أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله عزَّ وجلّ والعمل على طاعته واجتناب نواهيه داعياً إلى الاهتمام بباب الاجتهاد لأنه يتوج ذلك بالوحدة الاخوية والإيمانية. مثمناً ومباركاً ما قامت به الدولة السنية في التوسعة المباركة للمسعى ومباركة جل علماء المسلمين. وقال فضيلته في خطبة الجمعة يوم أمس بالمسجد الحرام إنه في عالم تسوده المتغيرات وتكتنفه المستجدات لم يكن من نافلة القول الذي يروى فلا يطوى أن شريعتنا الإسلامية الغراء التي اصطفاها المولى جلَّت حكمته لتكون خاتمة الرسالات وأوعبها لقضايا الحياة، لأنها الرسالة المباركة والميمونة التي انطوت التطور والمرونة واتسمت بمواكبة أحداث العصور ومستجداتها واستيعاب القضايا والنوازل ومتغيراتها. ومن دون عجز أو إبطاء أو اعوجاج. وبيَّن فضيلته أن الاجتهاد في ديننا الحنيف قد أولاه التشريع المنزلة السامية وجعله في الطليعة ونوَّه بشأن الاجتهاد وآثاره. وقال فضيلته إن الاجتهاد هو أصل في الشريعة، قامت في الملة السمحة براهينه وشواهده، ولاحت للعلماء الثقات ضوابطه وقواعده وهو استدراك الجهد في درك الاحكام الشرعية فيما لا نص فيه. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام أن الإمام الشافعي رحمه الله قال: كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم وإذا لم يكن فيه بعينه طلب الدلالة على سبيل الحق بالاجتهاد. وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "إذا حكم الحاكم واجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد ثم أخطأ فله أجر". وأشار فضيلته أنه من أصاب في الفروع يعطى موضحاً أن الشريعة الإسلامية أقرت الخطأ إلا أنها أثبتت له الأجر، فهناك أجر في الاجتهاد من دون معاقبة. وهذه من الأمور التي دعت جوهر التيسير وحقيقة الرحمة والاشفاق. وبيَّن الشيخ السديس أنه إذا اطلق الاجتهاد فيما لا مستند فيه فإن المراد والمعتبر ما كان مناطاً بولي الأمر والعلماء الأفذاذ الذين لا يستقون أحكامهم إلا من نور الوحي وهدايته وعمومات الشرع وكلياته ومقاصده العظمى ودلالاته في غاية الغايات من تقوى الله عزَّ وجلّ والتماع الذهن ودقة الفهم ولطافة الاستنباط واندفاع الوهم وبراعة التعليل وصدق التحليل في استحضار القائم الماثل من انبثاق الخيور والبرور وانمحاق المشقة والشرور. امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج). وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: إن ذلك هو أزمة الاجتهاد الصحيح التي تعقد عليها الخناصر في ميدانها العبق يكون التناصر وبه تناط آمال الأمة في حل كثير من قضاياها وأطلاقها من رباط التعثر وارسان التبعية والتأثر. موضحاً فضيلته أن لا يكون الاجتهاد كلأ مباحاً وحمى مستباحاً واوجه حماله وسبل شماله ويرتادها قعدة الأهواء ويخترقها احلاس الآراء فذلك الأمر المرفوض والحكم الملفوظ. وحذر فضيلته من النيل من مقامات العلماء وطلبة العلم والحط من أقدارهم والتعريض بمرجعيتهم وضرب أقوال بعضهم ببعض وتأليب قلوب العامة عليهم مما يسبب اضطراب الأحوال والآثار. ودعا فضيلته إلى التروي والتثبت في الرواية عنهم وانصافهم وعدم التعصب دونهم والحذر من اساءة الظن بهم والبدار في تخطئتهم.. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وإدراكهم. ولكن المذموم بغي بعضهم على بغي بعض". وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام أن من القواعد الفقهية المعتبرة في هذا الشأن.. المشقة تجلب التيسير إذا ضاق الأمر اتسع مدار احكام الشريعة على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها. وبيَّن فضيلته أن من القضايا الاجتهادية التي لاك فيها بعض الناس من دون تثبت وروية، قضية تتعلق بركن من أركان الإسلام وعبادة من أشرف العبادات وهي ليست قضية شعب أو مجتمع وإنما قضية دين وشريعة ربانية وأمة عالمية ألا وهي قضية توسعة المسعى في الحرم المكي الشريف. وهي التوسعة المباركة الشرعية والوثبة المعمارية السنية التي لم تقدم عليها بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله إلا بعد الاجتهاد المعتبر والصحيح والاستقصاء التام الصريح والاستشارة الكاشفة والنظر المسؤول الفاحص والبحث المدقق الماحص في الدلالات النصية والمقاصدية من لدن العلماء الشرعيين والتاريخيين وأهل الاختصاص والخبرة من الجغرافيين الذين أثبتوا في يقين واطمئنان أنه واقع بحمد الله في عموم الشعيرة وشمولها الكائنة في الامتداد الشرقي بين الصفا والمروة الذي هو مناط الحكم في هذه القضية. مؤكداً فضيلته أن هناك قناعة يصفو لها القلب وتنقاد لها النفس بالسمع والامتثال. وقد باركها وأثنى عليها جل علماء المسلمين وبادرها ولي الأمر وفقه الله سيراً على القاعدة الشرعية الذهبية أن حكم الحاكم يرفع الخلاف. وتعرف الحاكم بالرعية منوط بالمصلحة مع سيرها على سنا النصوص الشرعية والمذاهب الفقهية. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام أن هذه التوسعة كذلك هي منوطة بالمصالح المهمة والمقاصد الجليلة الجمة حيث استجابت للمصلحة القطعية ولبت فاستجابت لنداء التيسير ورفع العنت والحرج وحفظ النفوس والمهج. وعند مسلم عن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً". وقال فضيلته إنه سعي موفق مبرور وقرار مسدد ومستحق بإذن الله لأجري الاجتهاد ودعاء العباد. مؤكداً أن الأمانة على خدمة الحرمين الشريفين وتذليل الصعاب أمام ما يكابده الحجاج والعمار من مشقات الضيق والازدحام والتدافع والالتحام. منوهاً فضيلته بتلك المأثرة التاريخية والمبادرة الإسلامية في نسق مبهر في استشعار بينات الهدى. ولتهنأ الأمة الإسلامية بهذا الإنجاز المبدع والتوسعة الفيحاء الرصينة وكان الله خير مؤيد ونظير ومعين ونصير للساعين في خدمة دينهم وأمتهم. مؤكداً فضيلته احترام مقامات أهل العلم والاجتهاد ووضع الثقة فيهم والتماس العذر لهم فلم يزل العلماء سلفاً وخلفاً يخالف بعضهم بعضاً وتبقى القلوب سليمة.