القيادة تعزي الرئيس الأمريكي في ضحايا الحادث الإرهابي    التواصل الداخلي.. ركيزة الولاء المؤسسي    وزير الطاقة.. تحفيز مبتكر !    1510 سجلات تجارية يوميا    الطقس يخفض جودة التمور ويرفع أسعارها    مستويات تاريخية.. السعوديون يتجاوزون 3.99 مليون موظف    من ياسمين دمشق إلى غاز روسيا !    جسر المحبة وليس جسر المساعدات    من طق الباب سمع الجواب !    بيع سمكة تونة ب266 ألف دولار    عبور أولى طلائع الجسر البري الإغاثي السعودي لمساعدة الشعب السوري بمنفذ جابر الأردني    رالي داكار السعودية 2025 : "الراجحي" يبدأ مشوار الصدارة في فئة السيارات .. و"دانية عقيل" تخطف المركز الرابع    الأهلي متورط !    لماذا هذا الإسقاط والفوقية..؟!    في المؤتمر الصحفي لمواجهة إنتر ميلان وإيه سي ميلان| إنزاغي: خصمنا منظّم.. وكونسيساو يؤكد: لا مجال للأعذار..    منافسات قوية في ختام سباقات الخيل لمهرجان كؤوس الملوك والأمراء بنسخته العاشرة    وحدات الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في (4) مواقع حول المملكة    فقط.. لا أريد شيئاً!    شتاء جازان يحتضن مواهب المستقبل مع أكاديمية روائع الموسيقية    مناسبات أفراح جازان ملتقيات شبابية    «سحر بحراوي: الجولة الثانية !»    مفتاح الشفاء للقلب المتضرر    تقنية تفك تشفير الكلام    اليقطين يخفض مستوى الكوليسترول    مجمع الملك سلمان يُطلق برنامج «شهر اللُّغة العربيَّة»    "سدايا" تُطلق برنامجًا خاصًا للطلبة الجامعيين وحديثي التخرّج    وزير الخارجية يبحث التطورات اللبنانية مع هوكستين    كييف بدأت "هجومًا مضادًا".. وروسيا تتوعد بالرد على استهدافها بصواريخ أميركية    نادي جازان الأدبي ينظم ملتقى الشعر السادس    عاصفة شتوية تشل طرق وسط الولايات المتحدة    إسرائيل تقتل ضابطا فلسطينيا وتشن غارات    «المرور»: استخدام الجوّال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في الجوف    العدالة يتغلّب على الباطن برباعية في دوري يلو    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الوليد بن طلال    الملك وولي العهد يعزيان العاهل الأردني في وفاة ماجدة رعد    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة الشيخ فهد الحمري    تهنئة الكويت بنجاح تنظيم خليجي 26    انطلاق عسير الشتوي    «دوريات المجاهدين» تقبض على شخص لترويجه مادة «الميثامفيتامين»    الأربعاء.. الإعلان عن الفائزين بجائزة الملك فيصل 2025    أمطار وبرد ورياح على 6 مناطق    حرس الحدود بمنطقة مكة ينقذ مواطنيْن تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر    إنقاذ حياة خمسيني بإعادة بناء جدار القفص الصدري الأمامي    جمعية المساجد بالزلفي تُحدث نقلة نوعية في مشاريع بناء المساجد بتطبيق كود البناء السعودي    أمانة الشرقية تنهي سلسلة من المشاريع التطويرية في 2024    سعود بن نايف يستقبل سفير جمهورية السودان ومدير جوازات المنطقة الشرقية    أرض العُلا    «عون الحرم».. 46 ألف مستفيد من ذوي الإعاقة    الكذب على النفس    الصندوق الثقافي يعزز قدرات رواد الأعمال في قطاع الأزياء    الداخلية أكدت العقوبات المشددة.. ضبط 19541 مخالفًا لأنظمة الإقامة وأمن الحدود    «911» تلقى 2,606,195 اتصالاً في 12 شهراً    انطلاق ملتقى دعاة «الشؤون الإسلامية» في نيجيريا    المرأة السعودية من التعليم إلى التمكين    القيادة التربوية نحو التمكين    مشكلات بعض القضاة ما زالت حاضرة    تأخر المرأة في الزواج.. هل هو مشكلة !    كيف تُخمد الشائعات؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي الشوك في سيرة هشام المقدادي
تخييل الحياة
نشر في الرياض يوم 08 - 05 - 2008

ماهي السيرة المتخيلة: هل هي الحياة التي عاشها الكاتب، أم التي تمنى أن يعيشها، أو تلك التي لم يسعفه الوقت كي يستكمل متعها؟ هل هي أحلامه، أو تخيلات ما عليه الحلم في حياته، أم هي الواقع المحلوم به؟ السيرة المتخيلة، هي كل هذا، من حيث قدرتها على مقاربة الرواية، وهي أيضا ما يجسّده الصراع بين أن يكون الكاتب وفيا الى الحقيقة، أو الى فن التخيل. من هنا يمكننا قراءة الأعمال الروائية لعلي الشوك، الباحث العراقي، والممثل لجيل من الكتاب النادرين الذين إجتمع لديهم الإهتمام بالعلم والفنون والآداب.
ولعل كتابته سيرة متخيلة، كما لنا ان نتصور روايات الشوك، أو كما كتب هو، يحدث ما يشبه المفارقة، فعالم المؤلف الشخصي تميز بخصوصية تعز على الناس، وتباعد بينه وبينهم، بل كان انتماؤه في العراق الى مجموعة ثقافة شبه مغلقة، أحد اسباب عزلته وقلة تواصله حتى مع المحيط الثقافي الأكبر. كيف له إذن التخلي عن قناع وقار وتحفّظ ميزه، كي يتباسط في البوح بأسرار حياته؟ لعله الولع بالفن الروائي، أو ربما الرغبة في تسجيل التواريخ الثقافية التي يكاد يغترب عنها حاضر العراق، أوربما البحث عن وسائل لمقاومة النسيان.
ثلاث روايات صدرت لعلي الشوك عن إمرأة واحدة، شخصية يدور حولها وتشغله مثلما تشغله الأشياء الأثيرة: الموسيقى، اللغة، الأدب، الرياضيات، الفيزياء. ولكن المرأة التي يكتب، تبدو مختبرا للرغبات والأحلام والصور، أو هي تورية الوصول الى الحرية الإنسانية، وحرية الفن وليبراليته.
في روايته الأخيرة (مثلث متساوي الساقين - سيرة حياة هشام المقدادي)الصادرة عن دار المدى، يتابع الشوك سيرة الشخصية التي تشبهه من حيث الإهتمامات والمآلات، حيث بدأها في نص (السراب الأحمر)، يوم انتهت هذه الشخصية الى الهجرة من العراق.
ومن موقعه الجديد، الممتد بين براغ وبرلين ولندن، يسرد الراوي سيرة هشام المقدادي، باحثا في منطويات ترحاله، عن معنى الحب والحرية والتواصل الإنساني. ماتركه البطل ببغداد، يشكل جغرافيا الحنين الى الأهل والأصدقاء، وحكاية حب أينعت في زمن المطاردة والخوف من العودة الى السجن.
داليا اللبنانية الأصل التي التقاها ببغداد، جسدت له صورة المرأة المثالية، تلك التي تفيض عذوبة وجمالا ورقيا. ولكن إختبار حياة هشام المقدادي، يمر عبر موشور حب آخر لإمرأة ألمانية تكاد تشبه الأولى في ميزتين : الرقة التي هي رديف الإنوثة، والتعلق والإعجاب برجل من نمطه، مثقف وكريم ومتفهم لنوازع النساء.
وراء البنية البسيطة لحكاية تعددية الحب هذه، يكمن النموذج المثالي الذي يتوق الى تجسيده البطل عن نفسه، وعبر فكرتين: "ليبرالية" البحث عن الجمال، وقدرته على تمثيل مرحلة وثقافة لاتقاس بمحليتها، بل بما يوحدها مع ثقافات أخرى.
لعل ما ينبغي أن يتفهمه القاريء عبر هذا النص، هو أن الشخصية القناع التي تناقض نفسها بين الإخلاص والخيانة، هي في الأصل قليلة الوعي بالأسباب الكامنة وراء رغباتها. هي مثل "مرحلتها الثقافية" التي لم تستكمل تصورا عن الحياة خارج القراءات والإهتمامت الفنية والأدبية والعلمية.وجود هذه الشخصية يتحقق بطليعيتها، وبقدرتها على أن تجد حيزا طوباويا خارج المكان والزمان العراقي.
تجربة الحب مع إمرأة ألمانية متزوجة، كما يرد في النص، لاتنحصر في قواعد التواصل بين العاشقة والمعشوق، بل تصل الى إختبار مشاعر القبول والرفض عند زوجها. وهي تجربة نادرة حتى في المجتمعات الغربية نفسها، فما من زوج يقبل إستضافة عشيق زوجته في بيته، مهما كانت محاسن هذا العشيق.
عنوان الرواية يصلح منطلقا للتأول، فهناك في كل علاقة بين إثنين، ثالث هو المعارض او المراقب أو المستكمل تمامها. ومن هنا غدا المثلث الرياضي عنوانا لمشاعر الحياة، حيث هي الرغبات صانعة الوجود، الرغبات الناقصة أو التي لم تستكمل تمامها. اللقاء الجسدي هنا يؤخذ على محمل الوجود الفني المتحقق بامثولة الجمال التي ينشدها الفنان. ومع أن الرواية لاتتضمن مشاهد جنس، غير انها تشير الى صلة الحب بحرية الإنسان، وصلة الجسد بعقله وروحه. طليعية البطل، أي تفهمه لرغباته، لاتقابلها طليعية مشابهة عند بطلته العربية، فهي إمرأة تنشد لنفسها الإخلاص، وتلك مفارقة تعود بالبطل الى زمنه العربي. "لعل تمسكه بحب أولريكا يعود الى حرمانه السابق من الحب" هكذا يقول الراوي عن هشام المقدادي. في الطريق الى حبيبته العربية، كان هشام يمارس إحساسا بالبهجة والحبور، لأنه بات موضع اهتمام امرأتين مدلهتين في حبه، فأصبح أكثر ثقة في نفسه، وأكثر انفتاحا الى الحياة وحبا للناس، كما يستطرد الراوي. الحب إذن هو نرجسية الفنان، حيث لاتكفي إمرأة أو حتى أمرأتان لتحقيقها، بل تحتاج نساء أخريات. تنتهي الرواية مع إمرأة واحدة، ومستقر خارج العراق، حيث تشكلت ثقافة البطل وقيمه.
ولكن حكاية النص لم تكتمل، فقد بقيت أسئلته تفضي الى أسئلة أخرى عن مغزى الحب وسره، ومعنى الزواج وجدواه. هل تقتل العشرة الحب، أم تحوله الى ولاء وتفهم؟ هل تعتدي علاقات الخيانة على منطق الوفاء، أم هي تستكمل معاني الحب المتعددة؟ هذه أسئلة جدّ بسيطة، ولكنها تكتسب أهمية كبيرة في حياة كاتب مثل علي الشوك، كرّس وقته الى القراءة والكتابة والموسيقى، بل والى الوحدة الإختيارية التي وسمت سيرته الشخصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.