رفرفة فاسدة ( لجناحي معاملة) تحدث إعصارا ! غرفة كئيبة الألوان .. مكتب عشوائي الترتيب ، فوضوي المحتويات .. طاولة تئن تحت وطأة الأضابير والأوراق المتكدسة .. يسندها من الأسفل قطعة ( بلك ) من العمارة المجاورة التي توقف بناؤها بسبب ارتفاع أسعار الحديد.. على سطحها معاملات متراكمة ، كسلاحف قذفها موج البيروقراطية إلى شاطئ جزيرة الفساد ، وهي تنظر بعين واهنة حزينة إلى معاملات جديدة ، قد تسلقت على أكتافها ، فأخذت تتراقص فوقها في زهو وخيلاء استعدادا للتحليق ، بعد أن حُقنت بهرمون الواسطة والرشوة !.. في الجهة المقابلة من الطاولة جريدة مبعثرة ، تزاحمها حاوية حُبست فيها أوراق تعاميم إدارية ، بعضها ينقض بعضا ، وبعضها الآخر يلعن بعضا ، كأنها تماسيح تتقاتل ، أو كلابٌ تتهارش ، تنتظر إشارة صاحب الطاولة للانقضاض على تلك المعاملات التي لم يحالفها الحظ في الطيران !.. في حافة تلك الطاولة كوب شاي فارغ ، التصق بسطحها بسبب قطرات الشاي المتجمدة .. وبجواره يتناثر فتات خبز( التميس ) - وجبة الإفطار المفضلة لجميع الموظفين بتلك الوزارة - محيطةً بذلك الكوب ، وقد بدت كأشلاء قتلى بعد معركة طاحنة ، والكوب يقف بينها منتصبا في ذهول وهون كقائد جيش مهزوم أعيته السبل في الهرب من جحافل الفوضوى في ذلك المعترك المتناقض ! . بجانب تلك الطاولة جهاز حاسوب وطابعة ران عليهما الغبار ، لم يصنعا إلا لتعلق على سطحهما قصاصات الأوراق ، لتزاحم ملصق شعار الشركة التي ربحت - بالواسطة والرشوة - مناقصة توريد تلك الأجهزة للوزارة ، وذلك ضمن مشروع ( الحكومة الإلكترونية ) الذي فشل بسبب آخر الديناصورات الإدارية المعاصرة أمثال هذا الموظف ! .. فوق كرسي الطاولة على الجدار ورقة تقويم قديمة لعام 1415ه ، مدون عليها بجوار تاريخ ( 3 ) رمضان رقم معاملة من المعاملات المخالفة للنظام ، كان هذا الموظف قد كتبه على إثر مكالمة من شخص نافذ يطلب منه حقن هذه المعاملة بعقاقيره الهرمونية السحرية ! ، وقد بقي ذلك الرقم طوال تلك السنوات على تلك الورقة المهترئة ( يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد ) ، ليكون شاهدا للتاريخ على فساد ذلك الموظف وفوضويته وإهماله ! .. يشق سكون المكتب قعقعة خطوات قادمة .. رجل يدلف المكتب .. يلقي نظرة سريعة .. ثم يخرج .. تبدو عليه آثار السهر والإعياء و وعثاء السفر .. لقد أتى الرياض ليلة البارحة قادما من وادي الدواسر ، قاطعا مسافة 700 كيلا بواسطة النقل الجماعي ، نظرا لتعطل مطار مدينته بعد توقف رحلات ( طيران ناس ) التي كان يظن من خلال اسمها أنها في خدمة الناس جميعا ، لكن تبين له لاحقا أن كلمة ( ناس ) في شعار تلك الشركة إنما هي ( نكرة ) تفيد التخصيص و التعظيم لأناس لا يعلمهم ، الله يعلمهم !.. وقد جاء هنا متجشما كل هذا العناء لمراجعة معاملته التي تقضي سنتها الثالثة في أروقة هذه الوزارة ، وذلك بعد أن يئس من محاولات الاتصال بهواتف الوزارة الخرساء للاستفسار عنها .. هذا الرجل يتجول منذ الصباح في المكاتب والممرات بحثا عن صاحب هذا المكتب الذي تقبع عنده معاملته .. لقد أخبروه أن الموظف جاء بداية الدوام ، ثم خرج ، وهو ينتظر رجوعه .. يا له من مراجع سيئ الحظ ! .. لم يعلم بعد عن أي شيء من برنامج ذلك الموظف ، وروتينه اليومي في دوامه .. فهو لا يعلم أنه يبدأ ساعته الأولى في في داومه باحتساء القهوة في القسم الآخر عند صديقه الموظف الذي طالما هنأه الزملاء - تزلفا - ببراعة زوجته في صنع القهوة وإعداد الإفطار ! ، وفي الساعة الثانية يمر على بعض الأقسام لينهي المعاملات التي تلقى عليها رشوة ، أو كلفه بها أحد النافذين .. وفي الساعة الثالثة يزور مكتب صديقه ( المهرّج ) الذي يجتمع عنده ثلة من الموظفين لسماع آخر الأخبار والطرف الجنسية .. ثم قبل أن تحين صلاة الظهر يخرج من مقر العمل مع أنه من أكثر أهل الحي هجرانا لصلاة الجماعة في مسجد حيه ، ليعود بعد ساعة من انتهاء الصلاة إلى مقر العمل ، فيمر قبل نهاية الدوام بأحد المقربين في العمل ليتباحث معه آخر مكافآت ( الرشوة ) وهدايا ( الواسطة ) ! .. غير أن ذلك الحظ السيئ يبتسم هذه المرة لذلك المراجع ، فيكسر هذا الموظف روتينه اليومي ويعود إلى مكتبه لأخذ بعض الأوراق المهمة ، فيجد المراجع واقفا أمام مكتبه ، فيسأله بوجه عابس مهترئ الأشداق : - " وش عندك واقف هنا يالحبيب ؟ " فيجيبه المراجع المسكين وقد سحقه الانتظار و قتله البحث: - " قاعد انتظر صاحب المكتب من الصباح .. " - " أنا صاحب المكتب ، سم .. وش عندك ؟ " يطير المراجع فرحا حتى لكأنه شيخ هرم عثرعلى ابنه الوحيد الذي افتقده في زحام الحجيج يوم النحر بعد أن حال بينهما موج من الحجاج الإيرانيين ! .. ويبادره متسائلا : " لي معاملة يقولون إنها عندك ، وأبغى أعرف وش صار عليها ؟ " - " أعطني رقمها ؟ " - أعطاه الرقم وقد انزاحت عنه غمامة السأم والانتظار .. يبحث الموظف بين أكوام المعاملات والأوراق على طاولته فيجد المعاملة .. يقلبها قليلا .. فيرفع بصره للمراجع بنظرات صغيرة غير مبالية : - " المعاملة ناقصة .. بعض الأوراق المهمة غير موجودة .. " يقف المراجع مشدوها لم يستوعب بعد ما سمعه : - " كيف غير موجودة ؟! " - " ما أدري ، يمكن ضاعت أثناء مرورها على الأقسام الأخرى .. " - : " طيب وش الحل ؟ " - " ما فيه حل إلا أن ترجع المعاملة إلى أول قسم استحدثت منه ، ونرفق معها خطاب بالنواقص .. " - " يعني ترجع وتأخذ إجراءاتها من جديد وكأنها لم تكن ، ويضيع كل تعبي السنين الماضية ؟ .. " - " وش نسوي لك ، مالنا إلا كذا .." يطرق المراجع رأسه حزينا وقد انهار بداخله جبل الآمال الذي تراكم منذ أيام .. يفكر قليلا ، فيلوح له الأمل من جديد بعد أن خطر بباله حل لهذه المعضلة : " وش رأيك تعطيني المعاملة وأروح أبحث عن أوراقها الضائعة في الأقسام الأخرى لعلي أجدها ويعطوني إياها وأرجع لك ".. ينظر إليه الموظف شزرا : " الدعوى ما هي فوضى ، هذه معاملة رسمية ، لابد أن ترجع المعاملة ونرسل معها خطاب رسمي .. " - " ليش ماتتصل عليهم ، و تسألهم عنها بدون ما ترجع المعاملة مرة ثانية .. " - ينهره الموظف متهكما وقد أشاح بوجهه عنه: - " فاضين لك .. لا تحسب ما عندنا من الأعمال إلا معاملتك حتى نسأل عنها .. " - " طيب .. كم تأخذ من الوقت حتى تروح المعاملة وترجع ؟ " - " ما أدري على حسب الإجراءات وانعقاد اللجان .. يمكن شهر .. شهرين .. سنة أو أكثر .. الله أعلم .. " ينصرف الموظف تاركا ذلك المراجع الحائر تتقاذفه أمواج الإحباط واليأس ، فيخرج يجر خطاه ، وهو لا يلوي على شيء ، قد بلغ منه الحزن مبلغا عظيما ، حتى لكأن صخرة صماء جثمت على صدره .. حينئذ لم يكن أمامه إلا أن يقرر العودة إلى مدينته راضيا من الغنيمة بالإياب ، فذهب إلى محطة النقل الجماعي مسرعا ..عندما أتى المحطة وجد حافلة الرحلة قد امتلأت وأقفلت الرحلة .. فشرع يستجدي كل موظف يراه ، لكن دونما جدوى .. فانصرف ، وقد طوقته الأحزان وتكالبت عليه الهموم من كل حدب وصوب .. يا للسخرية .. لقد كان في السابق يكره السفر على تلك الحافلات ، ويتشاءم من السفر برا ؛ لكثرة ما فقده من أقربائه في حوادث تلك الطرق ، حتى لقد بات يطلق على وزارة النقل التي تشرف على تلك الطرق مسمى ( وزارة الموت ) ، منذ ذلك اليوم الذي دلف فيه موقعها على الإنترنت ليكتب شكوى ، فرأى عنوان موقعها المكتوب باللغة الإنجليزية - التي لا يتقنها - : ( www.mot.gov.sa ) ، فقرأه كقراءة الحروف العربية كما كان يصنع ذلك مع الكلمات الإنجليزية عندما كان يتعلمها في مقاعد الدراسة ، فوجد أن ذلك العنوان ينطق : ( موت ) ، فانتابته ضحكة ساخرة ، أثنته عن كتابة تلك الشكوى !.. أما اليوم فهاهي حافلات النقل والطرق البرية تطرده ساخرة منه ، وهازئة به ، وهو مرغم عليها ؛ لأنها باتت الخيار الوحيد ، والقدر الذي لا مفر منه بعد انسحاب شركات الطيران وتعطل مطار مدينته .. أثناء تجوله خارج تلك المحطة ينتظر الرحلة الأخرى بعد بضع ساعات ، وقع سمعه على شخص ينادي بصوت بشع : الجنوب .. الخميس .. الوادي .. الأفلاج .. فبددت تلك الكلمات ضباب الأحزان الذي يلتف حوله .. فوجه نظره إلى مصدر تلك الكلمات .. فوجد شخصا ضخم الجثة ، له شاربان كجناحي غراب يطبقان على سيجارة واهنة توشك على الانطفاء ، و يقف عند سيارة صفراء ككومة حديد ، بعض أجزائها يتبرأ من بعض .. اتجه إليه مسرعا وسأله ، فأخبره بأنه متجه إلى الجنوب وسيمر بمدينته ، فرد يده إلى جيبه وأعطاه الأجرة دون مفاوضة ، ثم ركب السيارة .. وكان بداخلها أربعة أشخاص .. انطلقت بهم السيارة فأخذوا يتجاذبون أطراف الأحاديث بينهم ، كل يسأل عن حال الآخر ، فطفق كل شخص يشكو بثه وحزنه ، وصاحبنا يصيخ سمعه ويتعجب مما يسمع .. لقد كان يظن أنه الوحيد الذي يكابد المتاعب ، ويتجرع الأحزان .. فتبين له أنهم جميعا يتقاسمون معه رغيف الهموم .. فهذا أتى ليبحث عن وظيفة .. والآخر جاء ليبحث عن سرير لمريضه .. وذاك ليراجع في مكافآت انتداب عمله التي لم تصرف له منذ سنوات .. وذلك يبحث لابنه مقعدا في الجامعة .. فلكل منهم هم يؤرقه ، لكن القاسم المشترك بينهم جميعا أنهم رجعوا بخفي حنين ولم تقض حوائجهم !.. وبينما هم منغمسون في حمأة الأحاديث التي لا يكدرها إلا رائحة الدخان التي تنبعث من فم السائق - ذلك الفم الأسود الذي يشبه فوهة عادم سيارته المهترئة - ، أخذ صاحبنا يرنو ببصره بعيدا عبر النافذة وهو يفكر فيما سمعه ، فمر من أمامه منظر امرأة عجوز تنثر الشعير لقطيع أغنامها الذي تحلق حولها بجوار منزل قديم .. فتساءل في نفسه : هل يا ترى تلك العجوز هي - أيضا - تشكو مثلنا مماطلة موظف في إنهاء معاملتها وإرجاع حقها المسلوب ؟ ! .. عندئذ قفز من بين ركام أحزانه و حطام تساؤلاته بيت أبي العلاء المعري : كل من لاقيت يشكو دهره ... ليت شعري هذه الدنيا لمن ؟ ! فأخذ يردده مع تصاعد تنهداته الحزينة ، حتى خطر بباله جواب ساخر لتساؤل المعري : نعم .. قد تكون هذه الدنيا لصاحب ذلك المكتب ! .. فارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة مشوبة بالحزن .. وفجأة يمزق رداء السكون انفجار أصوات المكابح .. تتعالى صيحات الركاب وتشهداتهم .. ترتطم السيارة بحافلة نقل منقلبة على الطريق بعد أن اصطدمت بحواجز تحويلة الصيانة التي تجريها الشركات منذ سنوات على ذلك الطريق المتهالك .. يتحول جوف السيارة الذي كان يقل الركاب بمقاعده الوثيرة - كلمح البرق - إلى مخالب وحش كاسر ، وإلى أنياب قرش فاتك ، فيطبق عليهم بحديده ، وينهش أجسادهم ويمضغها ، حتى أصبح لايرى من ملامح السيارة والحافلة إلا أكوام من حديد متشابك يتخلله مزق من لحم الركاب وملابسهم ، وقطع من أوراق ملفاتهم الخضراء الملطخة بدمائهم .. يا للمفاجأة .. إنها تلك الحافلة التي لم يجد فيها صديقنا مركبا في المحطة .. يا لعجائب الأقدار ! .. لقد كان يتمنى عندما كان في المحطة أن يجد في هذه الحافلة مقعدا .. فهاهي الحافلة التي رفضته أبت في النهاية إلا أن يكون حديدها هو آخر من يحتضن جسده النحيل قبل أن يفارق الحياة ، وهاهو صاحبنا يجد - أخيرا - مقعدا مع ركابها في سجل ضحايا ذلك الطريق .. عفوا .. أقلت ضحايا ذلك الطريق ؟ ! .. لا .. لا .. لم يكن ذلك الطريق - معاذ الله - مجرما يوما ما ، بل هو - كذلك - ضحية مثلهم .. فما ذنبه أنه ولد متشققا .. متهالكا .. تنتشر فيه عشرون تحويلة للصيانة كأنها أورام سرطانية تنخر في جسده ، أومصائد بشرية تتربص بالمسافرين ؟! .. ما ذنبه أنه ولد ولادة مشوهة من رحم شركات الفساد ، بعد أن أصيب بفيروس الرشوة والواسطة على السطح الملوث لطاولة ذلك المكتب ! ؟ .. فاسألوا تلك الطاولة فهي شاهد عيان على بداية تلك الجريمة .. اسألوها وسجلوا أقوالها عن ضحايا كل الطرق ، فعندها الخبر اليقين ! .. بل اسألوها – إن شئتم - عن ضحايا غرق الشوارع في جدةوالرياض .. فمن فوق سطحها تكونت سحب مشروعات الفساد التي أغرقت تلكما المدينتين .. سلوها – كذلك - عن قصة تلك المريضة التي أوصدت المستشفيات المتخصصة في المدن الكبرى أبوابها دونها ، حتى أخذ المرض ينهشها ، وهي تذبل أمام أبنائها الذين يقفون مكتوفي الأيدي عاجزين أن يجدوا لها ذلك المفتاح السحري الذي يفتح أقفال تلك الأبواب الموصدة .. بينما الفنان الذي لم يمض على حصوله على الجنسية عاما واحدا يجد في تلك المستشفيات غرفا وأجنحة عندما يرغب أن تُجرى له عملية تجميل لأنفه ! .. سلوها : عن ذلك الطالب المجتهد المتفوق الذي كان يحلم أن يكون ضابطا في المستقبل ، وكان يكتب حلمه كل صباح على جدران طفولته ..كيف انتهى به الأمر ليصبح جنديا يتدرب على يد ضابط كان - في زمن مضى - طالبا مهملا يجلس بجواره في مقاعد الدراسة ، وينقل منه حل الواجب ، فأضحى اليوم رئيسا عليه يلقنه أنواع العقاب ، لا لذنب إلا لأنه كان في السابق يغيظه بتفوقه الذي طالما جعل المعلمين يفخرون به عليه ؟! .. سلوها : عن ذلك الموظف الأناني المغرور عديم المسؤولية الذي يتصل بمكتبه المراجعون من مناطق بعيدة للاستفسارعن معاملاتهم ، فلا يرد على اتصالاتهم ؛ لانشغاله بقراءة الصحف ومتابعة أخبار الأسهم .. كم حقا عطله إهماله ؟ وكم خسارة مالية سببها عدم مبالاته ؟ بل كم إنسانا تسبب في إزهاق روحه حتى الآن ، من أولئك المراجعين الذي يشدون إليه الرحال ، فتفتك بهم حوادث الطرق ، وتستنزف أموالهم فواتير السفر الباهظة ، وكان بالإمكان تفادي تلك الخسائر الجسيمة كلها لو أن ذلك الموظف كلف نفسه عناء الرد على تلك المكالمات ؟!.. سلوها : عن ذلك الموظف المغمور الذي يمتلك شهادة مزورة بالمراسلة و لم يمض على تعيينه بضعة أشهر ، كيف استل من أرشيف الوزارة ليكون رئيسا لأحد الأقسام على مرتبة عالية ، و زميله الموظف القديم صاحب الكفاءة والإخلاص لم يبرح مرتبته ومنصبه منذ تعيينه ؟! .. وعن ذلك الموظف الآخر الذي كان فقيرا معدما ، كيف أمسى يمتلك بين عشية وضحاها عمارة فاخرة ، وسيارة فارهة ، ومزرعة باذخة ؟! .. سلوها : عن تلك الأرض الفسيحة التي كان يلعب الأطفال فيها ، ويحلم الأهالي بأن تقام فيها مدرسة وحديقة ومركز صحي كما هو مقرر في المخطط ، كيف أصبحت تلك الأرض استراحة لأحد الأشخاص النافذين المنتفذين ؟!.. سلوها : عن قصة تلك البلدة الوادعة التي كانت تعيش آمنة مطمئنة في أكناف الصحراء ، ينابيعها تتدفق بالماء ، ومزارعها الفيحاء تفيض بالحيوية والنماء، وأهلها يأتيهم رزقهم رغدا وهم في سعادة وهناء .. كيف انقضت عليها تلك الشركات الزراعية كوحوش كاسرة ، فاستعمرتها ربع قرن كما تستعمر أدغال أفريقيا ، حتى امتصت مياهها ، وأكلت الأخضر و اليابس فيها ، فباتت بلدة شاحبة ، لا تصلح للحياة ، تعيش على شفا جرف هار من الجفاف وسنوات البقرات العجاف ؟!.. سلوها : عن بعض صحفنا .. لِمَ أصبحت صفحاتها حراما على بلابلنا التي تحمي دوحنا من الآفات والحشرات ، حلالا للطير من كل جنس ، تتخذ من أعمدتها أوكارا تنطلق منها لتهاجم شجرة هويتنا ، وتغرد فيها بأصواتها النشاز ، وتحفر في أغصان ثوابتنا بمناقرها الحادة ، وتلوث أوراق قيمنا بفضلاتها الكريهة ، على الرغم من أننا في العصر الذهبي للإعلام ، وفي المعقل الأول والأخير للإسلام ؟! سلوها .. لماذا نجد بعض صحفنا تسيل أقلام كتابها غضبا ، وتصوب عدسات كاميراتها ثأرا على مواطن بائس سلب الجهل والفقر والحرمان عقله ؛ لأنه ارتكب مجزرة في حيوانات ضالة في مهامه الصحراء ؟! و عندما يرتكب لصٌ كبير مجازرَ في مشروعات يموت مئات المواطنين غرقا في دمائها ، لماذا نجد تلك الصحف ذاتها تحبس دموع أقلامها وتسد فوهات كاميراتها ، وتختلق الأعذار من أجله ، على الرغم من أن مجازر الحيوانات هي نتاج مجازر المشروعات ؟!.. سلوها .. كيف استطاع العامل الأجنبي في بلادنا أن يحاسب مواطنا فقيرا حسابا عسيرا ، وأن يشهر به أمام العالم أجمع ،عندما سرق من صيدليته علبة حليب لطفله الرضيع ، ونحن لم نجرؤ ولم نستطع أن نحاسب العامل الأجنبي الذي استولى على قطاعنا الخاص ، وسلب وظائف أبنائنا ، وسرق أموال مشاريعنا ، ونهب تنمية بلادنا ؟! .. سلوها .. عن سحب المشروعات التنموية ، حتام نجدها تارة تعاني أعراض ظاهرة ( نينو الفساد المناخية / المناطقية ) ، فنراها على هيئة سحب الصيف ، يهمي غيثها على مدن ، فيحل بها ربيع التطور ، ويرتفع عن مدن أخرى ، فيصيبها قحط التدهور ، وتارة أخرى نجدها تعاني أعراض ( ظاهرة الاحتباس البيروقراطي ) و( اتساع ثقب الأوزون المالي ) ، فنرى سحب تلك المشروعات على هيئة عارض مستقبل أوديتنا ، يومض برقه ، ويقصف رعده ، فنستبشر خيرا ونقول هذا عارض ممطرنا ، ثم لا يمطر إلا الغبار ، على الرغم من أننا في زمن الربيع ؟! .. سلوها .. فعند جهينة الخبر اليقين ! .. سلوها .. تختصر لكم أسباب مظاهر الفوضى غير الخلاقة في الشرق الأوسط ، وتحكِ لكم قصة تخلف العالم الثالث غير النامي .. وتقدم لكم درسا تطبيقيا مجانيا في شرح ( نظرية تأثير الفراشة ) يفوق أبحاث الفيزيائيين و شروحاتهم لها ، فإذا كانوا يقولون لنا دائما : " إن رفرفة جناحي فراشة في الصين تحدث بعد زمن إعصارا في أمريكيا " ، فإن تلك الطاولة تبرهن لنا وتؤكد لهم أن رفرفة غير شرعية لجناحي معاملة فاسدة على سطح طاولة في مكتب مظلم منزوٍ في وزارة ، تحدث إعصارا يدمر تنمية دولة كاملة .. بل أمة ! .. سلطان بن مترك الخضاري [email protected]