ليست القضية بالجديدة ولا تفاصيلها بالمستغربة فمعظم قصصها متشابهة حتى وإن اختلفت الأسماء فيها والأماكن أو تغيرت الوجوه. حرية الطرح هي التي سمحت لها لتطفو على السطح وتظهر لتعرّي شيئا من عاهات مجتمعنا وسوءاته التي تعودنا غض البصر عنها وسترها بمسميات عدة، مهما كان فيها من ظلم وجهل واستعباد ومتاجرة بمصائر من وضعوا أمانة في أعناق من لا يخاف الله ولا يخشى غضبه ليفرط فيما استؤمن عليه وُجعل في وصايته، ليستغل سلطته ويتكسب بأنانية من ورائه. أو يثبت من خلاله شيئا مما يعتقده رجولة وشرفا أو وزرا وثقلا يسعى جاهدا للتخلص منه فيبيع ابنته أو أي امرأة وضعت تحت ولايته دون أن يفكر ولو لبرهة بالحقوق التي صانها الإسلام لها وجعلها شرطا من شروط شرعية الزواج وأساسا في بناء أسرة إسلامية صالحة. لم تقف القضية عند حق المرأة في القبول بالزوج والرضا به بل تعدتها لمعنى هذا الزواج والأسس التي بنيت عليه عندما يبيع الأب ابنته القاصر لشيخ هرم أو كهل يحاول استرجاع طاقته واستدعاء شبابه الفائت من خلال امرأة. مسألة إنسانية يشهدها المجتمع السعودي وهو يرى آباء جاهلين أو مستغنين يبيعون بناتهم بغطاء شرعي اسمه الزواج. كيف يمكن أن يبرر الأب نيته الحسنة وهو يزوج طفلة بريئة لم تتعد عامها العاشر ولم تتنامَ غرائز الأنوثة فيها بعد، لرجل جاوز أعمار الشباب وودعها. لرجل يكبرها بعقود لا يمكن لعدادات الزمان مهما اختل توازنها أن تغفله. طفلة لا تعرف من قوانين الحياة وعبرها إلا ما تُعلمه لها لعبها وساعات لعبها مع أقرانها وضحكاتها في حياتها العفوية التي لم تشوهها قوانين الكبار ولا أطماعهم أو نواياهم السيئة بعد. أي أسرة متوازنة يمكن أن يكوّنها رجل عجوز وطفلة بريئة لا يجمعهما فكر ولا منطق ولا اهتمام إلا غريزة نهمة تتوق للإحراق ومن طرف واحد ممعن في الإصرار وآخر يجهله. تكرار مثل هذه الحالات وتهاون الضالعين فيها واستهتارهم وتفريطهم وانتهاكهم الصارخ لحقوق المرأة بصفة عامة، واغتيالهم لطفولتها مهما ألبس من أغطية شرعية أو دثر بالحجج والادعاءات الواهية فإنه لا يمكن أن يخفي بشاعته وامتهانه لآدمية الإنسان وسعادته. إن تزويج أي قاصر هو جريمة بحد ذاتها تستوجب العقاب والمساءلة فما بالكم بإحراق شبابها وتشويه حياتها بإرغامها على الزواج من شيخ طاعن جرب أصناف النساء ولم يبق له إلا طعم الطفولة ليستطعمه ويجربه. إنها مأساة إنسانية يجب أن يخجل المجتمع من ظهورها فيه لأنها تصمه وتسيء إليه وإلى عقيدته. يجب أن تحارب وبحزم ويعاقب جميع الضالعين فيها ويحاسبوا ليردعوا غيرهم عن التمادي في انتهاك الحقوق والتحايل على الشرع واستغلال ضعف الناس واحتياجهم لإشباع شهواتهم وغرائزهم المريضة. فمثل هذه الزيجات لا تعدو عن كونها صفقات بيع لآدمية المرأة وانتهاكاً صارخاً لحياتها قبل أن تبدأها حتى وإن ظنه البعض حلالاً أو رخصة.