يا ونتي ونة دوالب عجاجه يلعب بها سكر الهوى فوق مزعاج يا عين ريم جافله من زراجه ومجفلوا ريم العطاطيب بنواج ذكر الشاعر السوري محمود الذخيرة أن البيتين السابقين من نظم إحدى النساء الغربيات اللاتي هاجرن إلى المشرق فلقد شكلت زيارة الشرق هاجساً للأوروبيين في القرون الأخيرة من الرحالة والعلماء المهتمين على اختلاف دوافعهم وكان النشاط الاستشراقي في البداية مقصوراً على الرجال حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً إذا ما استثنينا الليدي فورتلي مونتاغو ( 1689- 1762م) التي كان زوجها سفيراً لبريطانيا لدى الدولة العثمانية. فقد جذب سحر الشرق النساء كما جذب الرجال فتتابعت رحلات الأوروبيات للشرق ودوافعها الأبرز المغامرة واكتشاف الجديد خاصة إذا علمنا ان صورة الشرق في أوروبا في تلك الفترة رغم عدم وضوحها إلا أنها لم تكن جميلة على أية حال. فسارت قافلة نساء الغرب من الليدي هستر ستانهوب إلى فرايا ستارك مروراً بإيزابيل بيرتون وآن بلنت وجيرترد بل وأجاثا كريستي وغيرهن، ولكن الذي يلفت الأنظار هو أن بعض هؤلاء النساء بعد قدومهن إلى الشرق آثرن الإقامة والاستقرار على العودة إلى ديارهن وفضلن الشمس الحارقة والصحراء القاحلة على خضرة أوروبا وجمال أنهارها. ومنهن الليدي جين دغبي jane digby (1222ه/1807م - 1298ه/1881م) التي ينسب إليها بيتي الشعر اللذين صدرنا بهما موضوعنا هذا؛ كانت تلك المرأة تنتمي لعائلة إنكليزية عريقة من نورفولك وكان جدها إيرل بريستول إضافة إلى ذلك اتصفت بالجمال والذكاء والثقافة وامتلكت المال والثروة ولذا كانت جين امرأة ملفتة واستثنائية فخطب ودها نبلاء أوروبا ومثقفوها وتزوجت في وقت مبكر من عمرها اللورد ألنبرة الذي يكبرها بعشرين عاماً عام 1824م وما لبثت أن طلقت منه لما تسلم وزارة العدل في عام 1830م وتعدد عشاقها فتعددت زيجاتها بعد ذلك، أقامت فترة في باريس وكان يرتاد صالونها أدباء أوروبا ومثقفوها وقد كتب عنها بلزاك روايته (زنبقة الوادي) كما كتبت عنها أديبة الشام ألفة الأدلبي كتابها (المنوليا في دمشق وأحاديث أخرى) كما وثقت سيرتها في كتاب باللغة الانجليزية وعرض قبل سنوات مسلسل تلفزيوني اسمه (سحر الشوق) يتناول قصة هذه المرأة. اجتذبها سحر الشوق في منتصف عمرها فكانت مسافرة جريئة قامت برحلة إلى سورية عام 1268ه/1852م في وقت كانت عشيرة المصرب مسيطرة على طريق البادية من حمص ودمشق إلى تدمر التي كانت مقصداً للسياح الأجانب فتتكفل هذه العشيرة بإيصالهم وإرجاعهم بأمان بمقابل مادي فرافقها في رحلتها الشيخ (مجول المصرب) بقافلة من الفرسان، وفي الطريق وعند وصول القافلة إلى موقع يسمى وادي المنصف قرب بلدة أرك، داهم القافلة غزو من العربان فخافت السيدة خوفاً شديداً وأخذت بالصراخ والاستغاثة، طمأن مجول النبيلة الانجليزية وأخبرها أنها في مأمن ما دام هو في ركابها ودهشت لما أبداه من ضروب الشجاعة والفروسية في رد الغزو فوق ما ازدان به من جمال الهيئة وحسن الفتوة، وبدأت قصة حب بينهما فتزوجا رغم أنه يصغرها بسنين فقد كان شاباً فتياً بينما كانت جين في الخامسة والأربعين من عمرها. أقامت جين دغبي مع زوجها في نواحي البادية في صحراء تدمر فترة من الزمن امتدت إلى خمس عشرة سنة عاشت خلالها حياة ربما كانت تتوق إليها عوضاً عن حياة القصور الفارهة في أوروبا التي لم تشعرها بالسعادة لقد وجدت سعادتها بين العرب في احترام زوجها وطاعته وفي ارتداء الثياب البدوية وفي المشي حافية القدمين وفي حلب الناقة وجلب الحطب وخض الحليب وقضت وقتها في مداواة المرضى والعناية بالخيل وإرشاد النساء فحازت إعجاب البدو ولكن كان أشد ما لفت أنظارهم إليها جمالها وبياض بشرتها حتى سموها (أم اللبن) ثم (الموضي)، ولم تقم هذه (الموضي) خلال هذه الفترة بزيارة بلدها إلا مرة واحدة عام 1256م ولم تكررها إلى وفاتها. والحقيقة ان السيدة دغبي بصفة عامة عاشت حياة البادية كأهلها ملتزمة بعادات وتقاليد الصحراء حتى أنها كانت تمتلك رعية من الإبل يقدر عددها ب 250يقوم عليها مجموعة من الرعاة في بادية الشام وكانت كسائر البدو تضع وسماً خاصاً يميز إبلها كما اشارت تقارير قنصل الانجليز في دمشق في 9آذار 1861م ولكن إبلها تعرضت إلى غزو من إحدى القبائل فنهبوها فقامت السيدة بالشكوى للوالي العثماني في الشام مطالبة الدولة بالتعويض بثمن الإبل الذي يقدر ب 250000قرش لأنها المسؤولة عن الحماية فيقوم الوالي بإرسال الجند لمهاجمة تلك القبيلة واستعادة بعض إبل السيدة التي تحمل وسمها. ولكن هذه السيدة بعد وصولها إلى خريف العمر رغبت الإقامة في دمشق إلا أن مجولاً أقنعها بالسكن في حمص معتذراً عن دمشق نظراً لوجود خلاف بين عشيرته وبين قبائل الشام. فوافقته، فابتاعا في حمص داراً وسكنا فيها سنة واحدة ثم رغبت بالسكن خارج المدينة فعملا على شراء بستان خارج السور كان مزروعاً بأشجار المشمش والرمان والتين والعنب مع بركة ماء ودولاب هوائي لسحب المياه من البئر وقاما فيه ببناء منزل كبير عرف (بقصر مجول) أقام مجول وزوجته ثلاث سنوات في حمص (1867-1869م) ثم انتقلا إلى دمشق وابتاعت فيه منزلاً وبستاناً جميلاً وهو المنزل الذي زارتها فيه (الليدي آن بلنت) عام 1879م وكانت تقضي فصل الصيف في هذا المنزل في حين لم تنقطع عن البادية في الأوقات الأخرى وبقيت (جين دغبي) مخلصة لزوجها مدة زواجها به التي شارفت على الثلاثين عاماً لم تراسل خلالها أحداً من أهلها سوى شقيقها، وتوفيت في مرض الكوليرا في 11/آب/ 1881ودفنت في مقبرة البروتستانت في دمشق وكتب على قبرها بالعربية: (مدام دغبي المصرب) وعاش مجول بعدها ست سنوات حيث توفي سنة 1887م. بعد هذه النبذة عن حياة هذه المرأة يتجدد السؤال هل كانت الليدي جين دغبي شاعرة حقاً؟! هذا ما يؤكده الشاعر محمود الذخيرة الذي نشر بحثاً قبل سنوات نوه فيه بالمرأة الأوروبية ومشاركتها في كتابة القصيدة النبطية التي عدها من أصعب أنواع الشعر الشعبي وصل فيه إلى أن جين دغبي قد فرضت الشعر ونظمت القصيدة النبطية وللأسف ان معظم شعرها قد ضاع أو ربما نسب إلى غيرها والحقيقة أن جين دغبي كانت تملك من القدرة والموهبة والثقافة الشيء الكثير كما يظهر في مذكراتها ورسائلها أنها أديبة ولها أشعار بلغتها الأم وهي تتقن عددا من اللغات من بينها اللغة العربية كما أنها كانت فنانة تشكيلية رسمت الكثير من اللوحات الجميلة لحياة الصحراء وقد شاهدت بعضها آن بلنت عندما زارتها في دمشق فإذا أضفنا إلى كل ذلك تأثرها بالبيئة البدوية وإعجابها بها فلا يستبعد ان تنظم شيئاً من الشعر بلغة أخرى خاصة إذا علمنا انها ليست الوحيدة التي ذكر أنها نظمت الشعر باللغة العربية فهناك غيرها وأخيراً فإن الشاعر محمود الذخيرة قد جارى بيتي السيدة (موضي) ببيتين ويلحظ غلبة لهجة بادية الشام على كليهما: يا جين دغبي يا هنوف الحماده اسموك موضي البين حير وهداج يا طيب قولك والقوافي تهاده تطرب لها الأرواح والقلب يفتاج