من المحزن الاعتراف بأن مشكلة المخدرات أصبحت أكثر خطورة في ظل التوسع والتقدم التكنولوجي، وهذا ما ساهم في جعل المخدرات مشكلة عامة ماعادت مقصورة على بلد معين أو شريحة من شرائح المجتمع، وإنما أصبحت من أهم المشكلات الاجتماعية التي تواجه الشرائح الاجتماعية والمؤسسات التربوية والتعليمية في أغلب بلدان العالم (وتشير الإحصائيات إلى أن عدد متعاطي المخدرات في العالم بلغ حسب تقديرات تقرير الأممالمتحدة لعام 2005(200) مليون متعاطٍ يمثلون 5% من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15و 64سنة. وللتفصيل في دور الشبكة العنكبوتية في تسهيل الحصول علي المخدرات من قبل الشباب المراهقين قام الباحث الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز اليوسف أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عضو اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات بالمملكة، بعمل دراسة عن "التحديات التي تواجه الأسرة الخليجية: المخدرات والانترنت والمراهقين"، أوضح فيها محاور كثيرة.. نقتطع منها بعض النقاط الهامة: ففي جانب خطورة الانترنت في شأن تعاطي الأحداث للمخدرات أوضحت الدراسة أنه في عام 2000، دخل عدد (أربعة ملايين طفل) إلى شبكة الانترنت وسيرتفع العدد إلى (15مليون طفل) خلال العشر أعوام القادمة، تتراوح أعمارهم بين تسعة أعوام وسبعة عشر عاما، سيما وان الشبكة تملك قدرة هائلة على جذب الشباب إليها. وأشارت الدراسة إلى أن تعلم المخدرات بطريق الانترنت من الصور السلبية لاستخدام هذه الشبكة، وتعكس صورة للجريمة في عالم متغير، نتيجة التغير التكنولوجي الذي طرأ على العالم وأدى إلى ظهور أنماط جديدة من الجرائم، واستعرضت الدراسة بعض أنماط ترويج المخدرات عن طريق الانترنت فاتضح من خلالها حقائق خطيرة نستعرض فيما يلي بعض نقاطها: غرف دردشة.. للترويج! تحفل شبكة الانترنت بغرف دردشة متخصصة في تعاطي شتى أنواع المخدرات، من غرف تعاطي الهيروين وغرف تعاطي الحشيش وغرف تعاطي الامفيتامينات، وتقدم هذه الغرف المعلومات والنصائح للمتعاطين الجدد وتدعوهم إلى أفضل طرق تعاطي كل عقار، فهذه الغرف تعد من الروافد التي تغذي ثقافة تعاطي وإدمان المخدرات عن طريق هذه الشبكة، فعن طريق المحادثات في تلك الغرف يمكن معرفة أساليب تعاطي أصناف من المخدرات، بل يمكن صناعتها منزلياً عن طريق المعلومات الموجودة في بعض المواقع. ويورد د. اليوسف في دراسته قول احد المسئولين المختصين في مكافحة المخدرات من العاملين في البيت الأبيض الأمريكي: "إن ما تقوم به شبكة الانترنت العالمية يقوض الجهود والسياسات التي تبذلها الحكومة لمكافحة المخدرات، وذلك لأن الشبكة تنشر معلومات تؤدي إلى زرع بذور معاداة قوانين المخدرات". وتبدو المشكلة المترتبة على تبادل الحديث في غرف الدردشة عبر الانترنت سلبية من زاويتين: الزاوية الأولى: إن أولياء الأمور من آباء ومعلمون وتربويون وغيرهم ليس لديهم كمية المعلومات الموجودة على الانترنت، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ثقافة هؤلاء بالحاسب هي أقل من تلك التي توجد لدى أبنائهم الذين لديهم شغف بالمعرفة المعلوماتية وهم أكثر قدرة ومهارة من غيرهم في تعلم مهارات الحاسب الآلي ترتب على هذه الفجوة الثقافية بين الأبناء والآباء إن قُلبت إحدى صور التنشئة الأسرية في مجتمعنا العربي فظهرت فيه حالة اسمها التنشئة الراجعة التي تعني افتقار الأبوين معرفة الابتكارات والمخترعات التقنية الجديدة كالانترنت والكمبيوتر وقيام الأبناء والأحفاد بتعليم أبويهما أو جديهما طريقة استخدام هذه التقنية ليكسبوهم معرفة تقنية جديدة. والزاوية الثانية هي أن طبيعة الحديث في غرف الدردشة عبارة عن حديث عادي بين المشاركين وان الإدلاء بأحاديث تتعلق بالمخدرات يسهل التقاطها من قبل صبي مشارك في هذه الدردشة، ومن ثم تنتقل إليه ثقافة التعاطي والإدمان للمخدرات. الثالوث.. الأخطر أشارت الدراسة أيضاً إلى أن أخطر ما في الموضوع أن ثمة علاقة يمكن ملاحظتها من خلال الملاحظة عبر مواقع الانترنت هي العلاقة الوطيدة بين ثالوث (المراهقة والمخدرات والانترنت). وفي الولاياتالأمريكية لا يخفي العاملون في حقول التربية انزعاجهم من وجود علاقة بين تلك المحاور الثلاثة، حيث اكتشفت العديد من أنواع الدعاية لحفلات محلية ليلية في أمريكا تسمى - هذيان- ويشيع فيها استخدام عقار مخدر بأسماء عديدة، ويرى هؤلاء أن منظمي هذه الحفلات والداعين إليها لديهم معلومات عن المخدرات وطرق توزيعها عبر الانترنت، بل أن بعضها قد يعود الأطفال للذهاب إلى أماكن لا يرغب الآباء في ذهاب أبنائهم إليها إطلاقا. ولعل ما يثير غضب التربويين والآباء في آن واحد ما يردده البعض من خلال الانترنت بعدم وجود ضرر من المخدرات! في المقابل يرى الاتجاه المناهض لنشر ثقافة المخدرات على الانترنت أن المواقع التي توجد على شبكة الانترنت وكذلك غرف الدردشة التي تحبذ نشر هذه الثقافة عبر الانترنت يديرها أشخاص متفوقون وبارعون في استخدام الشبكة عن أولئك الذين يديرون المواقع المناهضة لنشر ثقافة المخدرات على الشبكة، فضلا عن أن المواقع الأخيرة تتسم بأنها قليلة العدد بالنظر إلى المواقع التي تحبذ الترويج لثقافة المخدرات عبر الانترنت. والحقيقة أن هذا الحديث يلقي بظلاله على مدى جدوى ونجاح السياسة الجنائية المعاصرة بطرقها التقليدية في علاج انحراف الأحداث في الوقت الحالي، إذ يتطلب الأمر تدريب كافة العاملين في أجهزة العدالة الجنائية (الشرطة، القضاء، السجون) وكذلك القائمين على الرعاية الاجتماعية وان ينصرف هذا التدريب إلى تدريس ثقافة الحاسب الآلي والانترنت وكيفية التعامل مع أضرارها بالنسبة للأحداث ومقاومة - إدمان الأحداث لها - والتوعية بمخاطرها، ذلك أن الفكر التقليدي في السياسة العقابية للحدث أصبح من التراث. وبصرف النظر عن تقاعس الدول في مواجهة ظاهرة - المواقع - التي تروج للمخدرات على شبكة الانترنت - رغم اهتمام الحكومات بمواجهة المواقع الإباحية على الشبكة - فهناك تحالفات مناهضة لتعاطي وإدمان المخدرات لها مواقع على الشبكة ومنها تحالف يسمى (تحالف التجمع الأمريكي المناهض للمخدرات)، يقول "كيلي فوستر" الناطق باسم هذا التجمع: أن تحالفه خسر المعركة الأولى في ساحة الانترنت أمام العديد من المواقع التي تروج ثقافة المخدرات والتي يرجع تاريخ بعضها إلى وقت مبكر بينما موقع التحالف المناهض للمخدرات (www.cadca.org) لم يمض على وجوده في الانترنت أكثر من عامين، وكان يتعين إطلاقه قبل ذلك. دور الأسرة ومع ذلك توضح الدراسة أنه يمكن ومن خلال الأسرة، مكافحة تعاطي وإدمان المخدرات اياً كان مصدرها ولو كان بطريق الانترنت، ففي كندا كان هناك تجربة رائدة لاتحاد أولياء الأمور، حيث أثبتت التجربة العملية، ومن متابعة إجراءات الأمن في قضايا مكافحة المخدرات، أن اتحاد أولياء الأمور واتفاقهم في الرأي وتنسيق جهودهم في العمل ضد مهربي ومروجي المخدرات بين الشباب هو السبيل الأمثل للقضاء على هذه الآفة وإنقاذ الشباب من شرها، فقد استطاع - اتحاد أولياء الأمور- لأحد الأحياء في كندا -ولا يزيد عدد أعضائه عن أربعة- استطاع مكافحة تفشي المواد المخدرة في بلدة بأسرها، عن طريق بث التوعية بخطورة المخدرات بين الشباب ولذلك يتعين إنشاء اتحاد لأولياء الأمور للنهوض بهذه المهمة الجليلة في كل مكان وفي كل مدينة وكل قرية وكل حي. ذلك أن وقاية الأفراد من الوقوع في براثن المخدرات ومكافحة تعاطيها وإدمانها لن يتأتى إلا بتضافر جهود الأفراد والأسر والمؤسسات المعنية الرسمية منها والأهلية قبل أن يستشري هذا الداء في جسد الشباب، ويصبح عقبة أمنية واجتماعية خطيرة. تجربة عالمية.. نموذجاً والحقيقة أن مقاومة تعاطي وإدمان المخدرات عن طريق الشبكة يعضده تأهيل الصغار والأحداث في سن مبكرة على أن يقولوا "لا" للمخدرات، كما حدث في تجربة المشروع "الوقائي" المشترك بين إدارة شرطة لوس أنجلوس ومنطقة لوس أنجلوس التعليمية. و يرى د. اليوسف أهمية استعراضه داخل الدراسة لأهم عناصر ذلك المشروع، والذي بدأت فكرته عندما اتصل قائد الشرطة- جيتس- بمدير المنطقة التعليمية الدكتور هاري هاندلر- لدعوته التعاون من أجل مكافحة استخدام المواد المخدرة والكحول، لأن الجهود التقليدية التي يبذلها رجال الشرطة لمنع تعاطي وبيع العقاقير المخدرة غير المشروعة داخل المدارس من خلال- حملات الشرطة- الدورية لم تترك إلا أثراً ضعيفاً، فضلاً عن أنها جعلت التلاميذ والمسئولين عن المدارس يشعرون بالنفور من الشرطة، وقد أشار قائد الشرطة إلى أن الحاجة تفرض استخدام أسلوب جديد يركز على الوقاية ويهدف إلى بناء الثقة بين المدرسة والشرطة، وقد وافق مدير المنطقة التعليمية على ذلك الرأي حيث تم تكوين مجموعة عمل تتألف من رجال الشرطة والمسئولين بالمدارس لوضع البرنامج التدريبي لذلك المشروع وقد تحدد هدف هذا المشروع في تزويد طلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة بالمهارات اللازمة لمقاومة الضغوط التي يمارسها أقرانهم لتجربة تعاطي المخدرات والكحول، ويتمثل هذا الهدف باختصار في تعليم التلاميذ كيف يقولون "لا للمخدرات". وقد كان هناك إجماع قوي "اقتناع" بين خبراء التربية والطب على أن منع استخدام أي مادة من المواد المخدرة يجب أن يبدأ في وقت مبكر قبل أن يتأثر الصغار بأقرانهم بالدخول في تجربة استخدام المواد المخدرة والكحول، والأهم من ذلك أن هذا المشروع يوفر هذا التدريب في نفس الوقت الذي تبدأ فيه ضغوط الأقران. ويتفرغ للتدريس في هذا المشروع بعض ضباط شرطة لوس أنجلوس، ويتم توزيعهم على خمس مدارس في الفصل الدراسي الواحد، حيث يقوم الضباط بزيارة الفصول الدراسية التي تم تحديدها لهم مرة واحدة أسبوعيا لتدريس منهج جديد قام بوضعه المسئولون بالمنطقة التعليمية، ويتمتع المعلمون بالمشروع وهم ضباط الشرطة المحنكون الذين لديهم خبرة طويلة في الاحتكاك بالجمهور - بمصداقية لا تقارن بما يتمتع به مدرسو الفصول المعتادون، وعلى نفس المستوى تميز الضباط بالكفاءة في التدريس، ويقوم المشرفون على المشروع بعمل زيارات متكررة للإشراف على أداء المعلمين بالفصل.