الترشيد في الإنفاق يعني الاقتصاد والاعتدال في كل الأمور.. وهو وسط بين الترف والبخل .. فلا إفراط ولا تفريط .. وسط بين غلّ اليد وبسطها.. ويأتي تماما في منتصف الطريق بين التقتير الشديد وتعذيب النفس من جهة، والبذخ والإسراف من جهة أخرى .. الترشيد لايعني الاستغناء عن كل احتياجاتك اليومية وما تعودت عليه وأصبح من الصعب عليك الزهد فيه وإنما تغيير أسلوب الشراء الذي اعتدت عليه والتركيز على شراء السلعة الأقل ثمنا.. وليس الأدنى جودة.. وتقليل مرات استخدام الصنف أو السلعة. أسرة مثلا تعودت على تقديم وجبة الأرز مرتين يوميا وبمعدل أربع عشرة مرة أسبوعيا ألا يمكنها ترشيد هذه الكمية إلى سبع أو خمس مرات، وبدلا من شرب اللبن يوميا يمكن الإقلال منه لمرتين أو ثلاث في الأسبوع.. ويمكن الاكتفاء بسيارة واحدة للأسرة التي دخلها على قد الحال.. وقس على ذلك. ولا بد أن تسعى الأسرة لتقليل مصروفاتها قدر الإمكان.. وعلى سبيل المثال أسرة تصرف شهريا ثلاثة آلاف ريال يمكنها التخفيض إلى ألفي ريال وبذلك توفر ألف ريال شهريا واثني عشر ألف ريال سنويا.. وكأنما حصلت على زيادة في الراتب تعادل ما يزيد على30%. الحد من استهلاك بعض السلع غير الضرورية وخاصة الكماليات من ملابس وإكسسوارات.. والتركيز قدر الاستطاعة على الاحتياجات الأساسية والضرورية والتي لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها.. والتزود بالثقافة الاستهلاكية وترتيب الأولويات.. هي المخارج العملية من الوقوع في مآزق الفقر أو العدم.. فهل العلاج أو الأكل يأتي أولا أم السفر والترفيه وإقامة الولائم والمناسبات؟ عدم الترشيد أدى بالكثير من الأسر إلى الاستهلاك الجائر لكماليات بدواعي الترف والبذخ.. وبنظرة سريعة على دواليب الملابس في أحد البيوت ستجد الكثير منها قد وضع للزينة أو اللبس لمرة واحدة فقط وبما يعني أن80% مما نخزن في بيوتنا لم تفرض وجوده الحاجة بقدر ما هو اللهاث والجري المحموم خلف المظاهر والتنافس. أتصور لو أن كل رب أسرة وضع في ذهنه مسألة الترشيد في الإنفاق إلى الحد المعقول لوجد نفسه قد وفر على الأقل ما نسبته30% مما ينفق سنويا.. أحد المواطنين ممن يتمتعون بدرجة عالية من الوعي يقول: بعد أن طبقت خطة الترشيد وغيّرت في أسلوب الشراء تمكنت من توفير مابين 20%-30% من مصروفاتي الشهرية. مئات من بعض الأسر التي تشكو الفقر وقلة الحيلة تكشف حالَها وما تعيشه مظاهرُ أخرى.. فأبناؤها يركبون أفضل أنواع السيارات.. ويستخدمون آخر صيحات تقنية الجوال.. وقد تجد أن رب هذه الأسر يستجدي المحسنين.. ويرفع صوته عاليا بالشكوى من الغلاء وارتفاع الأسعار.. تناقض غريب جدا ما نعيشه.. فبين قلة الدخول لدى بعض الأسر، والاستهلاك الجنوني لكثير من السلع تبرز الكثير من المعادلات التي تحتاج إلى حلول عاجلة من المواطنين أنفسهم.. فالدولة قدمت الكثير.. ووافقت على كل التوصيات الهادفة إلى رفاه المواطن.. وحل كل مشكلاته.. ويبقى الدور منوطا بنا نحن المواطنين لنمضي قدماً في تطبيق سياسات الترشيد.. وتغيير ثقافتنا الاستهلاكية.