أحيانا تتواطأ ذاكرتك ضدك، فتذكرك بما عملت جاهدا كي تنساه "وتقلب عليك المواجع" كما يقولون، وأحيانا تخذلك حين تحاول أن تستجديها كي تتذكر شيئا مهما فتتجاهلك عمدا وتغلق أبوابها ضدك! لذلك قد تشعر بالقهر أو قد يتلبسك غضب مكبوت لا تعرف له بداية من نهاية، لأنك لا تستوعب كيف يعمل عقلك ضدك وهو جزء منك؟ كيف يعاديك، يعاندك يصر على أن يتجاهلك ويتعامل معك وكأنه لا يعرفك؟ أن يخذلك الآخرون هذا أمر تعودت عليه، لكن أن تخذلك نفسك هذا أمر شديد المرارة! تخيل لو استيقظ شخص ذات يوم ليكتشف أنه نسي كيف يستخدم يديه، تخيل لو أنه حاول أن يمد أصابعه ليمسك بفنجان شاي فيجد أنها لا تقوى على حمله، يحاول أن يرسل إشارة عصبية عقلية ليده لكنها لا تستجيب! تخيل لو أنه التفت مطالعا لما حوله لحجرته التي ينام فيها عمرا كاملا لكنه لا يتعرف عليها، ينظر للوجوه فيجدها تتشابه بلا ملامح، يحاول أن يتذكر الكلمات لينشئ منها جملة لكنها تخرج مبعثرة لا معنى لها! أحيانا تأخذه الذاكرة إلى عشرين عاما مضت وأحيانا إلى الماضي القريب الذي لم تمر عليه سوى ساعات. يهتم الاطباء بتشخيص هذه الحالات والبحث عن مسمى لها وعن علاج يحاول أن يبقي الحال على ما هو عليه حتى لا يسوء أو على الأقل يحسنه قليلا فالطب مهنة أساسها الأمل، وتخصص الأبحاث لمحاولة معرفة أسرار أمراض التلف العصبي التي تؤثر على وظائف المخ وبالتالي التوصل لعلاج، وطريق البحث طويل، خاصة حين نتحدث عن العقل والجسم البشري المعقد. وأنا هنا لست بصدد الحديث عن هذه الأبحاث، لكن ما يشغلني هو التساؤال الدائم عن الذي يحدث داخل عقل هذا الإنسان الذي يعيش هذه الحالة، عن مشاعره وأحاسيسه وهو يفقد السيطرة على ذاكرته وجسده جزئيا. ترى هل العقل واع لحالة الانسحاب هذه؟ إذا كانت الإجابة بنعم فإن الوعي في هذه الحالة يزيد الآلام! أليس كذلك؟