لا تأتي الإجازة الصيفية عادةً إلاّ وهي محملة بالعديد من المناسبات والارتباطات العائلية، في حين أنّ الأغلبية من الأسر يؤملون أنفسهم طوال العام برحلة استجمام تمحو عناء وتعب عامٍ كامل، ولكن هذا التكدّس والتنوع في المناسبات العائلية أوجد لديهم تعارضا كبيرا بين رغبتهم في أداء الواجب الاجتماعي وبين وجهة السفر المأمول ليجدوا أنفسهم كالمعتاد في حيرة وتردد "نسافر وإلاّ نحضر زواج أبو فلان؟". «رح وسّع صدرك» ويمديك على «صلة الرحم».. للي يستاهل بعد تأجيل السفر بداية يرى "صالح سلام" أنّ تتالي مناسبات زواج الأقارب والأصدقاء في الإجازة الصيفية يفرض على بعضهم إلغاء فكرة السفر بالرغم من عدم ارتباطاتهم بعمل أو دراسة، إذ إنّ هناك مناسبات زواج من الصعب الاعتذار والتخلف عن حضورها احتراماً وتقديراً لأصحابها، لافتاً إلى أنّه لم يكن يتوقع أن تكون هناك مناسبات زواج تثنيه عن السفر خلال هذه الإجازة، لاسيما وأنّ كثيرا من العرسان اتجهوا لتوقيت أعراسهم على مدار العام، ولكن وصله حتى الآن عدد من الدعوات التي يرى أن الواجب الاجتماعي يحتم عليه تلبيتها وتأجيل فكرة السفر. الإجازة فرصة للأب لتعويض غيابه عن أولاده وإنشغاله بالعمل وأضاف "محمد علي الطويلعي" أنّ الإجازة الصيفية في هذا العام قصيرة جداً والكل يريد أن ينهي مناسباته قبل دخول شهر رمضان، مبيناً أنّه لو حاول تلبية جميع المناسبات وإرضاء الكل لن يتمتع بالإجازة، والتي ستذهب في دوّامة انتظار المواعيد المتفاوتة للمناسبات، مشيراً إلى أنّه قرر التضحية "برغبة السفر" وحضور مناسبات الزواج العائلية؛ حتى لا يفسر عدم حضوره بأنّه أنانية وتقصير في أداء الواجب الديني والاجتماعي، مشدداً على أنّ حرمان الأسر من السفر أو تقليص مدة السفر ليس حلاً مرضياً ومقنعاً لجميع الإطراف، لاسيما أنّه لا يوجد ما يمنع توقيت حفلات الأعراس خلال العطل الأسبوعية من العام الدراسي أو على الأقل في الأسبوع الأول من بداية الإجازة، ليتسنى للأسر الراغبة في السفر الاستمتاع بإجازتها، منوهاً بضرورة تغيير الأفكار والعادات السلبية تجاه الإجازة الصيفية، خاصة مع تطور ونمو ثقافة السفر السياحي بالإجازات الصيفية وتزايد المهرجانات والفعاليات المتنوعة التي تشجع على السفر. أهمية بعض المناسبات تستوجب إلغاء رحلات السفر تعويض الغياب وذكرت "مها سالم" أنّه من الصعب التراجع عن فكرة السفر الذي يعدّ محور التغيير والمتنفس الوحيد للترويح عن النفس بعد ضغوطات العمل والروتين الذي يعزف إيقاعات من الرتابة والملل طوال العام، مضيفةً أنّ البقاء يجعل الأسر مقيدة بحضور المناسبات الاجتماعية غير المنتهية، التي بدأت تفقد حضورها ونكهتها بسبب تكرارها الشبه يومي خلال شهر واحد، مشيرة إلى أنّ أسرتها لم تكن لديها العام الماضي فرصة للتمتع بإجازتهم الصيفية لارتباطاتهم بأكثر من مناسبة زواج، مبينة أنّ زوجها قرر في هذه الإجازة الاعتذار عن حضور جميع المناسبات التي تصادف موعد سفرهم مقدماً لهم التهنئة والمباركة مسبقاً كما بين لهم بأنّ لديه ارتباط مسبق وحجوزات مؤكدة من الصعب إلغائها أو تأجيلها لقصر مدة الإجازة، لافتةً إلى أنّ متعة السفر لا تقارن ولا تتساوى مع المجاملات الاجتماعية، إذ إنّ السفر يمنح الزوجين فرصة للاقتراب بعضهما من بعض وأيضاً من أبنائهما، بحيث يكون هناك جو أسري ممتع من خلال الجلوس واللعب مع الأبناء من دون ارتباطات وقيود خارجية، خاصةً في ظل الإنشغال الدائم للأب طوال العام، فهي جاءت لتكون فرصة له لتعويض فترات غيابه. السفر أو حضور المناسبات الإجتماعية سؤال يتكرر كل عام استنزاف الميزانية ورفض "طلال البحيصى" مجاملة الآخرين على حساب إجازته السنوية التي يفضل قضاءها دائماً في السفر مع العائلة، مبيناً أنّ درجة القرابة ومتانتها تكاد تكون هي السبب الوحيد لإلغاء السفر، مضيفاً: "اليوم أصبحت مناسبات الزواج أكثر انفتاحاً على مواسم أخرى كإجازة نصف السنة وإجازة الربيع، بل وتمتد حتى في أيام عيد الفطر المبارك، وهذا بلا شك يحرم كثيرين من التمتع بتلك الإجازات ويسبب الإحراج والتذمر لآخرين؛ بسبب الضغوط المالية المترتبة على تكدس المناسبات واستهدافها الإجازات، حيث تستنزف الميزانية المخصصة للسفر والترفية"، معتبراً أنّ فكرة تنظيم الزواج الجماعي فكرة رائدة ويجب التزام تطبيقها لكونها تجربة مملوءة بالإيجابيات سواء كانت للعرسان أو حتى المدعوين. محمد الطويلعي تواصل اجتماعي ولفت "عبدالله المشهورى" أنّه يفضل حضور مناسبات العائلة حتى وإن لم يسافر، فالمهم - كما يرى - هو مشاركة الأقارب أفراحهم ومناسباتهم التي حرصوا على تحديدها خلال الإجازة الصيفية ليناسب موعدها الجميع، مضيفاً أنّ من يريد السفر عليه الموازنة بين ارتباطاته العائلية ورغبته في الراحة والاستجمام، معتبراً الإجازة فرصة كبيرة للالتقاء بالأقارب والأهل القادمين من المدن المختلفة، حيث تعدّ هذه اللقاءات نوعا من التواصل والتكافل الاجتماعي، الذي يجب ألا ينسى في الأوقات الخالية من ارتباط ومسؤولية العمل. صالح سلام ترتيب الأوليات وأكّد "د. محمد حسن عاشور" - مستشار تربوي وأسري وخبير التنمية - على أنّ من أهم طرائق التواصل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء مشاركتهم مناسباتهم وأفراحهم، مبيناً أنّها تحمل في طياتها نوعا من الترويح والترفيه عن النفس، كما أنّها أحد جوانب إدخال السرور والفرح على الآخرين، مبيناً أنّ الأجمل أن يجمع الإنسان بين المشاركة الاجتماعية بحضور المناسبات والزيارات وبين قضاء وقت ممتع مع أفراد أسرته في سياحة وسفر وتنزه واستمتاع واستجمام، وأن يحرص ألا يطغى جانب على الآخر في ذلك، فبشيء من المشاورة والحوار مع أفراد الأسرة يوازن ويوافق بين أولياته وأولياتهم والخروج ببرنامج ترفيهي واجتماعي يرضيهم جميعًا، كما أنّه ليس من الضروري التزام حضور كافة المناسبات والزيارات الاجتماعية، حيث يمكنه أن يختار الأهم فالأهم والأكثر أولوية. طلال البحيصى تحسين المزاج وأوضح د. عاشور" مدى أهمية الاستمتاع والاستجمام بالإجازات قائلا: "الإجازة هي نوع من مكافأة النفس والترويح عنها وإدخال السرور عليها، وفرصة جيده لكسر الروتين والخروج من ضغوطات وأعباء الحياة، ومن الجميل أن نجعل من هذه الإجازة محطة راقية للخلوة بالذات والإصغاء لها ولو لبضع ساعات، والتفتيش في داخلها وأعماقها بهدف تقويمها وتطويرها وتفعيل تلك المكنونات الجميلة التي نحملها في داخلنا، وفرصة كذلك لمراجعة أهدافنا ورؤيتنا المستقبل الذي ينتظرنا، كما أنّ إهمالنا لجانب المتعه لا شك أنّه يؤثر وبشكل كبير في الصحة النفسية للإنسان وبالتالي على تصرفاته وقدرته على أداء مسؤولياته وواجباته على الوجه الأكمل سواء كان موظفاً أو طالباً أو غير ذلك، فكل إنسان لديه حاجات ورغبات وأهداف يسعى لتحقيقها فإذا حققها شعر بالراحة وإن لم يحققها تحولت إلى كبت وتوتر وقلق في اللاشعور، وبالتالي سوف ينعكس ذلك على تصرفات وسلوكيات الإنسان في الحياة عموماً وعلى توافقه وتصالحه مع ذاته، ونتيجةً لذلك ولأهمية الإجازات في الترويح عن النفس وتحسين مزاج الفرد نجد كثيرا من الشركات العالمية تلزم موظفيها بأخذ إجازاتهم السنوية وعدم تأخيرها وهذا من باب الحرص على المحافظة على مستوى أداء الفرد وزيادة جودة الإنتاج". عبدالله المشهورى