من أرض طريق الحرير الذي حُملت على دروبه أحلام التجار والمغامرين بالثراء والرفاه المضوّع في عطفات خيوط التفت وتدثرت في منعطفات الطريق الممتد من أقصى الصين شرقا وأحياناً من اليابان ليمتد غربا عبر آلاف من الأميال وأنهار وجبال وسهول ووديان وصحارى ليصل إلى دمشق والاسكندرية واسطنبول والبندقية وربما ما بعدها. من باكو عاصمة أذربيجان الحديثة، وإحدى هذه المحطات التي تشاركها من أرض أذربيجان محطات ومراكز أخرى مثل شاماخي، جَبَلة، أوغوز، شيكي، زاغاتالا وبلاكِن، ومن حيث أنعمُ بصحبة نساء من كافة أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي، من كل اتجاهات الأرض وقد فقن الثلاثمائة مشاركة ومشارك من بينهن عشر سيدات أُول لدول إسلامية وغير إسلامية وممثلات وممثلون لمنظمات دولية ومحلية تعنى بشؤون المرأة من كافة النواحي الصحية والعلمية والتربوية والتأهيلية والفنية والنفسية والسياسية والاقتصادية والحقوقية وغيرها من كل الخلفيات الثقافية والمهنية، ووفود رسمية ووزيرات وأستاذات جامعيات ورئيسات منظمات وغيرهن، مجتمعين جميعاً لمناقشة موضوع جديد تبنته سيدة أذربيجان الأولى السيدة ميرهيبان علييفا، رئيسة مؤسسة حيدر علييف الخيرية وبشراكة مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) واليونيسيف، حول "توسيع دور المرأة في الحوار بين الثقافات" والذي انعقد بين يومي 10- 11يونيو 2008يومان مكثفان رافقتهما فعاليات ثقافية جميلة ومنظمة تعكس فكرة التعايش بين الثقافات وقبولها واحترام خصوصياتها في كرم أذري وضيافة رفيعة ورعاية على أعلى المستويات تمثلت على سبيل المثال في الحفل الموسيقي الذي قدمت فيه مقطوعات بآلات أذرية وأوروبية وعربية تتناغم فيها أصوات الموال التقليدي مع الأوبرا والتخت الشرقي مع القيثارة والكمنجة. وتمثلت في الاستقبالات الرسمية والشعبية التي لاقيناها على طريقنا إلى جبلة (على بعد 230كم من باكو) للاستمتاع بأنماط الطبيعة المتنوعة لهذه الدولة النفطية الصغيرة والآثار التي تمتد إلى ألفين وأربعمائة سنة مضت، وفي كل قرية على الطريق نُستقبل بالأهازيج وباقات الزهور وضيافة رئيس بلدية المدينة ونسائها ورجالها وأطفالها الذين يتسارعون لالتقاط الصور مع زين الشرف التي تنظر إلى كل ما حولها بعينين تتسعان في دهشة طفولية وسعادة وانبهار بما يحيط بها، بالزهور التي تنهال على عربتها الصغيرة والأطفال الذين يلتفون حولها يحاولون حملها وبعد ذلك لا تفتأ تلوح لهم بالسلام وتعيده عشرات المرات حتى نعيد الصعود إلى حافلتنا المحاطة بسيارات الأمن الخاص والشرطة وقد اطمأنوا على سلامة الجميع لاسيما على أصغر مشاركة في المنتدى، وهي، تتنقل من يد إلى أخرى تحاول أن تحظى بابتسامة من خدها البريء المليء عزماً وإرادة. ويعد موضوع الحوار من أكثر المواضيع طرقاً هذه الأيام سواء محلياً، أو دولياً من خلال دعوات الحوار بين الثقافات والحضارات، أو دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان على سبيل المثال، والآن توسيع مشاركة المرأة في كل أشكال الحوار. وعلى الرغم مما تحمله هذه الكلمات من فضفاضية ومثالية وكثير من الإشكاليات على مستوى التطبيق والتعريف لكن المثلج للصدر أن هذا المنتدى ليس إلا افتتاحاً للفكرة بكل ما قُدم فيه من أوراق تُعد تأسيسية لبرامج سوف تعكف المنظمات الراعية للمنتدى على تشكيلها ورعايتها في أنحاء العالم الإسلامي مما يحول الفكرة إلى عمل على أرض الواقع. إنها خطوات تدعونا للتأمل كثيراً في دلالات موضوع الحوار وأبعاده ومسبباته ودواعيه والمقصود منه وكيف تشارك المرأة أو تُستثنى منه. كلها أمور مفتوحة وتحتاج لمزيد من المساحة أتركها لمقالات قادمة. @ مؤرخة وكاتبة سعودية