لم يخطر ببال المتفائلين من سكان مدينة الرياض قبل عدة سنوات أنهم سيكونون ذات يوم في مواجهة مع أزمة المياه التي تعصف بمدن ومناطق أخرى. والسبب في ذلك أن الرياض تصلها المياه المحلاّة القادمة من البحر بكمّيات وفيرة، وليس ثمة بوادر للأعطال أو سوء التنظيم التي تحول دون وصول المياه إلى السكان. ولكن منذ فترة، بدأت الأزمة تعصف ببعض أحياء الرياض؛ ففي الوقت الذي نلاحظ فيه ازدياد تسرب المياه في الشوارع وهدره في أماكن متعددة، نجد تكرر انقطاعه عن بعض الأحياء لفترات متفرّقة أو متواصلة. وخير مثال لذلك ما حصل ويحصل لحي كبير في الشمال الشرقي للرياض وهو حي الحمراء الذي عانى ولا يزال يعاني من أزمة انقطاع المياه عنه عدة أيام متوالية. مما جعل السكان رهينة لشراء الماء من الوايتات التي تفتقر إلى أدنى مقومات الصحة، فضلا عن العقبات وضياع الوقت الذي يمضيه الفرد في الذهاب والإياب لملاحقة تلك الوايتات. هل يمكن التأريخ لهذه الأزمة بالإدارة الحالية التي تتولى زمام أمور مياه الرياض؟ أم أن الأزمة أقدم من ذلك، بل ويصعب حلها على مدى السنوات القادمة؟ وهل يمكن أن تقنعنا المسوغات التي تقول بأن تسرب المياه وضياعه في الشوارع راجعان إلى قدم الشبكة وتهالكها وأن الحل الجذري يتمثل في إنشاء شبكة مياه جديدة بمواصفات عالية الجودة؟ ولو سألنا عن عمر هذه الشبكة لوجدنا أن عمرها يقل عن ثلاثين عامًا وفي بعض الأحياء يقل عن عشر سنوات، وهنا يحق لنا أن نسأل عن مواصفات الشبكة التي توصف اليوم بأنها متهالكة رغم حداثة إنشائها ومدى مطابقتها للعقود التي أبرمت في حينها. فعلى سبيل المثال، تحتفظ كثير من شبكات المياه في دول العالم بالجودة حتى مع مرور السنين، فلماذا شبكات مياهنا تتهالك دون غيرها رغم ما أنفق عليها من أموال طائلة؟ والعجيب في موضوع مديرية مياه الرياض، أن المواطنين يشعرون أن هذه المديرية تتجاهل المشكلات التي تطرح حول هذا الموضوع في وسائل الإعلام. وفي حالة الرد، وهي حالات قليلة بل ونادرة، فإن الرد مشبع بالروح التبريرية التي ترمي المشكلة على أطراف أخرى وتتهرب من تحمل المسؤولية دون أن تسعى إلى إصلاح الأخطاء الكثيرة. فمثلا نجد الحفريات التي تُحدثها المديرية في الشوارع والأحياء لا تصلحها بالسرعة المطلوبة، وتسرّب المياه وتكسّر الأنابيب التي تهدر الماء لا تُصلح بالجودة المطلوبة إذ سرعان ما تتكرر المشكلة، أضف إلى ذلك أن الإبلاغ عن تسربات المياه لا يلقى العناية التي يفترض أن يلقاها من العاملين والمسؤولين. وهذا يعني وجود خلل إداري واضح لا يمكن تجاهله.