تراخت وزارة العمل عن تنفيذ تأنيث المحال النسائية، ورغم أن الوزارة لها اليد الطولى في إصدار القرارات، إلا أنها بين عشية وضحاها جمدت العمل بالقرار الذي أصدرته، ليصبح مصير آلاف الوظائف النسائية مرهونا بالجرأة على تنفيذ القرار. لكن في جدة اختلف الحال، وبات الحديث عن عطالة أكثر من 200 ألف فتاة، منهن 156 ألف جامعية، في عداد الماضي، فالخطة الجديدة لاستيعاب آلاف العاطلات تقضي بتوظيفهن كاشيرات في المراكز التجارية، وهو الأمر الذي تبنته بعض المراكز في بادرة وطنية يجب أن تنال عليها التقدير، لكن الغريب أن وزارة العمل ممثلة في مكتب العمل راحت تهلل للفكرة وكأنها المنقذ لها من ورطة تأنيث المحال التجارية، وسارعت بالتأكيد على أن مثل هذه الوظائف متاحة أمام الخريجات أو بالأحرى الفتيات، بل وشددت على أنها وظائف مناسبة إن لم تكن مثالية. فإذا كانت بادرة بعض المراكز التجارية يجب أن ينظر لها بالتقدير، ولكنها يجب ألا تخرج عن الجانب الاجتهادي الفردي، فما الذي جعل وزارة العمل تتمسك بالقشة التي ربما تنقذها من المطالبات بتأنيث المزيد من الوظائف، وتفتح مجددا باب المطالبة بتأنيث المحال النسائية. وإذا افترضنا أن وظائف الكاشيرات مقبولة مجتمعيا وأسريا، فكم وظيفة يمكن أن توفرها تلك الوظائف لخريجات أو بالأحرى عاطلات بالآلاف، وكم مركزا يمكنه أن يتقبل عمل الكاشيرات، وكم فتاة يمكنها أن تقبل عمل الكاشيرات، وكم مدينة يمكنها أن تقبل وجود كاشيرات مثل جدة، وكم مجتمعا أو أسرة يمكنها أن تتقبل خروج الفتيات لوظائف كاشيرات؟ كلها تساؤلات لم يفتحها باب الاجتهاد في توفير ربع وظيفة للعاطلات، كما فعلت تلك المراكز التجارية، في ظل الاجتهاد المحمود، بل فتحها إصرار وزارة العمل على أن الكاشير هي الوظيفة الأفضل والأنسب للفتيات وكأنها العصا السحرية التي تنتشل 200 ألف فتاة من بئر العطالة، في وقت تتناسى أن سعودة الكاشير قرار وزاري يجب أن ينفذ لتوظيف الشباب، في ظل بطالة يصل تعدادها إلى أكثر من 248 ألف شاب، الأمر الذي يجعل الوزارة تسعود وظائف الكاشيرات، ثم تفتح الباب للفتيات على تلك الوظائف، فأين يذهب العاطلون، وهل من المنطقي أن تعمل فتاة وشاب على وظيفة واحدة. جدة غير لم تكن حملة توظيف الكاشيرات التي بادر بها عدد من المراكز التجارية في جدة، نموذج يحتمل تطبيقه في المدن الأخرى، وبالرغم من ارتفاع وتيرة الترحيب بهذه البادرة إلا أن مراكز المدن الأخرى فضلت الصمت الطويل، ما يجسد التأكيد على عدم الرغبة في خوض هذا المجال. ففي الرياض لم تفصح أي من المراكز التجارية عن البدء في تطبيق هذا النموذج، لتقف جدة وحيدة تغرد خارج السرب. حتى في الشرقية جاء الترحيب محدودا، ولكن وفق مفهوم آخر، حسبما يرى مسؤول توظيف في مركز لبيع النظارات بالمنطقة الشرقية عبدالله العبدالله، من أن المرأة إن نفعت في هذا المجال فإنها تنجح كاشيرة في قسم مخصص للنساء «توظيف النساء كاشيرات لا يتناسب مع جميع الأماكن والمحال، وسبق أن وظفنا نساء في ثلاثة محال تابعة لنا، إحداهن تعمل في قسم نسائي بالكامل، واثنتان تعملان في المحل العام قبل أن يتم فصله، وأعتقد أنه لا يوجد قبول لعمل المرأة في الأعمال العامة التي تعرضها للاختلاط بالرجال خصوصا في أمور البيع والشراء، ووقوفها خلف الكاشير يعرضها للكثير من الإحراجات مع الزبائن الذين لا يقبلون بها أحيانا، ويتجاوزون حدودهم في الكلام، ما يعرض الموظفة للإحراج في الرد عليه، أو السكوت عنه، حيث سيعتبر الرد عليه طردا للزبون وربما يعرضها ذلك للإحراج في عملها». مضايقات مستمرة ويشرح كيف كان الوضع غريبا في عمل المرأة كاشيرة في المحال العامة للمرة الأولى، الأمر الذي فرض التراجع عنها سريعا «حين عملت السيدة الأولى في محلنا، كان الوضع يبدو غريبا جدا، وكانت بشكل يومي تتعرض لأسئلة الزبائن حول طبيعة عملها في المحل، وكانت تتعامل مع الموضوع بشكل جيد، إلا أن الوضع أصبح مزعجا مع تكرار المضايقات، من بعض الزبائن الذين كانوا يتعمدون الدخول للمحل من أجل المرور على الموظفة، ما جعلنا نقوم بإنشاء قسم نسائي خاص تعمل به نساء كاشيرات وموظفات تسويق، وأيضا اختصاصية عيون للكشف على النظر، وقد حقق القسم النسائي فائدة أكثر من عمل المرأة في المحل العام، حيث أصبح القسم النسائي مقصدا للنساء كونه يقدم خدمات نسائية كاملة من فحص وتسويق وبيع، ولا يزال القسم حتى الآن يقدم خدماته للنساء بشكل جيد دون وجود مشكلات تذكر في التعاملات اليومية مع الزبائن». غير مناسب ويعترض سالم البوعينين، على فكرة الكاشيرة في المركز التجاري «عمل النساء كاشيرات غير متناسب مع عادات المجتمع وتقاليده، وغير مقبول من أغلب الأسر السعودية المحافظة، كما أنه يشكل إحراجا للزبون الذي يفاجأ في نهاية تسوقه بكاشيرة قد يرفض عملها وقد يقبله، وهناك العديد من الأعمال الأخرى، والأكثر تناسبا للمرأة من عملها كاشيرة، كالعمل في المصانع بدلا من العمالة الأجنبية، وهي تتناسب مع المرأة كونها تكون بعيدة عن التعاملات المباشرة مع الزبائن، ولأنها تكون داخل المصانع ضمن بيئة عمل تتناسب وطبيعة المرأة». ويذكر البوعينين وزارة العمل بتراجعها عن تأنيث المحال النسائية، متسائلا عن هذا القرار الغائب، بدلا من الميل لوضع النساء في مواجهة الاختلاط غير المقبول «تنفيذ وزارة العمل لقرارات تأنيث المحال النسائية سواء محال الملابس الداخلية أو كافة الملابس والحاجيات النسائية، أفضل من عملهن كاشيرات في مراكز تسويق عامة، أغلب المتسوقين والزبائن فيها من الرجال، وسبق أن واجهت موقفا في أحد مراكز التسوق التي توظف النساء حارسات أمن، حيث كانت الموظفة تعاني من مضايقات من مجموعة من الزبائن الشباب، فما كان منها سوى استدعاء مشرف الأمن، الذي اكتفى بتأنيب الشباب، وطلب منهم فقط عدم التحدث مع الموظفات، دون أن يكون لفعلهم ذلك أي عقاب يشعر المرأة الموظفة في مكان عام بالأمان، والحصول على حقها في الاحترام والتقدير ضمن بيئة عملها». ظل كاشيرة لكن على غرار «ظل رجل ولا ظل جدار»، ترى ربة المنزل زهراء المرهون، أن ظل الكاشيرة أفضل من البقاء في صف العطالة «مشكلة عمل المرأة لا تتعلق ببطالة غير المتعلمات، بل إن المشكلة الكبرى لدى خريجات الجامعات والمعاهد اللاتي درسن أعواما في انتظار حصولهن على وظيفة تتناسب وتخصصاتهن ليفاجأن الآن بأن وزارة العمل تعمل على توفير وظائف للنساء بائعات وكاشيرات وحارسات أمن، وهي وظائف لا تتناسب ومستواهن الدراسي، ولا تمثل طموحهن، حتى وإن قبلن بها بوصفها خيارا متاحا، ولكنها قتل لطموحهن وقتل لرغبتهن في العلم والدراسة، ولاحظت أن المرأة التي تعمل في مكان تسوق عام فتاة مضطرة إلى ذلك بسبب حاجتها المادية للوظيفة، لا امرأة ترغب في تحقيق طموحها في العمل، وأغلبهن لا يبقين في الوظيفة، خصوصا إن كن لا يمتلكن أي ميزات في هذه الوظيفة، كما هو الحال مع حارسات الأمن في المجمعات التجارية ومراكز التسويق». محال الذهب أولى وتنادي بأهمية العودة لملف تأنيث المحال النسائية «فرص عمل المرأة في محال الملابس النسائية، تمثل أكثر مناسبة للمرأة السعودية، حيث إن أغلب الزبائن في هذه المحال من النساء، والتعامل المباشر يكون مع نساء لا مع رجال وشباب قد لا تقدر المرأة على التعامل معهم إن حاولوا التحرش بها أو مضايقتها، وعدد الأماكن التي يمكن للمرأة العمل فيها كثيرة، وجميعها أماكن تتناسب مع طبيعتها أكثر من عملها كاشيرة، مثل تأنيث جميع محال الخياطة النسائية، حيث لا تزال هناك محال خياطة يديرها رجال، والعمل في محال بيع الذهب حيث إن أغلب الزبائن نساء في هذه المحال، إضافة إلى العديد من مجالات التسويق التي تتناسب مع المرأة كونها ضمن إطار أعمال بيع وشراء موجهة للمرأة بالدرجة الأولى». التعامل صعب وتستعرض موظفة أمن في أحد المجمعات التجارية، ندى الزهير، تجربتها نموذجا لمواجهة المجتمع، مشيرة إلى أن عملها يتطلب منها شجاعة «لولا وجود عدد من الموظفات معي في ذات الوظيفة لما تحملت العمل، أما عمل المرأة في الكاشير، ربما يمكن مع تخصيص أقسام محاسبة للنساء وأخرى للرجال في كثير من المجمعات التجارية الكبيرة، حيث إن محاسبة النساء تقف خلفها امرأة، ومحاسبة الرجال يقف خلفها رجل، ولكنه قد يكون أكثر صعوبة إن كانت في كاشير محاسبة عامة، خصوصا مع صعوبة التعامل مع الزبائن سواء من النساء أو الرجال، وهذا الأمر قد يكون أكثر صعوبة على المرأة التي يصعب عليها التجادل مع الرجال، خصوصا إن بدأ الزبون باستغلال كونها امرأة وأحرجها وهذا ما يواجهنا كثيرا في عملنا موظفات أمن، حيث إن بعض الزبائن يتعمدون أن يخالفوا أنظمة المحل، في حال وجود امرأة أمامهم، كالدخول للمحل بأكياس شراء، وهذا ممنوع، وإن لفتت الموظفة الزبون لذلك فإنه يرفض، إضافة لتعرض الموظفات للكثير من التحرشات والمضايقات والسباب والشتائم من الزبائن، حتى النساء منهن، كما حصل مع إحدى زميلاتي التي تركت عملها، بعد تعرضها لمهاجمة امرأة، لها حاولت الدخول لدورات المياه بالملابس التي اشترتها، وحين نبهتها زميلتي إلى أن هذا الأمر ممنوع، انهالت عليها بالسباب والشتائم، وسخرت من عملها وقد تسبب ذلك الموقف بالكثير من الإحراج لنا نحن موظفات الأمن، ولزميلتنا التي تركت عملها مباشرة، بعد تعرضها للموقف». فشل مبكر ويحكم الكاشير في أحد المراكز التجارية، أحمد علي، على فكرة عمل الكاشيرة بالفشل مبكرا «عمل المرأة خلف طاولة الكاشير لن ينجح، لعدم تناسب هذه الوظيفة للمرأة، ومن الصعوبة أن تتعامل المرأة مع الزبائن في مراكز تجارية مزدحمة، تحتاج إلى سرعة العمل وسرعة التعامل مع الزبائن الذين تختلف نوعياتهم، فترى الزبون المتعاون الذي يحاسب عن حاجياته، ويمضي في حال سبيله، وزبونا آخر يبحث عن مشكلات فيجد له وسيلة لإثارة المشكلة مع الكاشير مثل كوبونات المسابقات، أو حتى خطأ في الحساب، وأحيانا تصل لرفع الصوت والشتم، وقد يستغل البعض وجود المرأة خلف الكاشير لإحراجها بهذه التصرفات، التي هي مزعجة للكاشير الرجل، فكيف بالمرأة التي قد لا تستطيع التعامل مع مثل هذه المواقف خصوصا في المراكز التجارية الكبيرة» .