تُعد الرسومات المذهلة من إحدى المواهب الرائعة التي يهبها الله لفئة مبدعة من خلقه وربما عمد الأطباء والمعالجون النفسانيون لاستغلال تلك الوسيلة واقتحام أغوار النفس واكتشاف ما تزورها من أحاديث ونوايا وترسبات ماضية تركت بصمات إما ذات بهجة أو ألم على صفحات قد انقضت من عُمر الإنسان بتلك النافذة التي تعكس ما لم يحتسب المرء أنها قد تبُح به ويقرأه المختصون.. ومن وجهة نظري أن كل إنسان يتنفس الهواء قادر على البوح بمكنونه دونما الحاجة إلى الحديث برسوماته العفوية العابرة (وللمثال وليس الحصر): - الشمس والقمر هما الأبوان. - الورود الكبيرة الأمهات والصغيرة هي الأطفال. - الكرسي السلطة أو الرغبة في الانتقام. - الاشكال المسننة العصبية والمزاج المتقلب أو الذهن المشتت. - والمنزل هو الرغبة في الاستقرار والبحث الدؤوب عن الأمان. ودائماً ما أتساءل عما إذا كانت رسومات الإنسان تعكس خفاياه الحقيقية أم ان المسألة مجرد استنتاج وتوقعات تقريبية للحالة أو الظروف التي يعيشها في ذاك الحين إما أنها قد تكون خاطئة وإما صائبة أو الصدف لها دور في مزامنة تقريب المعنى لحديث الصورة!! ففي أحد الأيام وقعت عين المعلم على ورقة قد رسم الطفل عليها.. طفلين الأول كان حزيناً منزوياً وبدت عليه الحال الرثة والجوع، والطفل الآخر بدا وكأنه يقفز هنا وهناك بكل سرور وابتسامته العريضة تعلو مُحياه ويحمل في يده الأولى حقيبة والأخرى وجبة الإفطار. @ سأله المعلم: ماذا تعني بتلك الرمزية. فأجابه: الأول أنا إذ أعاني من الفقر والاكتئاب ولا أجد لدى أسرتي ما أسد به بكاء جوعي. أما الآخر فهو يمثل أقراني الذين أنعم الله عليهم بالصحة والمال ما لا يعرضهم لسياط الجوع أو الحاجة إلى الناس!! وقد رأيت ذات مرة طفلاً قد رسم متنزهاً واسعاً غصَّ بالمتنزهين هذا يقفز وهذا يتأرجح وذاك يرتشف القهوة إلا أن جزئية من تلك الصورة لفتت انتباهي وحرّكت ما سكن في أعماقي من فضول.. فقد كان في قلب الورقة رجل مقعد على كرسي متحرك وخلفه طفل كان يدفعه للأمام وعندما سألته من يكون هذا وذاك قال: المُقعد أبي وأنا خلفه أدفعه بنفسي لئلا يقع!! وبما أن الرسومات تُعبر عن معاناة أو تفاؤل بغد مشرق فحتماً لها القدرة على الإيحاء عن طبيعة الشخص وتصنيفه من أي النفسيات قد يكون.. ولدي بعض من الأسئلة التي أخذت مني الوقت الطويل لأجد من يجيب عنها ويهنأ بتفضله ذاك وعيي وإدراكي.. @ يا تُرى هل بالامكان اكتشاف ما إذا كان الشخص سادياً - ماشوزياً - مازوخياً - ضبابياً - متفائلاً - متشائماً - اجتماعياً - انطوائياً من رسوماته العفوية بلا تحديد؟؟ @ وهل باستطاعة المعالجين وأطباء النفس الغوص إلى خبايا طفل توحدي وقراءة ما إذا كان شاهداً على جريمة ما ودلالات تفاصيلها تظهر من رسوماته؟؟ أعتقد والله وحده يعلم أن للرسومات دلالات كثيرة لكن مَن مِن بيننا له القدرة على قراءتها واستغلالها كوسيلة تشخيصية وعلاجية في ذات الأوان!!