لا يبدو أن الحديث عن العقل والتعويل على تغليب المصلحة الوطنية سيؤديان بالأفرقاء اللبنانيين إلى الوصول إلى تسوية تجنب لبنان ويلات التطاحن والحروب. ولا أظن بأنني أضيف جديدا بأن قدر لبنان سيكون الخروج من أزمة فقط للتحضير لدخول أزمة أخرى. معضلة لبنان الأساسية هي في تركيبته السياسية التي صممت على أساس تقاسم المكاسب والمناصب وليس على أساس النظر إلى الوطن كوطن للجميع يحظى أبناؤه بالفرص المتساوية بناء على كفاءتهم الشخصية. كنت أتحدث مع طبيب لبناني ماروني في الرياض فقال لي بأنه كان قد صوت في الانتخابات السابقة للعماد عون وانه لن يكرر التصويت له مرة أخرى. الطبيب أبان خيبة أمله من خيارات عون الذي بعد ان وقع ورقة التفاهم مع حزب الله اضطر للسير في ركب الحزب أملاً في الحصول على موقع الرئاسة الأولى في لبنان. الطبيب أشار إلى تكبد الطائفة المارونية لخسائر كبيرة بسبب تكبيل العماد للطائفة بورقة التفاهم تلك، فنتيجة لتلك الورقة أضحت الطائفة منقسمة بشكل كبير بل ومهددة في حال وقوع مواجهة عسكرية بان يحمل الماروني السلاح في وجه الماروني بعكس الطوائف الأخرى التي تقف في معظمها تحت عنوان عريض جامع تمثله شخصية تمثل الطائفة. تمنى الطبيب، حرصاً على الطائفة المارونية وحماية لمكاسبها، أن يتجه العماد عون إلى فك الارتباط المطلق مع الحزب والذي وصل إلى حد تبرير إشهار السلاح في وجه بقية اللبنانيين. كان من المعيب، وفقا للطبيب، ان تضطر الرايات البرتقالية التي ترفع شعار الحرية والسيادة لمشاركة الرايات الصفراء في اجتياح بيروتالغربية والجبل. حديث الطبيب رغم كونه يحمل نفسا طائفيا إلا انه توصيف للحالة لا علاج لها. فالطبيب، كما باقي اللبنانيين، ينظر إلى مصلحة الطائفة ومكتسباتها عوضا عن النظر إلى مصلحة الوطن. أتمنى فعلاً أن يصار إلى التخلي عن فكرة الفرز الطائفي ونظام ترسية المواقع الوظيفية في لبنان بناء على الطائفة. لكن الواقع يقول بأن هذا التمني لن يخرج عن نطاق تمني العرب للخل الوفي، ولا عن المراهنة الأمريكية القائمة على نظرية الفوضى الخلاقة التي تهدم المعبد أملاً في تهيئة الظروف لبنائه بعد ذلك بطريقة أفضل. "لبنان أولا" شعار لا معنى له مادام كل طرف يملك أوراقا يراهن عليها ويمثل جهات يرتهن لها وتراهن عليه.