تنشر جريدة "الرياض" ومنذ عدة أسابيع عبر ملحقها الثقافي الاسبوعي مقالات يكتبها الدكتور عبدالله الغذامي بعنوان القبيلة والمجتمع. تلك المقالات ربما تأتي كحلقة ضمن مشروع الكاتب الذي يسميه النقد الثقافي، وقد نراها قريباً بين دفتي كتاب مستقل. ولأن الغذامي هو الناقد الكبير فهو حتماً يتقبل منا بعض ملاحظات نوردها كمتابعين هواة بعيداً عن ادعاء الجهبذة في النقد و علوم الاجتماع وأصول القبائل وسياق العادات. واضحٌ الجهد المبذول في تلك السلسلة التي طالت، لكن إيقاع العصر وحتمية الإيجاز والبحث عن المعنى لم تعد تحتمل كل ذلك وكان الأجدر أن يصنف البحث في فصول وابواب سهلة الهضم والفهم لقارئ متواضع مثلنا. لقد غلب الإسهاب المبني على حس انطباعي يكرر كثيراً التجارب الشفاهية والشخصية بشكل يجعلنا نسأل عن المرجعيات العلمية المستندة على علوم الاجتماع وربط البيئة بالقبيلة وتتبع مسار الفكر القبلي تاريخياً ودينياً وسياسياً. الناقد يتحدث عن القبيلة ويصورها كواحدة او كقبائل تتشابه ظروفها في الشمال والجنوب، في الجبل والصحراء، في القرية والخيمة، في البحر والسهل، في المرعى والمزرعة، والسؤال هو: هل فعلاً القبيلة العربية أو حتى القبيلة في الجزيرة العربية قبيلة واحدة؟ أعلم حساسية الطرح والحذر من التصنيف والخشية من تحوله إلى مفاضلات بين هذا وذاك، لكن ذلك لا يعفي الناقد الكبير والجريء من الغوص في الجذور وفهم الاختلافات وشرحها وفق مرجعياتها ومستنداتها العلمية الموضوعية بلغة علمية رصينة لاتستفز هذا ولا تجرح ذاك! الدكتو ر الغذامي لديه مشروع يعمل عليه بجدية دون كلل لكنه، من وجهة نظر شخصية، لم يقل كل مايود قوله وربما يكون أحد الأسباب هو تعودنا على الغذامي الناقد الأدبي أو ربما لعدم تقبلنا الفصل بين الأدبي والثقافي كما يحاول الدكتور الغذامي أحياناً طرح مشروعه في النقد الثقافي بغرض منحه هويته المستقلة! نقد القبيلة كما يفعل الدكتور الغذامي والدخول في تعرجاتها المختلفة ربما هو تجاوز للنقد الأدبي وتجاوز حتى للنقد الثقافي إلى البحث في النقد الاجتماعي، و الغذامي بقدراته النقدية الأدبية المتميزة كان بإمكانه نقد الإرث الثقافي للقبيلة من خلال تتبع منتوجها الأدبي وتحليله ثقافياً، أو الولوج بشكل أعمق في العلوم الاجتماعية والتاريخية والبيئية للارتكاز على حيثيات مقبولة علمياً وأكاديمياً. ربما صح تسمية المشروع بنقد الثقافة المجتمعية أو الشفوية للقبيلة أو نقد الثقافة بصفة عامة، بدلاً من تسميته بالنقد الثقافي الذي تحول إلى بحث عن نسق أو أنساق محددة شاملة على حساب التنوع والانفتاح على الاختلاف والتعدد... أتمنى التوفيق لناقدنا الكبير، فمجرد إثارة الجدل يعتبر أحياناً تميزاً يستحق التقدير.