كثير من المشروعات التي تنفذها الدولة لخدمة المواطن.. ونمو الوطن تعتمد لها الدولة مليارات الريالات ولا تبخل في الانفاق عليها.. ولكن المؤسف انه عندما تقوم الشركات والمقاولون الذين رست عليهم تلك المشروعات بالتنفيذ تلاحظ أن هناك كثيراً من الأخطاء وعدم الجودة في تنفيذ تلك المشروعات.. وهذا ما يصيبها بالترهل والعطب بعد فترة قليلة من الانتهاء منها.. وكأن تلك المشروعات التي تكلفت ملايين الريالات بلا هدف ولم تنفذ لتخدم الوطن والمواطن في الحاضر والمستقبل.. أو كأنها مشروعات وقتية تهدر فيها تلك الملايين بلا فائدة تذكر؟! عن اسباب غياب الجودة في المشروعات العامة واستمرار الأخطاء وتكرارها في تنفيذها.. وغيرها من القضايا الهندسية والتنموية كان هذا اللقاء مع الدكتور المهندس يحيى كوشك الخبير المعماري في عدد من المجالات الفنية والهندسية وكان حديثاً لا تنقصه الصراحة.. غياب المشرف المتابع @ نلاحظ أن كثيراً من المشروعات التي تنفذ في مدننا مع تكلفتها العالية تفتقر إلى الجودة والتنفيذ السليم والإشراف والمتابعة من الجهات المعنية سواء كانت تلك المشروعات مباني أو خدمات.. فكيف نعالج ذلك؟ - يجيب الدكتور المهندس يحيى كوشك قائلاً: الموضوع مهم جداً.. فالمملكة فيها كثرة في المشروعات وقلة في المقاولين، وقلة المهندسين الاكفاء والعمالة المؤهلة.. لانه على مستوى منطقة الشرق الاوسط وآسيا هناك حركة عمران كبيرة.. وهذا ما خلق مشكلة في الكفاءات الهندسية المطلوبة.. وفي المملكة عدد المهندسين السعوديين قليل لا يتجاوز خمسة وعشرين ألفاً.. بينما الموجود في البلد أكثر من مائة ألف مهندس.. ومعظمهم ليسوا من الكفاءات المطلوبة.. وهذا اوجد اشكالية كبيرة.. ينعكس اثرها على تنفيذ المشروعات المختلفة والجودة في التنفيذ.. ولهذا فإن ترسية المشروعات على المقاولين تتطلب وجود مشرفين على المقاولين المنفذين للمشروعات لمتابعة تنفيذ المواصفات.. ولكن المؤسف أن هذا غير مطبق بالصورة الصحيحة التي تحافظ على الجودة في تنفيذ المشروعات.. وتجعلنا مطمئين للتنفيذ.. وهناك مشكلة اخرى وهي أن بعض الجهات الحكومية لاتزال هي التي تختار المصمم وتختار المقاول الذي ينفذ مشروعاتها.. ولا يستطيع مقاول آخر يدخل على المقاولين الذين اختارتهم تلك الجهة لتنفيذ مشروعاتها.. واصبح لكل وزارة وإدارة مقاولهم الخاص.. والذي ينفذ المشروعات المرساة عليه كيفما اتفق من دون رقابة أو متابعة!! والمؤسف أن معظم المشروعات التي تنفذها الوزارات والإدارات الحكومية عند وضع مواصفاتها وتصاميمها يضعونها على أعلى المستويات وافضلها في العالم.. ولكن في التنفيذ تكون اسوأ شيء في العالم.. وهذا الفرق في التصميم والمواصفات وبين التنفيذ يجعل قيمة تنفيذ المشروع أقل بكثير مما اعتمد له.. وهذا الفرق تستفيد منه جهات متعددة متعاونة فيما بينها.. وهذا ناتج من خلل إداري.. وهذا يتطلب وجود هندسة رقابية قيمية على المشروعات.. بحيث تقوم العمل المنفذ هل هو مطابق للمواصفات الاساسية للمشروع ام لا؟ وهذا سيساهم في القضاء على كثير من الأخطاء التي تعاني منها المشروعات المنفذة من قبل مختلف الوزارات.. وهناك مشكلة أخرى وهي أن الجهة التي سلمت تلك المشروعات وهي التي تستلمها من المقاول.. ولهذا يجب أن تكون هناك لجان مستقلة لها سلطة عليا في الحكم على جميع المشروعات وتقويمها من دون أن تكون مرتبطة بهذه الجهة أو تلك حتى تتخذ القرار السليم الذي يحمي مشروعاتنا من هذا الفساد!! مشروعات بعيدة عن الإشراف @ يلاحظ أن كثيراً من المشروعات التي تنفذ في مدننا لا يقف عليها مشرفون.. وتبدأ وتنتهي من دون أن تجد مشرفاً يقف على مراحل التنفيذ من قبل الجهات التي تنفذ لها تلك المشروعات.. فكيف نطمئن إلى جودتها؟ - هذا صحيح.. فالآن تنفذ كثير من المشروعات أمامنا في المدن للمياه والطرق والصرف الصحي وغيرها.. تبدأ وتنتهي من دون أن نجد من يشرف على تنفيذها رغم أن الكثير من العاملين في تنفيذها لا تكون عندهم خبرة في بعض الاحيان.. وغياب المهندسين الاستشاريين المشرفين على هذه الاعمال يؤدي إلى استمرار الأخطاء وهدر كثير من الأموال العامة!! الترسية من الباطن @ ترسية المشروعات على المقاولين الاقل سعراً ومن ثم ترسيتها من قبلهم على شركات من الباطن للتنفيذ.. حتى تصل إلى المقاول المنفذ بأقل سعر الا ترون أن ذلك هو السبب الذي يؤدي إلى ما تعانيه مشروعات الدولة من أخطاء؟ - هذا لب المشكلة.. فجميع المشروعات الكبيرة تعطى لشركات كبيرة.. وليس هناك منافسة حقيقية يمكن من خلالها أن تعطي جميع الشركات الفرصة للدخول في تلك المشروعات.. وبعد أن تتم ترسية المشروعات الكبيرة على تلك الشركات الكبيرة.. تقوم هي بدورها باعطائها لشركة من الباطن بنصف القيمة.. والشركة التي اخذته من الباطن تعطيه لمقاولين آخرين من الباطن بنصف ما اخذته ولهذا فإن التنفيذ يأتي بأسوأ ما يكون.. ولهذا لا بد أن تكون هناك جهة رقابية مستقلة.. وان توقف عمليات الترسية من الباطن.. وان تكلف الشركات التي اعطيت المشروعات بتنفيذها.. والمشكلة أن الجميع يعرف ذلك.. ويعرف اثر مثل هذه الممارسات.. وكلما حاولنا أن نضع حداً لذلك نجد جهات تبعدنا لأن هناك مصالح شخصية ستضرر.. وهذا لا يمكن علاجه الا عندما يدرك كل شخص سواء كان مسؤولا أو منفذا أن المصلحة العامة فوق كل شيء.. والحقيقة أن قيادة البلد وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده كلهم يسعون إلى أن تكون المصلحة العامة فوق كل شيء.. ولكن الهدف الاساسي أن هناك مصالح لناس لا يعرفها الا المختصون بها.. فلو اخذنا فقط البلاط أو الرخام في احد المشروعات فيمكن لاصحاب المصالح الخاصة أن يأتي ببلاط ورخام قيمة المتر لا يزيد عن (50) ريالا مثلا بينما الموجود في التصميم بلاط ورخام بسعر المتر (500) ريال.. ولهذا فان المسؤول لا يمكن أن يعرف هذا التلاعب.. وانما من يستطيع كشفه هي الجهة الإشرافية المستقلة التي تضم المتخصصين في هذه الجوانب.. ولهذا فإن الجهاز المشرف هو القادر على كشف العيوب.. ولكن المؤسف أن كثيراً من المشروعات تنفذ وتسلم للجهات المعنية من دون أن يقف عليها مشرف من قبل الجهات التي تنفذ لها تلك المشروعات.. إشراف من دون معنى! @ لماذا لا تدرك الجهات المعنية اهمية الإشراف على مشروعاتها.. وتعتمد آلية سليمة لذلك؟ - المؤسف أن بعض الجهات والوزارات تعتمد بعض المشرفين على مشروعاتها .. ولكن هؤلاء المشرفين لا يقفون على مراحل تنفيذ تلك المشروعات ولا تجد لهم وجوداً.. وعندما تسأل احد المسؤولين يؤكد لك وجود مشرف للمشروع.. ولكنه لم يكلف نفسه من التأكد من قيام ذلك المشرف بعمله المطلوب ام لا.. كما انه يوجد خلل في الآلية التي يفترض أن يتبعها المشرفون في عملهم.. ومن ذلك أن احد المهندسين من زملائنا كان يشرف على مشروع مبنى كبير لإحدى الوزارات فسألته هل عقد تنفيذ المشروع لديك صورة منه؟ فاجابني بالنفي.. فسألته اذن على ماذا تشرف؟.. فاخبرني أن الوزارة لم تقبل إعطاءه صورة من العقد الخاص بتنفيذ المشروع الموقع بينها وبين المقاول رغم أن الواجب أن يكون لدى المشرف صورة من العقد.. وعندما طلبت منه أن اتبرع باخبار المسؤول في تلك الوزارة عن هذا الخطأ بعدم تسليم المهندس المشرف صورة من عقد المشروع.. فاخبرني ذلك الزميل بان هذا لو حدث فإن تلك الوزارة لن تعطيني أي مشروع آخر لها.. وهذا يوضح أن هناك سيطرة من اصحاب المصالح الخاصة حتى على بعض المكاتب الاستشارية بتحديد ما يريدونه منهم.. ولهذا فإنه حتى تلغى جميع هذه التأثيرات نحتاج إلى جهة رقابية إشرافية هندسية مستقلة مرتبطة بمجلس الوزراء مهمتها التأكد من جودة التنفيذ وتطبيق المواصفات المعتمدة في المشروع، وتكون مصلحة الوطن هي هدفها وليس لها مصلحة مع أي جهة اخرى.. هذا إذا كنا راغبين في أن تأتي المشروعات التي تنفذها الدولة بحجم الاعتمادات المخصصة لها.. وبنفس الجودة المعتمدة في التصاميم.. وعلى مستوى تطلعات ولاة الأمر.. لأنه متى وجد الإشراف الهندسي المستقل والمتابعة لتنفيذ المشاريع فإننا سنحمي مشاريعنا الحيوية من الكثير من التلاعب والكروتة وأمسك لي أقطع لك، وسنجعل كل مقاول يحرص على تنفيذ ما يوكل إليه من مشاريع على أكمل وجه من الكفاءة ووفق المواصفات المحددة في التصاميم. مشروع ماء زمزم @ ويتم حالياً العمل لتنفيذ مشروع خاص بمياه زمزم يهدف إلى إيصالها للحجاج والمعتمرين نقية دون تلوث. - اهتمت حكومة خادم الحرمين الشريفين بمياه زمزم.. وقد شكلت لذلك لجنة وزارية وفنية والهدف من تشكيل هذه اللجان هو معرفة كيفية إيصال مياه زمزم للحجاج والمعتمرين بشكل سليم جداً.. فالذي يحدث الآن أن هناك تعبئة للمياه من قبل الناس بواسطة جوالين بلاستيكية.. وهذه الجوالين فيها مواد كيمائية .. وعندما يتم حمل هذه المياه مع الحجاج القادمين من أوروبا وأمريكا وتحليلها هناك يكتشف أنها مياه غير نقية وغير صالحة للشرب.. وقد صدر بسبب ذلك توجيه من المقام السامي بعمل مصنع لتعبئة مياه زمزم بطريقة سليمة وعدم السماح لكل من هب ودب بتعبئة مياه زمزم في مثل تلك الجوالين التي ثبت أنها غير صالحة.. وقد كلفنا وزارة البترول وهيئة المساحة الجيولوجية بوضع الدراسات الخاصة بهذا المصنع.. ثم تحولت لوزارة المياه لتنفيذها.. وقد حدث شيء من الأخذ والعطاء لدى وزارة المياه عن الدراسة الموضوعة من قبل هيئة المساحة لأنها رأت أن المبلغ المحدد لإنشاء هذا المصنع كبير وكان يقدر ب(557) مليون ريال، وبالتالي بدأت وزارة المياه في عمل دراسات جديدة مما أدى إلى تأخير تنفيذ المشروع .. وقد بدأت الوزارة في أعمال التنفيذ للمشروع والذي أتوقع أن يستكمل بإذن الله ومن خلال هذين العامين.. وسيكون المشروع بإذن الله بحجم أهمية مياه زمزم.. وسيجعلها بعد استكمال المشروع تصل لأي مكان في العالم معبأة في عبوات مختلفة نقية ومعقمة ونظيفة ليعرف جميع الناس مميزات وقيمة هذه المياه الطاهرة والمباركة.. والتي تتميز بطاقة فريدة كما أثبتت ذلك التجارب التي قام بها علماء غير مسلمين. الهيئة اهتمت بالمهندسين بشكل كبير @ المشكلة القائمة بين المهندسين والمكاتب الهندسية وأمانة جدة ومحاولتها التدخل في أعمالهم إلى درجة غير مقبولة.. ويعتبرها المهندسون تدخلاً من الأمانة فيما لا يعنيها.. فما هو موقف هيئة المهندسين من هذه المشكلة؟ - بصفتي عضواً في مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين اؤكد لك أن الهيئة وقفت مع المهندسين في هذا الموضوع والذي جاء نتيجة رغبة أمانة جدة وعدة أمانات لتصنيف المكاتب الهندسية كل على طريقتها، وقد تدخلنا.. واتصلت الهيئة بصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية والأمير منصور بن متعب. وأوضحنا لسموهما أن الهيئة السعودية للمهندسين ووزارة الشؤون البلدية والقروية يمكن أن يضعا تصنيفاً ويعمم على جميع الأمانات ليكون معتمداً لديها.. وتم الاتفاق على ذلك.. ثم عادت أمانة جدة وأوضحت أنها تريد تسجيل المكاتب الاستشارية في جدة.. ولكن المشكلة أن التنظيمات الجديدة التي طبقتها أمانة جدة وتعطيل البلديات الفرعية وحصر الموافقة على التصاميم الهندسية وتراخيص البناء في الإدارة المركزية حيث يجتمع المهندسون الذين لديهم طلبات للموافقة في غرفة وينزل إليهم مهندس الأمانة.. وأدى ذلك إلى تعطيل عمل المكاتب الهندسية وتأخير مصالح المواطنين بسبب هذه الإجراءات التي ليس لها مبرر اطلاقاً وخلفت روتيناً مزعجاً ومعطلاً لأن الأمانة استعانت بجهات أكاديمية بعيدة عن الواقع.. والأكاديميون الذين استعانت بهم الأمانة أرادوا عمل تنظيمات لا تمت للواقع بصلة مما أربك العمل.. بالاضافة إلى وجود فساد كبير في البلديات.. ورغم محاولات معالي المهندس عادل فقيه للقضاء على هذا الفساد لكنه لا يستطيع ذلك بين يوم وليلة.. وهذه الإجراءات والتنظيمات بما خلقته من روتين لا مبرر له ازعجت الناس والمكاتب الهندسية.. ويجب علاجها وتسهيل الإجراءات حتى لا تتعطل مصالح الناس. والهيئة اهتمت بالمهندسين اهتماماً كبيراً واتصلت الهيئة بكافة المسؤولين من أجل إقرار كادر للمهندسين.. لأننا وجدنا عدداً كبيراً من الطلبة لا يتوجّه للهندسة لصعوبتها.