* لم يتبادر إلى ذهني أنني مقدم على عمل صحفي سيتبلور سريعاً حينما كنت على وشك أن أغادر السوبر ماركت في العاشرة مساء، فجأة استوقفتني سيدة مغطاة بعباءتها ترجوني الخروج من المنطقة الخضراء البعيدة عن الكاشير لأنني أحمل معي صحفاً من داخل المكتبة، وقد سددت ثمنها، وبالتالي فلا داعي للوقوف في (طابور الكاشير).. قبل أن افعل ذلك سألتها عن عملها فلم نتعود على وجود امرأة تنظم، أو تراقب خروج المتسوقين من السوبر ماركت، ومن هنا نشب الحديث بيننا. قالت السيدة التي تقف على بعد خطوتين من الكاشير انها تعاني من ظروف صعبة جعلها تقبل هذا العمل الليلي - على الواقف - عدة ساعات تتفقد حركة المتسوقين، وتراقب خطواتهم، وانها سعيدة بالوظيفة التي تدر دخلاً عليها - مهما كان قليلاً - وضعيفاً فإنه يساعدها على مواجهة ظروفها الصعبة، وهو ما يجعلها حريصة على التمسك بالوظيفة البسيطة، وقالت عن نفسها (نحن ولايا، وفاتحين بيوت، ونحتاج إلى التشجيع، والمساعدة، والوقوف إلى جانبنا، وفتح أبواب العمل الشريف لنتمكن من مواجهة ظروف الحياة القاسية، والصعبة، وخاصة عندما تتحمل المرأة المسؤولية، أو جزءاً من هذه المسؤولية)..؟ امرأة بين الرفوف ليست هذه هي المرة الأولى التي اشاهد امرأة تقف متحفزة تتفقد شيئاً، أو تراقب شيئاً، أو تنتظر شيئاً لكنها المرة الأولى التي افتح فيها حديثا مع هذه المرأة التي أراها ليلاً داخل السوبر ماركت فقط دون غيره (مما يعني تشجيعاً من القائمين على هذه المراكز على تشغيل المرأة السعودية).. الوظيفة مرهقة فشرطها الأساسي هو (الوقوف ساعات متواصلة، والحركة المتواصلة، واليقظة المتواصلة، داخل السوبر الماركت، والاختفاء بين الرفوف، والاندفاع نحو ممرات الخروج - من جهة الكاشير - ومن يرى حال المرأة العاملة التي تحدثت معي بعفوية، ودون أن تعرف أنني - صحفي - أو أن اتجاهاتي صحفية، وإنسانية ستأخذه الشفقة، والعطف على هذه المرأة، وغيرها في الفرصة الوظيفية التي حصلت عليها، ووقوفها ساعات داخل السوبر ماركت بعيون يقظة، وجسد رياضي حتى لا تفوتها (شاردة، وواردة) وإلا فقدت فرصتها التي جاءتها، أو جاءت هي إليها. وهذا (الوقوف الطويل) كان هو الذي استرعى انتباهي، ولفت نظري فدفعني لسؤال المرأة المتدثرة في عباءتها: @ هل أنت مراقبة داخل السوبر ماركت تحرسين بضائعه، وسلعه.. - نعم.. وقد فرحنا بالالتحاق بهذه الوظيفة فلدينا بيت، وأسرة، ولكل واحدة ظرفها المعيشي الذي يتطلب منها الوقوف ساعات، والحراسة، والمتابعة. @ هل قبضتم على لصوص يخفون السلع، أو يهربون من الدفع؟ - قبضنا على العشرات وتم تسليمهم لإدارة الأمن عند مخرج السوبر ماركت. @ بصراحة اللصوص كانوا أكثر من الرجال أم من النساء؟ - من الرجال قالتها قبل أن اقدم لها المقارنة.. السؤال الذي ترددت في طرحه عليها هو (مقدار الراتب) الذي تحصل عليه مقابل هذه الوظيفة (المفيدة صيفاً بسبب التكييف المركزي والضار شتاء بطبيعة الحال.. وسبب إحجامي عن السؤال هو ان شاباً في مقتبل العمر كان موظفاً في إدارة هذا السوبر ماركت أو أحد فروعه الرئيسية وكنت أعرف مقدار راتبه فبلعت كلامي وودعت السيدة وفي ذهني الكثير من الصور عن حاضر ومستقبل المرأة التي تضطرها ظروفها للعمل من أجل استمرار الحياة بكل معاناتها ومتاعبها وقسوتها أحياناً. المليارات الناعمة هل نراها خشيت ان أقول للمرأة العاملة في السوبر ماركت المعلومة الصحفية فتسقط واقفة لذلك حافظت عليها بيني وبين نفسي وقد تصلها المعلومة من أحد قراء الصحف داخل السوبر ماركت فتصدقها أو لا تصدقها تقتنع بها أو لا تقتنع تنبسط لها أو يتعكر مزاجها ليس حسداً إنما مسرة والمعلومة التي قرأتها مثل غيري ان قيمة الأرصدة الناعمة في البنوك تبلغ حوالي مئة مليار ريال من واقع دراسة أعدتها إحدى الأكاديميات السعوديات أي ان هناك نساء سعوديات يملكن في البنوك ما شاء الله أرصدة بهذا المبلغ الهائل بينما على الجانب الآخر نساء سعوديات كثيرات يبحثن عن فرص عمل دخلها بسيط وأحياناً بائس وعدم تقديمي لهذه المعلومة الصحفية للسيدة التي نثرت همومها الأسرية أمامي انني خجلت أولاً حيث ان هذه المرأة بكل تأكيد وغيرها كثيرات لا يعرفن معنى وجود مئة مليار ريال في خزائن البنوك الكبيرة للجنس الناعم وثانياً لأنني لا أستطيع تقدير الدور الذي سيلعبه نصف هذا المبلغ الهائل فيما لو استخدم في مشروعات ذات طابع نسائي سوق تجاري للملابس النسائية سوق للمجوهرات بنفس الطابع متنزهات، مطاعم، مستوصفات، ملاعب أطفال، مدارس، وغير ذلك من المشروعات ذات الإدارة النسائية الكاملة. وأيضاً التفكير في إقامة مشروعات ومؤسسات ذات طابع اجتماعي تخدم الفئات المحتاجة من الأرامل والمطلقات واليتيمات ومن في حكمهن وذلك بهدف تشغيل أعداد كبيرة من العاطلات من جهة ومساعدة الأسر المحتاجة للغذاء والدواء والكساء والسكن من جهة أخرى. ونعتقد كما يعتقد غيرنا ان جزءاً من المئة مليار ريال سيغطي المشروعات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والخيرية وقد يعود هذا الجزء مضاعفاً إما مادياً لما كان أو شعوراً بالراحة النفسية لأنه أسهم في رفع المعاناة عن أسر رقيقة الحال جداً أو ولايا يعملن ليفتحن بيوتاً من تعبهن وجهدهن وسعيهن كما قالت ذلك المرأة البسيطة جداً المتدثرة داخل عباءتها تقف بالساعات تراقب الخارجين من السوبر ماركت لعلها تفوز بلص من اللصوص تقدمه لإدارة الأمن فتزداد الثقة في يقظتها وينعكس ذلك على وظيفتها. احصائية قديمة عن العاطلات عمل المرأة من قبل مؤيديه ومعارضيه دخل مرحلة هامة أو حساسة هل نفتح الأبواب على مصراعيها لعمل المرأة في أي مجال أم نحدد مجالات لعملها تحافظ على مكانتها والبعد عن (شوائب) ترافق عمل المرأة قبل ان نفتح لها أبواب العمل. وهذا يعيدنا إلى جهود وزارة العمل في تشغيل المرأة في محلات بيع الملابس النسائية وبعد سلسلة من الإعلانات والأخبار الصحفية واقتراب المرأة من دخول متاجر الملابس النسائية توقف المشروع لمرتين متتاليتين بعد مرحلة تدريب وتجهيز واعداد ثم تم تعليق المباشرة واغلقت الأبواب وتم الإعلان عن ذلك إلى وقت لاحق. احصائية قديمة قالت ان هناك ثلاثة ملايين ونصف مليون امرأة عاطلة على مستوى المملكة وان هناك مئات البرامج لتقليص هذه النسبة وبدأنا نقرأ عن نساء يعملن معقبات ومسوقات وذلك من منطلق مساعدة النساء وحاجتهن إلى كوادر نسائية تقوم بخدمتهن. وأياً كانت المبالغة في هذه الاحصائية من عدمها فإن الجميع يعملون على تحسين وضع عمل المرأة في المرافق والقطاعات التي تتناسب معها ومع قدراتها والمرأة بدورها تحاول ان تثبت كفاءتها لتشارك في خدمة نفسها ورعاية أسرتها وخدمة مجتمعها بشكل عام وهي تسعى إلى البحث عن فرصة عمل تلتحق بها لتسد مطالبها واحتياجاتها ولتشعر انها امرأة مفيدة لنفسها ومجتمعها!