قصائد الزهد والوعظ وتذكر الموت والاستعداد ليوم المعاد زاخرة في الأدب العربي الفصيح وبالذات في العصر العباسي فقد أنتج شعراء عباسيون معظم شعرهم في الزهد ولعل أشهرهم الشاعر الشهير ذائع الصيت أبو العتاهية رحمه الله تعالى فقد كان جل شعره وقصائده في الزهديات وردع النفس في الانهماك في الدنيا وملذاتها وفي دواوين الأدب العربي فصول عن الموت وما كتب على القبور من أبيات رثائية ووعظية ولقد عقد الإمام الفقيه العلامة الموسوعي ابن عبد ربه الأندلسي اسكنه الله فسيح جناته في كتابه الكبير العقد (1) أطلق عليه كتاب الزمردة في المواعظ والأدب أورد فيه جملاً وعبارات من أقوال السلف الصالح والحكماء والبلغاء ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تروى عنه وكلام الصحابة والتابعين عن الموت والزهد في الدنيا والاقبال على الأخرة والمبادرة إلى التوبة والعمل الصالح في هذه الدنيا وكتاب ذم الهوى للعلامة ابن الجوزي اسكنه الله فسيح جناته مليء بالوعظ وقد جمع الشيخ الفقيه عبدالعزيز بن محمد السلمان ت - 1422ه رحمه الله رحمة واسعة كتاباً ضم فيه قصائد وأشعارا في الزهد سماه مجموعة القصائد الزهديات في مجلدين جمعها من كتاب الوعظ والأدب ومن كتب ابن القيم وابن رجب عليهما رحمة الله وأجزل لهما المثوبة. الشعر الشعبي عندما نقرأ دواوينه لانجد فيه هذه الكثرة من الزهديات مثل الشعر الفصيح القديم بل قد تكون القصائد الشعبية الزهدية تعد بالأصابع كبعض قصائد راشد الخلاوي ففيها أبيات تحث على الزهد وبعض قصائد محسن الهزاني قصيدته المشهورة التي مطلعها وهي: سرح الطرف في عشب روض الندم وامزج الدمع من جفن عينك بدم وبعض قصائد الشاعر الوعيظي وابن مسلم الحريقي أصلاً الإحسائي مسكناً وهي قصيدة قالها في آخر حياته رحمه الله هناك شاعر من شعراء الدلم وهو من الشعراء المجيدين وهو الشاعر عمر بن عبدالرحمن بن دهمش التويم التميمي المتوفي سنة 1355ه (2) رحمه الله تعالى له قصيدة جميلة وعظيمة زهدية تعد من أندر القصائد في هذا الشأن وهي قصيدة تصف معاينة الموت ونزع الروح وتغسيل الميت وخلع ملابسه وتجهيزه وتهيئة الكفن وحفر القبر والصلاة عليه والدفن وسؤال الملكين منكر ونكير (3) ثم يلي ذلك المحشر وقيام الناس من قبورهم للحساب وقصيدته هذه تشبه إلى حد كبير القصيدة المشهورة الوعظية ومطلعها: ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن وهي من القصائد المشهورة لدى أهالي نجد وينسبونها إلى الإمام الجليل زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله رحمة واسعة (4) وهي قصيدة لاشك أنها مصنوعة على زين العابدين لأن القصيدة ليست بذاك القوة والمكانة فهي لاتصدر إلا من شخص عاش في عصور الانحطاط الأدبي ولعل شاعرنا ابن تويم رحمه الله أحب أن يجاري هذه القصيدة فكتب هذه القصيدة وليس من المستبعد أنه يحفظ هذه القصيدة في الصغر لأنها كانت مما يتلقاه الصبيان في الصغر والجزالة والشيخ عبدالعزيز السلمان حينما أورد القصيدة لم ينسبها إلى زين العابدين وكذلك الشيخ حمد الجاسر رحمه الله أورد منها ثلاثة أبيات في سوانح الذكريات الجزء الأول فهي قصيدة مجهولة القائل إلا أن بعض المصادر في العراق وإيران تؤكد نسبتها لزين العابدين في ديوانه الذي طبع في إيران (5) لا وليس غريباً أن يصنع لزين العابدين ديواناً كما صنع لأبيه وجدة انتحالاً وتلفيقاً مع أن أمير المؤمنين وخليفة المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه شاعر ورث الشعر عن أبيه أبي طالب نعود إلى ابن تويم رحمه الله تعالى وقصيدته هذه أوردها الشيخ عبدالله بن خميس في كتابه تاريخ اليمامة الجزء الخامس قائلاً شاعر مجيد له مشاركات جيدة واورد له قصائد أخرى ومنها قصيدته التي قالها عقب انتصار الملك عبدالعزيز في معركة السلمية سنة 1320ه ولعلنا نغطي شيئاً من حياة هذا الشاعر الفحل في اعداد قادمة ومن الغريب أن د. سعد الصويان لم يذكر ابن تويم في كتابه فهرست الشعر النبطي وهذا من المستدرك عليه ولي ملاحظات ونقد لهذا الكتاب يسر الله نشره وهذه هي قصيدة ابن تويم: يالله يالمطلوب رب الكاينات واحد يسمع سؤال السايلين خير يعطي العطايا المغنيات ويدمح الزلات للي تايبين ياكريم الوجه ما غيرك شفات نستخيرك يالاله ونستعين عند نزع الروح وافراق الحيات جعلنا لك يالاله موحدين مقومين الخمس مدين الزكات صايمين ويم بيتك حاجين نسألك حسن الخواتم في الممات استجبها ياولي السامعين عند نزع الروح ليجات الوفات والقرايب والعواني حاضرين اجتلد من بينهم كني شوات ماحد منهم بحالي عالمين ضجو اهل البيت باصواة صوات ويمموني واليدين مسدلين وطرشويم المغسل بالزتات وفزعوا يم المقابر حافرين وقربوا لي شقتين مفصلات وسبع حزايم على محزمين وسهلوني في النعش فوقي عبات والرفاقة للنعش متناقلين وأدخلوني في المصلا للصلات لا ركوع ولا سجود واقفين ودبلو في ساقتي مثل العدات للمقابر هامين ومرجلين وادخلوني في لحود مظلمات والتراب ملطسين ودافنين والنصايب لبنتين موقفات ولابث في حفرتي عبر السنين والقصيدة أطول من ذلك الهوامش: 1- العقد وليس الفريد لأن الفريد ليست من وضع ابن عبد ربه بل من وضع النساخ كما ذكر ذلك وحقق الكاتب الأديب محمد العريان رحمه الله في تحقيقه للعقد. 2- أخبرني بتاريخ وفاته الباحث عبدالرحمن الحوتان وقد كتب عن الشاعر مقالاً بمجلة الإبل وفقه الله. 3- ثبت تسمية الملكين بهذين الأسمين حديث صحيح كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم. كالشيخ الألباني في صحيح جامع الترمذى 4- كتب التراجم والتاريخ البداية لابن كثير ومراة الجنان لليافعي والوافي للصفدي ووفيان الأعيان لابن خلكان لم تورد هذه القصيدة ويبقى القلب مطمئناً أنها منحولة. 5- أخبرني بطباعة الديوان الأستاذ الباحث إبراهيم الحقيل وفقه الله.