كالعادة، قال بعد الإجازة إنه بحاجة إلى إجازة. لماذا؟ لأنه كان مع العائلة في السفر مشغولاً بكل شيء، ومسؤولاً عن كل شيء. يبدأ انشغاله منذ بدء التخطيط للسفر واختيار البلد، ووسيلة النقل، ومقر السكن، ثم يتبع ذلك البرنامج اليومي في الإجازة وارتباطه بالعائلة في كل تحركاتها ومسؤوليته عن تلبية احتياجاتها. إنه الأب يشعر بالمسؤولية ويرافق العائلة بقلق، ويكتشف أنه في الأيام العادية داخل الوطن ليس له علاقة بالشؤون اليومية بوجود الزوجة المشاركة، والخادمة والسائق، فهو مرتبط بعمله وأصدقائه أكثر من ارتباطه بشؤون العائلة. أما في السفر فإن الوضع مختلف جداً فالأب لا يعطي فرصة لأفراد الأسرة للمشاركة، ليس بسبب عدم الثقة ولكن نتيجة الخوف الزائد. أما أفراد الأسرة فهم في إجازة ويجدونها فرصة أن خادمهم وصديقهم هو رب الأسرة الذي لا يجرؤون على دعوته لتناول وجبة عشاء خارج المنزل داخل الوطن! يريد رب الأسرة إذن في السفر أن يظهر أمام عائلته بأنه هو المسؤول، الخبير، صاحب التجربة الذي يوفر لهم المكان المناسب الآمن، ويوفر لهم احتياجاتهم وأهمها قضاء إجازة سعيدة وفق برنامج منظم ومريح، ولا يريد أن يفوض ما يقوم به إلى زوجته أو أحد أبنائه، لأنه يريد أن يقول بعد الإجازة انه بحاجة إلى إجازة! وبعد العودة من الإجازة سيتحول ذلك الأب المركزي إلى شخص آخر. سوف يفوض كل المسؤوليات العائلية إلى الزوجة وأفراد الأسرة، وسوف تنخفض درجة مشاركته في برنامج العائلة، كما سيفوض بعض المسؤوليات والصلاحيات إلى السائق والخادمة، وقد ينشغل كل فرد من أفراد الأسرة بأموره الخاصة وتقل فرص الاجتماعات الأسرية والنشاطات المشتركة التي كانت فعالة اثناء السفر. في السفر قد يبالغ الأب (المدير المركزي) في تدخلاته لدرجة نشوء رغبة لدى العائلة بالسفر لوحدهم بسبب عدم الشعور بالاستقلالية وفقدان الثقة الذاتية بوجود الذي يقوم بدافع الحب والخوف بكل الأعمال ويتواجد مع أفراد الأسرة في كل مكان على عكس ما يفعل عندما يكون داخل الوطن. هنا في داخل الوطن يتحول المدير المركزي (الأب) إلى مدير ديموقراطي ويعيد الثقة إلى أصحابها، ويوزع المسؤوليات والصلاحيات ويبتعد عن المشاركة، ويكتب على باب مكتبه كلمة (مشغول) أو (في اجتماع) ويقفل هاتفه الجوال، ويمتنع عن مرافقة العائلة في جولة تسوق. الوقت دائماً هو السبب، هو الذي يتوفر في الإجازة، وفي غيرها يغرق صاحبنا في بحر العمل كأنه يهرب من الالتزامات العائلية، وربما ينقل عمله إلى البيت لمزيد من التأكيد بأنه معذور في الابتعاد عن شؤون العائلة. هذا الأب (المدير) بلاشك بحاجة إلى إجازة ولكنه بحاجة أكثر إلى إدارة الوقت لأن ضغوط العمل لها آثار سلبية على صحة الإنسان وعلى إنتاجيته كذلك، وعلى علاقاته العائلية والاجتماعية وعلى صاحبنا أن لا يترك أعماله تسيطر عليه بل يسيطر هو على أعماله، وعندها سوف يكون للإجازة طعم آخر.