أزور مدينة جدة غالباً في زيارات عمل أكون فيها في استضافة رسمية لا أرى خلالها ما يراه السائح أو المقيم وبالتالي لا أتعرف على حقيقة المدينة. ولكن في زيارة لها الأسبوع الماضي اتيحت لي فرصة الاستكشاف بعيداً عن الرسميات، وبالتالي أمكنني الحصول على صورة أكثر واقعية. ولست بحاجة إلى تعداد مناقب جدة العزيزة على القلب، وما يجعلها حقاً مدينة ذات إمكانيات كامنة غير محدودة لجذب السياحة والاستثمار، فهي معروفة لدى الجميع. ومن الصفات الحميدة التي لمستها الشفافية العالية في طرح الصعوبات والعقبات، فالنقاش مفتوح بين المواطنين والمسؤولين وأعضاء المجلس البلدي ومجلس المنطقة ومجتمع رجال وسيدات الأعمال. ومما سمعته ولمسته من تلك الصعوبات خلال زيارتي القصيرة: - أزمة نقص مياه الشرب، وهي مشكلة استفحلت هذا الصيف ويُتوقع أن تستمر إلى بداية 2009م. - مشكلة الصرف الصحي والمستنقعات، وهي مشكلة تلقي بظلالها على كل شيء آخر. - حمى الضنك التي أصابت أعداداً كبيرة من سكان جدة. - كثرة الأحياء العشوائية التي يُقدّر سكانها بمئات الآلاف من المقيمين غير الشرعيين. - اختلال التركيبة السكانية: فحسب الإحصاء الأخير للسكان، تفوق نسبة الأجانب في جدة نسبتهم في أي مدينة أخرى، أكثر من مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة أو الرياض أو الدمام. ويميز الغالبية العظمى منهم انخفاض مستوى التعليم والمهارات. - كثرة الشحاذين والمشردين دون مأوى، والذين هم في أغلب الظن من المرضى أو المقيمين إقامة غير شرعية. - تدهور مستوى الخدمات بشكل يتعدى المألوف، في القطاعين العام والخاص. ويُعذر المرء في بعض مناطق جدة - ولا أقصد الأحياء العشوائية بل مناطق مثل الكورنيش - حين يخال نفسه قد انتقل إلى إحدى المدن الفقيرة في آسيا أو أفريقيا في مستوى النظافة والوعي والنظام. وقد تساءلت كثيراً: لماذا استعصت هذه المشاكل على الحل على الرغم من أن التشخيص واضح، وعلى الرغم من توفر الإمكانيات البشرية والمالية لحلها؟ والسؤال الثاني: لماذا لم يستطع تجار جدة، وهم أكثر تجار المملكة العربية السعودية قدرةً وخبرةً، على تحويلها إلى مدينة نموذجية، بدل أن تكون مدينة تعيش على شعارات لم تعد تعبر عن واقع الحال؟ قال لي أحد الأصدقاء هناك إن مدينته تحتاج إلى علماء نفس لا إلى اقتصاديين أو خبراء في التنمية الحضرية، لأنها مدينة تعيش حالة إحباط ناتج عن الفجوة الكبيرة بين الواقع والخيال: الواقع كما وصفته، والخيال المنسوج ممّا كانت عليه جدة في عصورها الذهبية، وما تطمح نفسها الكبيرة إلى أن تكون عليه في ضوء إمكانياتها غير المحدودة. هل هذا هو السبب؟