قد نتفهم إلى حد ما تأديب الآباء لأولادهم بشيء من القسوة, لكن ما لا يقبله عقل أو منطق أن يصل ذلك التأديب المزعوم إلى درجة القتل أو أن يتحول المنزل إلى معسكر سادي لتعذيب أطفال لا يكادون ينطقون أسماءهم. فمن حين إلى آخر نسمع أو نقرأ هنا وهناك عن موت طفل على يدي أبيه أو أمه أو كليهما. آخر هذه القصص المأساوية قصتان ضحيتاهما طفلتان هما (بيان) و(شرعاء) اللتان تعرضتا لأبشع ممارسات العنف السادي داخل حيز الأسرة حتى لقيتا مصرعيهما على يد من كان من المفترض فيهما أن يمداهما بالحياة. القصة الأولى للطفلة (بيان) ذات الأعوام الخمسة التي أسدل الستار عليها أخيراً في تبوك بالحكم بقتل الأب تعزيراً واستنكار جريمته البشعة في حق طفلة ضعيفة. وكانت بيان قد فاضت روحها عقب حفلة تعذيب من أبيها زعم أنها تأديب، عقوبة لها على عدم سماعها كلامه. أما القصة الثانية فهي للطفلة (شرعاء) التي مازالت أمها تطرق أبواب المحاكم بالعاصمة الرياض بحثاً عن حق ابنتها بعد أن اغتال والدها طفولتها البريئة بمساعدة من زوجته التي كانت المحرض الأساسي لعنف والدها ضدها، مما أدى إلى وفاتها بعد سلسلة من التعذيب الجسدي ارتكبها والدها في حقها. وأكدت أم شرعاء بدرية الرحيمان في حديثها إلى "الوطن" أنها متمسكة بالحكم الشرعي، وستبقى تطالب بدم ابنتها مهما كانت الظروف. وأوضحت أن القاضي عرض عليها أضعاف الدية وسجن الوالد أربع سنوات، كآخر حكم عرض عليها، لكنها قالت إن القاتل يقتل وهذا هو ما سيرضيني. وتساءلت أم شرعاء: ما الذي يؤخر الحكم في القضية، فخلال الثلاث سنوات الماضية كنت أتمنى أن ينال والدها جزاءه"، متعجبة من البت في قضية (بيان) بتبوك والحكم على والدها، بينما لم ينل أبو شرعاء جزاءه حتى الآن. وأكد المستشار القانوني في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خالد بن عبدالرحمن الفاخري أن الهيئة تتحرك بمجرد سماعها عن حالات عنف لجميع الأعمار، فكيف بالطفل الذي لا حول له ولا قوة. ويبدأ التدخل بالوقوف على المشكلة ودراستها ومحاولة حلها بجميع الطرق وأن يكون هناك تواصل مع جميع الأطراف، وحل الموضوع بشكل ودي. أما إن كانت الحالة مستعصية وعاجلة فتتم مخاطبة الجهات التنفيذية ذات العلاقة فوراً كإمارات المناطق والشرطة، حيث تقوم الجهات بتقييد المعنف وإحضاره وتقديم العلاج اللازم للضحية والحفاظ على حياتها. وتقول رئيسة اللجنة النسائية العامة لشؤون المرأة بالجمعية الوطنية للمتقاعدين الدكتورة فوزية محمد أخضر: العنف الجسدي والجنسي لا يخص الأطفال الطبيعيين فقط، ولا ننكر أن الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة يتعرضون أيضاً إلى التحرش الجنسي الذي يعتبر مشكلة مستترة للأسف، وهذا هو سبب الصعوبة في تحديد نسبة لهم أو عمل إحصائية لعدد الأشخاص الذين تعرضوا لشكل من أشكال الاعتداء الجسدي خلال حياتهم. فالسرية التي تحيط تلك الوقائع تكون نابعة من الشعور بالخزي الملازم عادة لمثل هذه التجارب الأليمة أو ما يسمَّى "بمؤامرة الصمت". كما تعتبر صلة القرابة التي قد تربط المعتدي جنسياً بالضحية من أهم الأسباب في مرور العديد من تلك القضايا دون كشفها ومعاقبة الجاني. وأوضح استشاري الطب الشرعي والمشرف على إدارة الطب الشرعي بالعاصمة الرياض سعيد غرم الله الغامدي أن هناك حالات كثيرة ترد إليهم لأطفال يدعي أولياء أمورهم أن الحالة مجرد سقوط من أماكن عالية ك"السلم أو الدرج"، ولكن عند تشخيص الطبيب الشرعي يتضح أنه تعذيب جسدي أو جنائي من خلال الإصابة الجديدة أو القديمة إن كانت هناك إصابات سابقة. وأضاف الغامدي "في هذه الحالة تحول القضية إلى الجهات الأمنية التي ترفعها إلى الجهات المختصة في الإمارة أو هيئة التحقيق والادعاء العام، والتي ترفعها بدورها إلى المحكمة ليصدر حينها الحكم بصك منع أحد الوالدين من ولاية الطفل. ونوه بأن هذه الإجراءات تأخذ وقتاً طويلاً، مما يسبب بعض العطل في حماية الطفل، لذلك يلجأ الطب الشرعي للتنسيق مع الشرطة والشؤون الاجتماعية للتحفظ المؤقت لمنع الأذى عن الطفل المعنف جسدياً، ولا يختص ذلك فقط بالطفل، بل بالمرأة أيضا أو أي شخص آخر يقع ضحية للعنف. وتؤكد الأخصائية الاجتماعية الجوهرة القحطاني أن في أكثر حالات العنف السري يكون الأب هو المتهم. وهناك أسباب عدة تجعل الأب المعنِف الأول في الأسرة، منها الجانب الاجتماعي الذي قد يجعل من ترسبات تربيته معنفاً من الدرجة الأولى، فالمجتمع الشرقي عموماً يعطي الرجل المساحة لممارسة العنف بشتى الطرق، سواء الجسدية أو المعنوية. وهناك المفهوم الخاطئ للرجولة التي يعتقد البعض أنها لا تثبت إلا بالعنف وهو ما يوصف بالمعتقد الاجتماعي المتخلف والترسبات الاجتماعية الخاطئة، وذلك إضافة إلى العامل الاقتصادي فالأب حينما يشعر بأن زوجته أفضل منه رتبة في العمل أو أنه يتعرض إلى اضطهاد في العمل فإنه يفرغ شحنة الغضب تلقائياً في أسرته. وعن الحالات الخاصة التي وردتها قالت الجوهرة إن لديها حالة لأب كان يعنف جميع أطفاله بالإضافة لزوجته بالتعذيب لإرضاء نفسه. كما كان يرغم أبناءه على مشاهدة أفلام الرعب والقتل ويأمرهم بممارسة العنف الذي يشاهدونه في التلفزيون فيما بينهم. وهو كما تقول القحطاني تحريض غير مباشر بالقتل وإذا لم يتقبل الأطفال الفكرة ورفضوها يقوم بوضع الفلفل في أعينهم أو إرغامهم على تناول الطعام غير المحبب لهم وعند استفراغهم ما أكلوه يقوم بإجبارهم على تناول ما استفرغوه مرة أخرى,