ستكون دون ريب في قمة ذوقك حينما تغدو في حالة من الارتياح النفسي.. والهدوء.. والصفاء والاستمتاع بكل ما يدور حولك.. وبما تشاهد.. وبما تسمع.. صور جميلة.. وأصوات حلوة. ويرتقي الذوق العام كلما تحولت جميع المظاهر الحياتية إلى صور غاية في الروعة وتضافرت السلوكيات البشرية لترسم لوحات إبداعية تبعث في كوامن النفوس السعادة والسرور. المحافظة على الذوق العام للبشر دون استثناء أو تمييز تعد بحق إحدى السمات البارزة للمجتمعات المتحضرة حيث تتحول القيم والمبادئ إلى سلوكيات راقية تمثل جماع الصفات المرغوبة من التزام وانضباط واحترام وتقدير.. ومحافظة على المكتسبات الوطنية والمرافق العامة... الخ. ولكن عندما يحدث العكس.. وتبرز السلوكيات غير المرغوبة من تعدي على حريات الآخرين.. وعدم احترام أو انضباط فإن مؤشر الذوق العام سيهبط إلى الحضيض.. وخصوصا عند تبادل عبارات غير لائقة.. أو كسر للأنظمة المعمول بها.. أو إعاقة للحركة المرورية.. أو تشويه لصورة المدينة الجميلة بالعبث بمرافقها.. أو الكتابة والخربشة على جدرانها. ما يحدث في جملة من المواقف الحياتية يمثل إساءة واضحة للذوق العام.. ويؤدي دون شك إلى تعكير الأجواء والأمزجة وبما يفضي إلى ارتفاع الضغط .. وتوتر الأعصاب والشعور بالإحباط إذ تحاصرك الأفعال المسيئة لذوقك ولأذواق الكثير من الناس المحترمين حيثما اتجهت.. وأينما حللت.. لا تفتح أذنيك ألا وتسمع تلك العبارات البذيئة التي تصفعك بكل عنف.. ولا تفتح عينيك إلا وترى تلك المناظر الخارجة عن إطار الذوق تصيب رأسك بالدوار.. وتنقل إلى معدتك الغثيان.. فهناك من يتبنى مبدأ الحرية الشخصية ومن أجل أن يتحقق لشخصه الكريم هدفه يسعى للإساءة للآخرين ولذوقهم طبقا لقاعدة "ياأخي أنا حر"..والتي تتيح له أزعاج الناس والتعدي على حرياتهم .. هب أنك قد عقدت العزم للذهاب أنت وعائلتك في أمسية جميلة معززا بالأمل أن تقضي سهرة حلوة..وحينما تصل إلى المكان المقصود تجابه بكل ما يفسد ذوقك ويسي إليه بالتأكيد ستنقلب الآية لديك.. وربما تقرر فورا العودة من حيث أتيت مؤءثرا قضاءها في بيتك وبين أسواره الأربعة. وعندما تخرج من بيتك قاصدا الذهاب إلى عملك.. أو لزيارة صديق أولأي أمر من أمور الحياة.. ستواجهك غالبا الكثير من الصور التي تسيء لذوقك وحتما لأذواق غيرك.. وخذ على سبيل المثال لاالحصر، السرعة الجنونية من بعض المراهقين.. والتفحيط.. وقطع الإشارات.. وإلقاء المناديل والعلب الفارغة من السيارات العابرة.. والقفز على الرصيف.. والسير بطريقة ملتوية وأفعوانية بين السيارات.. الخ. وتفاجأ وأنت تقود سيارتك في أحد الطرقات بثلاث سيارات متجاورة تمشي الهوينى وتسد الطريق على العابرين.. يقودها مجموعة من المراهقين حولوا الطريق فجأة إلى مجلس عام لتبادل الأحاديث والنكات.. والتهكم بالآخرين في تحد صارخ وسافر ومبتذل ومفسد للذوق العام.. وقد يتوقف شخص ما فجأة وسط الطريق معطلا الحركة بحجة البحث عن موقف أو غرض ما وهو على عجالة من أمره ضاربا بالذوق العام وبمبادئه عرض الحائط.. فهل بات الذوق العام مهددا بالانقراض؟ وهل أصبحت الغلبة لمفتولي العضلات وطويلي اللسان ومن يتميزون بعيون حادة قادرة على الانتقال إلى الحمرة بسرعة فائقة؟ لا يكاد يمر يوم من الأيام دون أن يشعر أحدنا بما يفسد ذوقه ويعكر صفوه.. فهل أصبح ذوقنا معرضا للخطر؟