يتعامل كل متابع للشأن السعودي مع قضية قيادة المرأة للسيارة باعتبارها عنوانًا عريضًا لتمكين المرأة السعودية من حقوقها. البعد الرمزي في القضية هو الطاغي وهو الوحيد الذي يثير الجدل بين التأييد والممانعة. ومهما حاول المؤيدون الاستدلال بالأدلة الشرعية لدعم وجهة نظرهم القائلة بمشروعية قيادة المرأة، ومهما حاول المعارضون دحض حجج خصومهم، فإن الجميع يعرف أن القضية ليست إلا عنوانًا عريضًا يستخدمه المؤيدون لتمكين المرأة من حقوقها ولإزالة الظلم عنها، ويستخدمه المعارضون لتكريس النظرة الدونية للمرأة وللحيلولة بينها وبين الحصول على ما حُرمت منه من حقوق بالمقارنة مع الرجل. شخصيًا ليس لديَّ اعتراض في أن تمارس المرأة حقها المشروع في قيادة السيارة، ففي العالم كله ليست هناك قضية مماثلة لهذه القضية التي فُتح ملفها من أكثر من 21 عامًا. اعتراضي الأساس هو في اختيار قضية حق المرأة في قيادة السيارة، والتعامل معها كعنوان عريض ووحيد يرمز إلى ما تعانيه المرأة من تمييز لا يليق. في رأيي هناك قضايا أكثر أهمية وأكثر حيوية ويجب أن يكون لها الأولوية عند الحديث عن وضع المرأة، كما نبّه إلى ذلك سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ. على سبيل المثال فإنني لا أجد من المعقول أن يقوم المؤيدون بتعبئة الشارع لمناصرتهم في قضية حق المرأة في قيادة السيارة، دون أن يفتحوا ملفًا في منتهى الخطورة كملف تزويج القاصرات. قضية زواج القاصرات هي القضية المفتاحية التي تستحق عن جدارة أن تكون رمزًا يرفعه دعاة الإصلاح والمطالبين بحماية المرأة والطفل، لتغيير نظرة المجتمع حول بعض القضايا التي تمثل انتهاكات صارخة لحقوق وكرامة وسلامة الأطفال والنساء بدنيًا ونفسيًا. ولا أعتقد أن النساء إذا ما قدن سيارتهن سيستطعن توفير الحماية للقاصرات اللائي يتم الاعتداء عليهن وانتهاك أبسط حقوقهن وتدميرهن نفسيًا وربما جسديًا، باسم الزواج. إن الحديث عن قيادة السيارة وإهمال مثل هذا النوع من القضايا، يدل على وجود نوايا مبيتة لاستخدام قضية المرأة من قبل التيارين المتنافسين على الساحة، لتسجيل نقاط إضافية في مباراتهما التي يبدو أننا لن نشهد نهاية قريبة لها. زواج القاصرات هو الذي يحتاج لحملة وليست قيادة المرأة للسيارة. [email protected]