..اليوم نصل إلى نهاية رحلة طويلة في الربع الخالي، ويتضمن هذا الجزء الأخير جانبا يتعلق بملامح التوزيع السكاني هناك، إضافة إلى إلقاء الضوء على مهارة "قص الأثر"، أو "العيافة" بحسب قواميس اللغة العربية والمصطلح الذي عرف عند العرب منذ أيام الجاهلية، كما سنقدم حواراً مع واحد من الأشخاص الذين دمجوا المهارة المكتسبة في "قص الأثر" مع الدراسة، حيث حصل على درجة الماجستير في هذا الموضوع. الكرم.. والأصالة .. عندما تجاوزنا "محطة الحصان" باتجاه حرض في طريق العودة إلى الرياض، وبعد أن دبت الحياة في هواتفنا الجوالة اتصل أحد الأصدقاء من الرياض يسألني عن مشاهداتي في الربع الخالي، وتأكد لي من طبيعة أسئلته أنه من أولئك الذين ترسبت في أذهانهم "أفكار مشوشة" عن الربع الخالي وساكنيه. رويت للسائل موقفين كمثالين يبينان طيبة الأشخاص الذين التقينا بهم هناك وكرمهم وأصالتهم، الأول: عن رجل اسمه هادي بن علي الصقور اليامي قابلناه في أول أيام الرحلة في هجرة تماني في الجزء الغربي من الربع الخالي، وكان أحد أعضاء الرحلة قد قابله في رحلة سابقة وعرف أنه متمرس في معرفة مساحة واسعة من النصف الغربي للربع الخالي، ولهذا احتجنا إلى مساعدته كدليل يرافقنا في تجوالنا هناك، قابلناه لأول مرة عند منزله وعرضنا عليه طلبنا فوافق لكنه اشترط أن يستضيفنا أولاً ويقيم لنا وليمة يدعو إليها "الجيران"، ثم يمضي معنا في الرحلة، وبالكاد قبل اعتذارنا عن قبول دعوته بعد وعد منا بأن نزوره في مرات قادمة، أمضى الرجل معنا يوماً كاملاً واستفدنا من معرفته وخبرته في عملية الوصول إلى الأماكن التي كنا نرغب في زيارتها بأيسر الطرق، ثم عاد إلى قريته وقد عرف أننا سنتوجه في اليوم التالي إلى منطقة تتوافر فيها خدمة الهاتف الجوال، وبسبب أنه "أمي" لا يقرأ ولا يكتب طلب منا أن نسجل أرقام هواتفنا الجوالة، ثم تلقينا منه في اليوم التالي اتصالا ليطمئن على وصولنا ويوصينا بالتمهل في قيادة السيارات والحرص على أن نتبع ضوابط الأمن والسلامة، وليذكرنا بوعدنا له بالزيارة.. هذا مثال بسيط لطيبة أبناء المنطقة وكرمهم. ..الموقف الآخر حدث في منتصف الرحلة وكنا قد تجاوزنا مدينة شرورة باتجاه الخرخير، وقبل أن نصل إليها مررنا بالصدفة في بلدة صغيرة تسمى "الأخاشيم"، وتوقفنا في طرفها جوار محطة وقود تحت الإنشاء لنستوضح من "عامل آسيوي" عن طبيعة الطريق الموصل إلى الخرخير وعدد محطات الوقود عليه، وبعد مغادرتنا البلدة تبعتنا سيارة جيب يقودها شاب في حدود الخامسة عشرة من العمر اسمه مسفر بن سالم علي الصيعري، كان يؤشر بمصابيح السيارة فتوقفنا ثم ترجل وأقبل علينا بوجه بشوش يدعونا إلى منزل والده محتجا بأنه لا يليق بأبناء البلدة أن يغادرها زائروها دون الاستضافة في أحد منازلها، وأيضاً حاولنا الاعتذار، لكن ارتأينا أن الشاب يستحق "المجاملة" بقبول دعوته حتى ولو لمجرد الوقوف أمام منزلهم والسلام على أبيه، وبالفعل قابلنا أباه وأقاربه واستضافونا في بيت شعر ملحق بمنزل حديث وقدموا لنا القهوة العربية، تأملت في تعبيرات وجه الشاب وهو يقف ليقدم لنا القهوة وبدا منتشيا وبمعنويات عالية، فما الذي جعله سعيدا وهو يستضيفنا في منزل والده؟ هو الكرم وأصالة أبناء القبائل هناك. قبائل الربع الخالي .. وفي إطار الحديث عن القبائل التي تسكن في الربع الخالي ثمة مقال من أحدث ما كتب عن سكان الربع الخالي نشر قبل أقل من عامين في هذه الصحيفة للأستاذ الدكتور رشود بن محمد الخريف أستاذ جغرافيا السكان في جامعة الملك سعود، ذكر فيه بعض القبائل وتوزيعها في منطقة الربع الخالي، ومنه: (هناك قبائل كثيرة تقطن الربع الخالي أو بعض أطرافه، ومنها قبيلة آل مرة التي ارتبطت بالسكن في معظم أجزائه، وآل كثير ومنهم آل راشد والعفار وآل خوار الذين يتركزون في شرق الربع الخالي، أما قبيلة الصيعر فهم في الجنوب بالقرب من شرورة، ومن القبائل أيضاً قبيلة المناهيل الذين يتركزون في الخرخير وما حوله، وقبيلة المهرة في جنوب الربع الخالي في مناطق الحدود مع عمان واليمن، أما قبيلة يام فتقطن الجزء الجنوبي الغربي، بينما تتركز قبيلة الدواسر في الجزء الغربي، كما يتخذ المناصير والعوامر المناطق في الشمال الشرقي من الربع الخالي مقراً لهم). ..مقال الدكتور الخريف كتبه إثر قيامه بعدة رحلات ميدانية إلى الربع الخالي وزيارات لأبناء القبائل هناك، وذكر فيه اللغة المهرية التي لازال أبناء قبيلة المهرة يتحادثون بها إضافة إلى اللغة العربية، فقال الخريف: (ومن أكثر الأمور إثارة سماع أفراد قبيلة المهرة يتحدثون بلغتهم المحلية التي لا يمكن لأحد فهمها أو فك رموزها إلا من يتقن هذه اللغة ويعرف أصولها، وهذه اللغة تبدو من اللغات القديمة جداً السائدة في شبه الجزيرة العربية، ولا شك أن هذه اللغة تستحق الاهتمام من قبل علماء اللغة والمتخصصين في اللغات القديمة من علماء التاريخ والآثار، إذ لا أعلم بدراسات علمية لبنية هذه اللغة وتراكيبها وأصولها). ..آل مرة وقص الأثر ..كنا في آخر ليلة من رحلتنا في طريق العودة إلى الرياض قبل أن نصل إلى حرض، ومررنا بمركز الطويلة التي تعد مورداً قديماً يتزود منه أبناء البادية بالمياه ولا زالت، ويسكنها حاليا مجموعة من أبناء قبيلة آل مرة. قوبلنا فيها بحفاوة واستضافة كريمة من العميد المتقاعد ناصر بن صالح العرق المري. المفاجأة الجميلة بالنسبة لي أن المجلس ضم شقيقه عبدالهادي العرق الذي سمعت عنه كواحد من البارعين في قص الأثر، إضافة إلى أنه نال درجة الماجستير من جامعة نايف للعلوم الأمنية وكانت دراسته عن فئة قصاصي الأثر، والاثنان هما أبناء لصالح العرق المري الذي يعد أول شخص التحق بالعمل في الدولة بصفة قصاص أثر إبان عهد الموحد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، وصالح العرق هو المقصود في بيتين من الشعر الشعبي القديم (لم أعثر على اسم صاحبهما)، حيث قال الشاعر يستحث راحلته على سرعة المسير مثلما تسرع السيارة التي تقل قصاصي الأثر (المريه) عندما يندفعون لتولي مهمة تتبع أثر سارق، فقال: يا فاطري روحي مرواح سياره مرواح فرت مصندق فيه مريه تبغي تدور سروق ضاعت اخباره يقصه العرق ما قصه عليميه الفراسة.. علم ومهنة ..وقبل أن أقدم حوارا أجريته مع عبدالهادي العرق، لعل من المهم توضيح أن العرب اهتموا ومنذ الجاهلية الأولى بما كان يعرف بالقيافة والعيافة والريافة والفراسة، ويعد كتاب السياسة في علم الفراسة لأبي عبد الله شمس الدين الانصاري المتوفي خلال النصف الأول من القرن الثامن الهجري أشهر المصادر في التراث العربي التي أصلت لما وصف بعلم الفراسة، وتعني كلمة الفراسة النظر والتثبت والتأمل في الشيء والتبصر به، وإذا قيل تفرس فلان في الشيء أي توسمه، أما من نظر إلى الفراسة كعلم فقد عرفه بأنه الاستدلال على أخلاق الناس الباطنة من النظر إلى أقوالهم وحركاتهم وأحوالهم الظاهرة مثل لون البشرة وهيئات الأجسام وأشكال الأعضاء، والفراسة أنواع فهناك ما يتعلق بالإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك، ويتفرع عن الفراسة ما يسمى بالقيافة وهي إما قيافة البشر أو قيافة الأثر، فالأولى هي الاستدلال على معرفة أحوال الإنسان، أما الثانية فهي تتبع آثار الأقدام والحوافر في الطريق، وهي أيضا مرادف إلى حد ما بالعيافة، لكن العيافة ارتبطت عند العرب قديما بالتكهن والتطير وخرافات أخرى، وهناك أيضا ما يسمى بالريافة التي تختص بما يقال إنها قدرة الإنسان على الاستدلال على مصدر الماء تحت الأرض. ..وبصرف النظر عن الاختلافات حول ما إذا كانت قيافة الشخص (قدرته على قص الأثر) تأتي من تلقي علم له أساسياته ومنهجه أو إلهام أو مهارة أو موهبة أو تخمين وحدس يعتمد على التعايش والتعامل مع البيئة وطبيعة البشر والأرض والحيوان والنبات، ومن ثم الربط فيما بين القرائن التي تفضي إلى استنتاجات موصلة إلى الحقائق، بصرف النظر عن ذلك، فإن قبيلة آل مرة تعد واحدة من أشهر القبائل التي عرف عن بعض أبنائها قدرتهم على قص وتتبع الأثر إلى درجة أن الناس ذهبوا في الاصطلاح الشعبي إلى تسمية قصاص الأثر الماهر ب(المري) حتى لو كان من قبيلة أخرى. حوار مع قصاص الأثر.. @ سألت عبدالهادي العرق المري.. هناك زعم غريب بين "عامة الناس" يفسرون فيه براعة أبناء آل مرة في قص الأثر، فما هو؟ - أظنك تقصد ما يردده بعض أبناء البادية قديما، حيث يقولون إن أم أو جدة آل مرة (جنية) في تفسيرهم لبراعة كثير من أبناء القبيلة في قص الأثر، لكن هذا الزعم بالتأكيد ينم عن الجهل في التفسير الصحيح وهو أن معظم أبناء آل مرة كانوا يسكنون في الربع الخالي أو أراض رملية مشابهة تتميز بأن آثار أي كائن يطأها تنطبع عليها بشكل واضح حتى لو كان لأصغر الحشرات، ولهذا حتمت ظروف التعايش مع البيئة أن يكونوا مميزين في معرفة الأثر وتتبعه. @ هل تعني أن من لم يسكن في المناطق الرملية لن يستطيع معرفة الأثر وقصه؟ - إلى حد ما، لكن هناك خصوصية في هذا الجانب بالنسبة لآل مرة، فأنا مثلا من مواليد مدينة الرياض وعشت فيها إلا أنني قضيت الإجازات الدراسية وما تيسر من الوقت في المناطق البرية. كما أن معرفة الأثر وقصه من المهارات المكتسبة عند جيل الآباء، وربما أدى انبهار الناس من خارج القبيلة بهذه المهارة إلى أن يجعل الأجيال المتعاقبة من آل مرة تتشرب المهارة كميزة يحافظون عليها ويتعلمون في ميدانها وفنها. @ هل تقصد أنكم تسعون إلى اكتساب المهارة في قص الأثر بصورة متعمدة؟ - لا.. في إجابتي السابقة أحاول تقديم تفسير للظاهرة لكن لو طبقت الأمر على نفسي فلا أعرف بالتحديد متى نشأ معي الاهتمام بقص الأثر، فمنذ الصغر وعيت على الاهتمام بهذا الجانب إلى أن بلغ أوجه ذلك بدراسة الماجستير في هذا الموضوع قبل عقدين من الزمن تقريبا. @ بالقياس على إجابتك حول تأثير طبيعة البيئة الرملية فسوف أفترض أن كل القبائل التي سكنت في منطقتي الدهناء والنفود الكبير لديهم المهارة في قص الأثر، لكن لماذا أخذت قبيلة آل مرة الشهرة؟ - صحيح هناك أفراد من قبيلة شمر وعنزة وغيرهم من سكان القرى عرفوا بالمهارة العالية في قص الأثر، لكن الشهرة كانت وما زالت لآل مرة حتى أن قصاص الأثر يطلق عليه حالياً (المري)، وإن كان لا ينتسب لآل مرة، لأن (المري) عند عامة الناس تسمية لقصاص الأثر على الإطلاق، وهذا يعود إلى أن السواد الأعظم من قصاصي الأثر هم من آل مرة خصوصا أن 90% تقريبا منهم كانوا يقطنون في الربع الخالي وهذه منطقة وميدان مختلف في سعته عن الدهناء والنفود الكبير. @ لننتقل إلى قصاص الأثر نفسه، ما المهارات التي تجعل شخصا بعينه لديه معرفه بقص الأثر؟ هل هي قوة ملاحظة أم قوة ذاكرة أم حدة بصر أم ماذا؟ - كل ما ذكرته في سؤالك مطلوب، إضافة إلى الذكاء وصفاء الذهن والقدرة على التركيز وهذه هبة من الله، وأضيف إلى ذلك شيئاً مهماً وهو الخوف من الله دائما والخشية منه سبحانه، خاصة إذا كان مطلوبا منه التعامل مع آثار في مسرح الجريمة. @ بالنسبة لك، إذا كان الأثر الذي تتبعه لرجل حافي القدمين وتداخل مع آثار حفاة بنفس الحجم، كيف لك أن تستمر في التتبع؟ - قبل أن أجيبك سأروي قصة قديمة عن رجل من آل مرة فقد ناقته فتتبع آثارها إلى أن وصل مورد ماء، ثم تبين له أن المورد يخرج منه أكثر من مساق: وهو الدرب الذي تمشي عليه الإبل إذا وردت وصدرت من الماء، وكان يحتاج إلى تتبع هذه (المساقات) ليعثر على الأثر ويواصل تتبعه، وكان على مورد الماء مري آخر تبرع في مساعدته رغم أنه لا يعرف الناقة لكنه سأله (الناقة من هي عليه؟) ويقصد السؤال عن الفحل الذي ضرّب أمها (أب الناقة)، فسمى صاحب الناقة الفحل وهو معروف ومشهور، ثم تفرق الاثنان، وبعد فترة قصيرة من البحث صوت المتبرع لصاحب الناقة ليشير على أثر الناقة الذي عثر عليه رغم أنه لم يرَ الناقة من قبل، فواصل صاحب الناقة تتبع الأثر. طبعا سوف يعتقد البعض أن في ذلك مبالغة فكيف عرف الثاني الأثر وهو لا يعرف الناقة، وربما يأتي آخر فيقول كيف يعرف قصاص الأثر أصلا أثر ناقته والخفاف متشابهة، فأقول إن قصاص الأثر البارع تصل معرفته إلى التمييز بين أثر خفاف الإبل وحجمها وشكل استدارتها، أما الثاني الذي لا يعرف الناقة فقد استعان بمعرفته وخلفيته عن إنتاج الفحل من الإبل التي تكون سلالة متشابهة. ..وعليه فلا أبالغ إذا قلت إن تتبع الحالة التي ذكرتها في سؤالك عن الحفاة أسهل علي من التفريق بين وجوه البشر، لأن الأرجل بشكل عام- وهذا من أسرار قصاصي الأثر- مختلفة فيما بين ثلاثة حالات لوصف أقدام البشر، فهنالك (الأكرف: وهذا وصف للأقدام التي تكون مائلة إلى الداخل، فالقدم اليمني تكون مائلة قليلا جهة اليسار والقدم اليسرى تكون مائلة جهة اليمين)، وهناك (الأزرح: والمقصود عندما تكون القدمان متباعدتان)، وهناك ( الأمد: أي الأقدام مستقيمة)، وهناك ثقل الوزن وعلاقته بعمق الأثر الذي ينطبع على الأرض، وهناك أصحاب العاهات حتى لو كانت محدودة مثل انحراف أصبع عن بقية الأصابع، وهناك أسرار كثيرة ربما نحتاج إلى صفحات كي نوضحها بالتفصيل. @ وماذا لو كانت الآثار ليست لحفاة بل لمن يلبسون أحذية رياضية متشابهة في شكل الأثر والمقاس؟ - هنا يمكن الاستدلال بشكل الأقدام التي وضحتها في إجابتي على السؤال السابق، إضافة إلى قوة الأثر وعلاقته بالوزن، وهناك قرائن أخرى تتعلق بالخطوة المتزنة التي يختلف أثرها عن "الخطوة المرتبكة" التي أستنتج منها الحالة النفسية للشخص وما إذا كان متعاطياً مخدراً أو مسكراً، وهكذا. @ هذا على افتراض أن يكون الأثر على أرض رملية، وماذا لو دخل في أرض حصوية أو صخرية؟ - هنا أعتمد على أشياء أخرى مثل تخلخل الحصى والصخور عندما تطأها الأقدام، وهيئة النباتات والأغصان الخفيفة التي تتكسر أو تميل في حال داستها الأقدام، ثم يمكن عمل الاستقطاع وهو الدوران على حواف الأرض الحصوية في اتصالها بالأرض الرملية من أجل معرفة المكان الذي خرج منه صاحب الأثر. @ كيف ترد على من لا يصدق أن هناك أشخاصا لديهم القدرة على قص الأثر وتتبعه ومن ثم تحديد صاحبه، ويعتبر ذلك من الخرافات؟ - أولا هذا علم من العلوم التي برع فيها العرب منذ الجاهلية، كما أن الشواهد دلت على أنه تم الاستعانة بقصاصي الأثر منذ صدر الإسلام وحتى وقتنا الحاضر، ثم لو رغبت لقمت بإجراء تجربة في الميدان بالشكل الذي تطلبه لتطلع عليها شخصياً وتحكم بنفسك. @ لقد شهدت التجربة واقتنعت تماما بأن القصاص يستطيع تتبع الأثر وتحديد شخصية صاحبه، لكن ما تأثير العوامل الجوية كالمطر والرياح في تتبعك للأثر؟ - بكل صراحة أقول إذا اشتدت الرياح أو هطلت الأمطار على الأرض واختفت المعالم الرئيسية للأثر فإن القصاص لا يستطيع الاستدلال عليه، وسؤالك يدفعني إلى توضيح أن القصاص يستطيع تحديد توقيت الأثر في مثل هذه الحالات، إضافة إلى انه يستفيد من آثار الحشرات والزواحف الصغيرة، فمثلا إذا كان أثر الشخص فوقه أثر حشرة أو أحد الزواحف فيستدل على أن الأثر فات عليه يوم، وإذا كان فوق أثر الحشرة أثر آخر لحشرة فيحتمل أن يكون الأثر منذ يومين أو أكثر، وهكذا. @ حول الكائنات، أعرف أن هاوي الصيد خاصة الصقار لديه المقدرة على تتبع أثر طيور الحبارى والكروان، ومثله هاوي صيد الأرانب يستطيع تتبع أثرها بل ومعرفة حالاتها من كونها ترعى أو تسعى إلى جحرها أو هل هي ذكر أم أنثى، بينما تجد مثل هؤلاء لا يمتلكون المهارة في معرفة أو تتبع اثر البشر، هل يعني ذلك أن الشخص إذا اهتم بأثر معين يستطيع معرفة أسراره؟ - هذا صحيح، لكن لا بد أن تتوافر في الصياد أو الشخص الخصائص التي ذكرناها في معرض الإجابة على سؤال سابق، ولهذا تجد حتى الصيادين يتباينون في المهارة شأنهم في ذلك شأن قصاصي الأثر. @ ماذا عن السيارات، هل تستطيع تتبع الأثر الذي ترسمه الإطارات على الأرض؟ - نعم، إذا كانت في أرض رملية أو ما يشبهها، لكن فيما يتعلق بالسيارات لا يستطيع قصاص الأثر سوى الاستدلال على أثر الإطارين الخلفيين لأنهما يمحوان أثر إطاري المقدمة، ومع هذا يمكن الاستدلال على شكل إطاري المقدمة في حالة انحراف السيارة أو دورانها، وأحياناً توجد عيوب في الإطار مثل قطع صغير يستطيع القصاص من خلاله تحديد السيارة. @ من خلال دراستك وحصولك على درجة الماجستير في موضوع قص الأثر، هل يمكن عقد دورات لتدريب الأفراد على قص الأثر؟ - نعم، وكنت عملت هذا الشيء سابقا، لكن أعيد التأكيد على ضرورة توافر الخصائص التي تميز أشخاصا عن غيرهم مثل الذكاء وصفاء الذهن وقوة الملاحظة والذاكرة مع ضرورة وجود الرغبة في فهم الجانب النظري والعملي في موضوع قص الأثر. @ في ميدان قص الأثر ما أغرب حالة تعاملت معها؟ - من أغرب الحالات أو أطرفها أن شخصاً من جنسية عربية زعم أن مجهول قام بالسطو على منزله وكسر شنطة حديدية وسرق كل ما تحتويه من نقود، وهي عبارة عن أمانات أودعها أصحاب له من نفس الجنسية، ولما حضرت إلى المكان تبين لي أن الشنطة كسرت عمداً وبُعثرت محتوياتها وعرفت أن الجاني لم يترك أثر بصمة أو شيء آخر يدل عليه، ومن حسن الحظ، أوسوء حظ هذا الشخص أن هناك بقايا غبار حول الشنطة وتبين لي أثر الأقدام وما يشير إلى أنها للشخص الذي كسر القفل، وتبين لي أيضاً أن الأثر لنفس الشخص الذي بلّغ عن الأمانات المسروقة، ولهذا أخبرت الشرطة وبعد التحقيق اعترف، وكان يريد من هذه الحادثة تثبيت سرقة المال ليستحوذ عليه، فانطبق عليه المثل (على نفسها جنت براقش)..