على الرغم من كل ما يقال عن سلبيات زواج الأقارب، إلا أن البعض يرى فيه صمام الأمان لكثير من العلاقات الزوجية، فهو في الغالب يمنع الطرفين من الانفصال، مراعاة لأواصر القربى، وخوفا من العواقب والآثار السلبية التي يمكن أن تمتد وتشمل العائلة؟ فهل تنجح رابطة الدم والقرابة بين الزوجين في لعب دور رئيسي في استمرار العلاقة الزوجية، حتى لو كانت منهارة ومحاطة بالمشكلات والتعقيدات؟ سجن أبدي لم يدر في خلد "صالح.ج" أب لثلاثة أطفال، أنه أختار لنفسه ومن دون أن يدري "سجنا أبديا" عندما أقدم قبل تسعة أعوام وبكامل إرادته على الارتباط بابنة عمه ذي الثروة والسلطة بالعائلة، يقول: " لم يكن بيننا أي عاطفة سابقة، وكل معلوماتي عنها استقيتها من إخوتي ووجدت أهلي يدفعونني دفعا لهذه الزيجة، بسبب مكانة أبيها المادية والاجتماعية، وعمل ثلاثة من أشقائي لديه"، لكن صالح اكتشف منذ الأيام الأولى في حياته الزوجية معها أنه قد تورط بكل المقاييس، يقول" وجدتها عصبية وغير مكترثة بعلاقتنا، فهي مبذرة، وصوتها عال، وكثيرة الشجار معي، ومع من حولها، حتى أصبحت مهمتي في الحياة الاعتذار لهذا وإرضاء ذاك". .. محاولات صالح ترويض زوجته وتعليمها أصول الحياة الزوجية والمعاملات باءت بالفشل، ويؤكد "لقد أفسدتها التربية المترفة فأضحت مدللة عنيدة، والكارثة أن أهلها يتصورون أننا سعيدان، فلم أتعود الشكوى منها أو النطق بمعاناتي مع أنني أعيش في الجحيم". ويعترف بأنه فكر في الانفصال عن زوجته أكثر من مرة "لكنني أعلم أن فعلت ذلك فإن حرباً ضروساً سوف تندلع في العائلة، إذ يعتبر أهلها أنني قد أهنتهم في حال تخليت عن أبنتهم". وأكثر ما يخيف صالح تجربة أبن عمه التي تمثل أمامه الذي أشعل حرباً مازالت نارها تستعر منذ أكثر من أربعة أعوام، بسبب تطليقه أخت زوجته، فانقسمت العائلة إلى أحزاب وطوائف يقول صالح: "ولن أجرو على خطوة الطلاق، لأنني أدرك عواقبها جيدا، التي أقلها قطع أرزاق أخواني، إضافة إلى فقداني أطفالي". صمود مع تنافر .. أما تجربة "عائشة .ن" المرتبطة بابن خالتها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، فبرهنت على صمود العلاقة الزوجية، والتي تكون بدافع صلة الرحم والقرابة، وتقول عائشة: "حياتي مع زوجي مليئة بالمشكلات والمطبات، وذلك لتنافر مزاجنا وتباين نظرتنا إلى أمور حياتنا، لكنني أقسم أن سفينة زواجنا هذه ما كانت لتبحر بعيدا عن شط الانفصال نسبيا، إذ لم يجد كلانا الدعم الايجابي من أسرتينا لضرورة استمرارية هذه الحياة، فأمي تطلب مني الصبر على أبن خالتي دون اللجوء إلى سيف الطلاق وتشريد الأبناء، حتى أنها تهددني بعدم العفو إذا أقدمت على خطوة كهذه". وتضيف عائشة: الروشتات التي أتلقاها أنا وزوجي من أمي وخالتي تنجح في كثير من الأحيان معنا وبالتالي تجنبنا الانفجار. ردة فعل في حين يختلف سعيد العون مع صالح ويقول بثقة "إن الاستمرار في علاقات تحفها المشكلات تنذر بالفشل لاعتبارات أسرية، لا يعد نوعا من الحكمة في التعاطي مع الحياة الزوجية، فقد فضلت وقريبتي عدم إتمام المشوار لعدم التوافق، بدون الخوف من ردة فعل الأهل وكي لا نجد نفسينا بعد ذلك نقدم التنازلات من أجل أحد، فالحياة بعد الزواج تكبل بكثير من القيود. ويصنف سعيد المشكلات الزوجية إلى قسمين، كبيرة وصغيرة، ويقول: صلة الرحم يمكن أن تسد الفتحات الصغيرة في العلاقة بين الرجل وزوجته، لكن هناك مشكلات عميقة لا يمكن أبدا أن تستر أو يتجاوز عنها، بسبب مراعاة حقوق القرابة فقط، وفي هذه الحالة الفراق يكون هو الحل. الحال أفضل إن تتوتر العلاقة بين أسرتين أو تنقطع خير ألف مرة من حياة زوجية مليئة بالشقاق والخلافات اليومية، التي يمكن أن يدفع ثمنها طرفان، الحياة بينهما مستحيلة" هذا ما برهنته "حصة .ع"، حيث تقول انفصلت عن أبن عمي، منذ عشر سنوات، وحالي أفضل بعد الطلاق، فأعمدة الزواج عندما تتعرض للاعوجاج لا يمكن أن تقومها صلات الرحم. وتؤكد بأن العلاقة بين أسرتها وأسرة أبن عمها لم تعد كالسابق فمازالت هناك تحفظات، لكن هذا أفضل بكثير من أن أعيش حياة غير مستقرة وتعيسة. سلاح ذو حدين وتقول إيمان الخالدي: إن قرابة الزوجين يمكن أن تكون سلاحا ذا حدين، فرابطة الدم يمكن أن تدعم مسيرة الحياة الزوجية، في حالة أن تكون عائلتا الزوج والزوجة تتمتعان بعلاقة قوية ومتينة، ففي هذا المناخ فإن الأسرتين يمكن أن يمثلا "الصدر الحنون" الذي يرعى الطرفين بالتشجيع والإرشاد. أما إذا حدث العكس، وكان هناك تنافر بين الأسرتين، فإن الأمر يجعل الحياة الزوجية على كف عفريت، حتى وإن كانت مستقرة ولا تعاني أي مشكلات. بينما ترى تركية العسيري أن زواج الأقارب مفضل في بعض المجتمعات الشرقية لأسباب كثيرة منها الرغبة بالاحتفاظ بالثروة المادية، ورغبة بعض الأسر عدم إدخال الغريب بينهم، وأيضا عمل "ألف حساب" لهذه القرابة، في حين أن البعض ممن يفتقدون الروابط الأسرية لا تعني لهم المسألة شيئاً. شتان مابينهما ويتحدث إلينا أبو خالد قائلاً: الزواج في السابق كان يتم بواسطة الأهل، ويعتبر زواج الأقارب والنسب هو النمط المفضل في المجتمع الشرقي، والذي يجمع الأهل ويمتن العلاقة بالنسب والأخوة والقرابة.. فهذا الاختيار يجعل الزوج لا يستطيع طلاق زوجته حتى وأن لم تستقم الحياة بينهما، لأنه لو فعل يصبح منبوذا اجتماعيا وربما لن يجد زوجة مرة أخرى ترضى به لأن المجتمع ينظر إليه كرجل غير شهم فرط في دمه وعرضه. أما اليوم فأصبح الزواج بإرادة الطرفين وعلاقات القربى أصبحت لا تشفع أبدا لا استمرارية العلاقات الزوجية الآيلة للسقوط، حيث نجد جيل اليوم حتى وأن أختار زواج القرابة، فإنه قد تحلل تدريجيا من الالتزام الأدبي تجاه العائلة المنتسب إليها، فلا نجد لديه الصبر كي يضحي بحياته وسعادته من أجل التمسك بالعائلة والقرابة. المرأة ضحية ويضيف صالح الكوالي أن زواج القرابة في معظم الأحيان ضحيته المرأة، حيث يتجاهل رأيها ورغبتها في حال تقدم لها قريب من الدرجة الأولى مثل أبن العم أو الخال، وتسلم بسياسة الواقع الذي يؤدي في حالة عدم الوفاق إلى علاقة مرهقة نفسيا بالنسبة لها بسبب تقديم التضحيات ومصلحة الأسرة العامة، وخوفاً من الخلافات التي يمكن أن تنشأ إذا طلبت الطلاق فتظل تعيسة على أن تغضب أقرباءها، في حين أن الرجل بإمكانه الزواج بأخرى إذا لم يكن موفقا مع قريبته. وقال: حتى تدخل الأقارب قد يزيد من حدة المشكلات وإلى الجفاء بين الطرفين والأقارب والتفكك، وفي أحيان كثيرة يصل بهم إلى العداء العلني. صمامات أمان هذه الظاهرة أصبحت موضوع جدل بالآونة الأخيرة بسبب عاملين حسب رأي الدكتور محمد أبو العينين أستاذ علم الاجتماع: أولهما انفتاح المجتمع والجماعات على بعضها البعض، والثاني الأبحاث الطبية التي حذرت من هذا الزواج. وقال إن أساس العلاقة هما الزوجان بصرف النظر عن درجة القرابة بينهما،في الوقت الذي تشكل فيه القرابة صماما لاستمرار هذه العلاقة ولكنها ليست كافية إن لم تقترن بصمامات أخرى منها مدى التوافق الزوجي والتقارب المزاجي والفكري والثقافي بين الرجل والمرأة ولا يكفي ربطهما بعلاقة قرابة لكي تسير سفينة الزواج مشيراً إلى أهمة وجود أساس متين للعلاقة الزوجية مبني على الاحترام والرغبة العميقة بالاستمرار. وإضاف: من المعروف أن علاقات القرابة ليست كلها سوية، أي خالية تماما من المشكلات، وهنا قد ينجح زواج القرابة إذا كانت العلاقة بين الأهل قوية ومتينة، وإن لم يكن كذلك أصبحت سببا في فشل هذا الزواج.. بل وقد يصبح الزوجان ضحية العلاقة السيئة بين الأهل، موضحاً أنه حتى لو حدث صمود للزواج المهتز بسبب علاقة القرابة، فالسؤال إلى متى هذا الصمود ؟ قد يتدخل الأهل مرة ومرتين ولكن ماذا بعد ذلك؟ @هل يصبح استمرار الزواج رهنا لتدخل الأهل ؟ وقال: إن الضمان الأساسي لاستقامة الحياة الزوجية ليس العامل الخارجي بل العامل الداخلي المتمثل بالزوجين، ومدى ترابط الألفة والمحبة وحسن العشرة بينهما، وأخطر ما يهدد العلاقة الزوجية أن تصبح مكاناً للتدخل من أطراف أخرى. وعن الآثار السلبية لمثل هذه الزيجات يقول الدكتور أبو العينين لعل الآثار المهمة هو أن تصبح الأسرة مثل "القوقعة الفارغة" التي تبدو جميلة من الخارج لكنها خاوية من الداخل، وأيضا العبء النفسي الهائل الذي يتحمله الفرد بالاستمرار في علاقة لا لشيء إلا لأن الآخرين يريدونها هكذا، مثل هذا الشخص مسلوب الإرادة وضحية لاعتبارات المجتمع.