قربَ شهر الخير والرحمات.. وبدأت الرسائل تصلنا من كل صوب تهنئ بالشهر الكريم والمستفيد أولاً وآخراً هي شركات الاتصال التي تهدينا هذا البرود العاطفي بدعوى التقنية، والغريب أن الرسائل بدأت في الوصول قبل الشهر بخمسة عشر يوماً من قبيل "أردت أن أسبق الناس إليك" ولا أدري كيف يكون السباق على التهنئة بحدث لم يحدث؟. مجتمعنا غريب جداً في فهمه للتهنئة والاحتفالات، ففي الوقت الذي يتبرم الناس من رتابة الحياة المدنية وجمودها وحدّتها؛ نجدهم يتركون الكثير من العادات الجميلة التي تنشر الفرح وتصنعه. قالت لي أكثر من كبيرة في السن إنهم كانوا في السابق يجتمعون ليلة رمضان ببيت كبيرهم يتحرون إعلان دخول الشهر فإذا دخل رمضان احتضنوا بعضهم وهنأوا أنفسهم بحرارة وتمنوا لبعضهم البعض شهر عبادة وخير ثم قاموا لمسجد الحارة يسلمون على الأهل والجيران ويصلون التراويح.. وربما تناولوا السحور معاً. ونحن الآن تزيدنا كتل الأسمنت (بيوتنا) بعداً عن بعضنا، فنفقد تلك الحميمة ونفقد التهاني الحارة والصادقة وتتحول كل المشاعر لعبارات مجهزة مسبقاً؛ ربما من موظف اتصالات وظيفته أن يبتسر الفرح أو من مؤلف كتاب لرسائل التهاني همه الأول والأخير الربح المادي ومردود الكتاب. فتُرسل ذات الرسالة إلى كل الأصحاب والأصدقاء والأقارب دون تمييز لأحد عن أحد. عاداتنا الجميلة في الفرح آخذة في الغياب، وهذا قد يبرر لو أننا لا نستعير مشاعر الغير ومناسباته لنعبر عن أفراحنا، لكن أن نرفض تراث فرحنا وأسلوبه ونسعى لأسلوب فرح منمط فهذه مشكلة تحتاج منّا لفهم الفرح من جديد. أيام ويدخل رمضان وأشعر أن هذه فرصة رائعة كي نعلن عن الفرح بطريقة جديدة.. طريقة أكثر (قرباً) و(صدقاً) و(خصوصية) من معلبّات رسائل الجوال الجامدة.