شهدت مدينة الرياض فاجعة جديدة حين توفيت الطفلة السعودية شرعاء على إثر التعذيب الشديد على يد والدها القاسي القلب، تأتي هذه القضية التي صدمت وجدان الوطن حكومة وشعباً في سلسلة من حوادث قتل الأطفال في بلادنا وعلى أيدي آبائهم أو أمهاتهم أو أقاربهم مما يستدعي وقفة وطنية جماعية حاسمة وفي الوقت نفسه حكمة في فهم المشكلة ككل متكامل لا التعامل معها بطرائق فردية وأساليب تقليدية تتمثل في رمي كرة الملامة والعتاب من طرف إلى آخر. الجرائم المتعلقة بقتل الآباء أو الأمهات أطفالهم ظاهرة قديمة قدم الإنسان نفسه، وكان القتل يحدث باشكال ولأسباب متعددة كالخوف من العار أو الخوف من الفقر وفي كل هذه الحالات، ومهما زعم الناس بحسن النية من وراء القتل فهو جريمة جاءت الشرائع السماوية لتحاربها حرباً ضروساً. ولقد قال الله تعالى: (وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت)، وقال جل شأنه: (إن قتلهم كان خطئاً كبيراً). ثم توالت الحضارات الإنسانية بالاجماع على أهمية تنظيم العلاقة بين الطفل ووالديه خصوصاً مع ضياع البوصلة في اتجاه الترقي بالتعامل مع هذا الإنسان الصغير الذي جعلنا نحن الراشدين مسؤولين عنه أمام الله والمجتمع مسؤولية كاملة. والمتتبع لعصر المدنية اليوم يجد توافقاً كبيراً بين الإسلام كآخر ديانة نصت على حماية الطفل من والده والقوانين التنظيمية لحياة الناس في الغرب والشرق، والتشريعات التي قد تصل إلى تولي المؤسسات التربوية الإشراف على تربية الأطفال بمجرد وجود ملاحظة عنف جسدي أو معنوي يتعرض له هذا المخلوق البريء الضعيف من قبل ولي أمره أو تقصير من الأخير في السماح بتعرضه للعنف من أي كائن كان. مقتل الطفلة شرعاء على يد والدها الذي تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية أنه تركها وبدم بارد معلقة بيدها في نافذة منزله حتى لقيت حتفها، تعد مأساة في حد ذاتها وكذلك اختباراً لوطنيتنا جميعاً. إنها امتحان للمواطن والمسؤول والمؤسسات، ويؤسفني القول إن هذه الأطراف الثلاثة فشلت في اختبار شرعاء فشلاً لا يخفى على منصف. ويأتي هذا الفشل في وطن يعد الفشل فيه أعظم من غيره لكونه مهبط الوحي الإلهي ومنطلق الدين الذي جعله الله رحمة لكل العالمين وكما يقول المثل الشعبي السعودي: (إذا طاحت الحوامي ما عاد على الجدران شرهة). إننا الآن أمام مسؤولية عظيمة أهم ما يميزها أنها مشتركة بين عدة أطراف، ولن ننجح في إثبات صدق المواطنة والوفاء لهذا الوطن الغالي ما لم تقم بها وتتحمل إعباءها بدءاً بالاعتراف المشترك في التقصير وليس انتهاء بإعداد الخطط الضرورية وبشكل مؤسساتي لتفادي تنامي هذه الظاهرة المشينة، بل يجب على الإعلام مواجهة ظاهرة صمت المجتمع على هكذا جرائم واستحضار مبدأ تغيير المنكر الوارد في الحديث الصحيح: من رأى منكم منكرا فليغيره. ولست أدرى أي منكر سننكره بعد صمتنا المطبق عن سحق طفلة بريئة في شارع ملئ بالناس؟! كيف مرت صرخات الطفلة شرعاء من جدران آذان أولئك المارة الذين لم يوقفوا ذلك المشهد المخزي ولو باتصال من تليفوناتهم المحمولة بأقرب دورية أمنية؟ كيف يمكن أن يثق المجتمع في مدرسة الطفلة التي لا يوجد لديها أي آلية للعمل على حماية الأطفال من العنف الأسري، حتى بلغ الأمر بالمدرسات أن يتصلن بالشرطة لإعادة الطفلة لمنزل القاتل؟! ثم كيف للشرطة كجهة أمنية مسؤولية عن حماية كل المجتمع (صغاره وكباره) أن تدع وبهذه اللامبالاة والد الطفل الشاهد أن يأخذه ليمارس عليه مزيداً من الترويع والإرهاب النفسي والجسدي! هنا يصل المجتمع إلى حالة لا تقبل الإعتذار إلا بالعمل المنظم والمشتمل على تأطير ووضع آليات لتطبيق التشريعات والتعليمات والأنظمة واللوائح. نجاح العمل هذا هو نجاح للشراكة بين كل الجهات ذات العلاقة، وإلا فسيبقى الواقع بمراراته وبعشوائيته وسيبقى مسلسل رمي كرة اللوم بين أطراف المسؤولية عن انتشار جريمة قتل الطفولة في وطن الإنسانية الأول، وطن الديانة التي جعلها الله رحمة للعاملين، كل العاملين، صغاراً وكباراً. @ استاذ أصول التربية الاجتماعية المشارك بجامعة الملك سعود