من الازمة بات أمراً غير متوقع النجاح، والسؤال الذي يتبادر للذهن هو كيف نجت الصين وروسيا من لحظة السقوط، وهل جاء ميراثهما من (اللينينية والماوية) في دمج نظرية الاشتراكية مع التطبيق الرأسمالي الخاص، أن أُعيد النظر بإحضار ماركس للوجود وهو الذي تنبأ من أن الرأسمالية عندما تبلغ ذروة صعودها سيولد نقيضها من داخلها لنشهد دورة انحدارها ونهايتها، وقطعاً قد تكون هذه الآراء تنطلق من رؤية منظِّر يؤمن بهذا الصراع ويفلسفه، لكن ما يجري على الساحة العالمية أنه عندما فقدت الدولة السيطرة على العولمة الاقتصادية، التي فتحت الآفاق للرأسماليين الجشعين، وجدنا أن هروب الأموال للاستثمار خارج مواقعها الأساسية، حوّل الرأسماليات الكلاسيكية إلى (بيوت للعناكب) ليصبح العامل الأمريكي (بروليتارياً) تعتصر دخله قروض العقار والضرائب التي تذهب إلى جيوب المتلاعبين بالبنوك والأسهم والسندات والفساد الإداري الذي تجاوز النظريات إلى الحقائق. أن تسلك أمريكا ولو جزئياً، مذهب التأميم فالموضوع يصبح خارج السياق النظري والعلمي لكل من يؤمن بمبدأ الحماية المطلقة للرأسمالية، وحتى مخالفة الدولة العظمى ذات الاقتصاد الأكبر والأشمل والمؤثر في كل الدول والأسواق العالمية باسم حماية اقتصادها الداخلي من الانهيار، فإن هذا السلوك يعطينا المؤشر، بأن تعاليم صندوق النقد والبنك الدوليين كانت مجرد إيحاءات من عناصر أمريكية هي في الأصل ليست النموذج الأصلح في تنظيم السياسة الاقتصادية العالمية، طالما ظلت جزءاً من اللعبة والمأزق الأمريكيين.. يقال ستهرب الأموال من أمريكا وعندها ما هي الوسائل إذا كانت الأموال مرهونة لنظام قادر أن يعلن الإفلاس، لتطير مدخرات الأفراد التي ضاعت في السندات والاستثمارات والتي لن يحميها النظام إذا ما أُقر الافلاس لتلك المؤسسات الكبرى ويبقى الخليج صاحب الموارد الكبيرة من عوائد النفط داخل مصيدة النظام الأمريكي وأزماته، وبالتالي إذا كنا نستنسخ كل ما يحدث في الدولة العظمى ونستورد خبراته وأنظمته، ونشهد الآن مسرحية الانهيار، فإن الخروج من الأزمة ليس بالاستعانة بمستشارين مضلّلين، وإنما بإدراك أن المخاطر تحتاج ما يفوق التفكير الآني إلى فهم طبيعة النظام ومن يديرونه ليصبحوا رهن وضع أجبرهم أن يفتشوا في جيوب ماركس عن باقي الملاليم..