عادت الفتاة الصغيرة سمر إلى منزلها بعد يوم دراسي مجهد ووضعت لها والدتها طعام الغداء على الأرض كما اعتادت لكن سمر رفضت الأكل على الأرض بل طالبت والدتها بجلب الشوكة والسكينة لتطبق ما تعلمته في مدرستها من فنون الإتيكيت في الأكل والشرب، استغربت والداتها ذلك خصوصا أنهم تعودوا الأكل والشرب على الأرض واستخدام اليد في الأكل وما صدر من سمر أمر مستغرب. بالتأكيد لم تسمع قط عن مثل هذه القصص ولكن قد تسمع عن إحداها في هذه الأيام بعد أن اتجهت كثير من المدارس الخاصة للاستعانة بخبيرات في فن الإتيكيت لتعليم طلابها وطالباتها؛ ذلك كأحد الأمور المستحدثة ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم افتتاح بعض المدراس والمعاهد المتخصصة في تعليم فن الإتيكيت في بعض مدن المملكة الكبرى من أجل مواكبة الطلب المتزايد من قبل المدارس وبعض أولياء الأمور على تعلم هذا الفن. ورغم اختلاف ردة الفعل المجتمعية تجاه تعلم الإتيكيت مابين مؤيد ومعارض له بحجة مخالفة العادات والتقاليد وخرقها في المجتمع إلا أن النشء يؤكدون أن الزمن تغير والعالم أصبح قرية صغيرة ومن الضروري مواكبته بكل مافيه من حضارة ومدنية، واعتبرت الأوساط الشرعية أن تعلم هذا الفن يدخل في دائرة المباحات ما لم يشتمل على أمور مخالفة للشريعة. «عكاظ» بحثت في أسباب ظهور هذه الموضة الجديدة في المجتمع وتساءلت عن أسباب وجودها، واستطلعت آراء المؤدين والمعارضين لها والممارسين لتعليمها، إضافة لاستيضاح رؤية الأوساط الشرعية والتربوية والاجتماعية لها في سياق التحقيق التالي: المؤيدات عبرت لمى جمجوم إحدى المشاركات في دورات الإتيكيت عن سعادتها بتعلم هذا الفن وقالت: «لقد تعلمت الكثير من فن الإتيكيت خصوصا أنه سيفيدني في حياتي الاجتماعية و يجعلني أكثر لباقة مع الآخرين فأجيد حسن التصرف و السلوك حيث ما أحل»، ولفتت إلى أن والديها أبدىا إعجابهما بالتغير الذي طرأ على سلوكها وما تعلمته من أمور تجعلها أكثر تحضرا وذوقا في التعامل مع الآخرين، وتمنت لمى أن يستفيد مجتمعنا من هذه المدرسة ليبني مستقبلا يملؤه حسن السلوك. وبينت الطالبة أزهار إزمرلي عن رأيها بدورات الإتيكيت قائلة: «أفادتنا حصص الإتيكيت كثيرا فتعلمنا أمورا نستفيد منها في مستقبلنا كما تساعدنا في التعامل مع الآخرين، مفيدة أنهم تعلموا أن لكل مكان تصرفاته ومظهرا يجب أن يحافظوا عليه، كما أصبحنا نطبق ما تعلمناه في حياتنا اليومية» ، وأشارت أزهار إلى أن والديها لاحظا هذا التغير، ونصحت أزهار بنات جيلها بأن يشتركن في هذه الدورات حتى تساعدهم في تكوين نظرة ومكانة جيدة في المجتمع. وترى هلا عبدالله مذيعة في قناة (الآن) في برنامج شلتنا بأن معرفة قواعد الإتيكيت والتعاملات اللبقة في مجال العمل تبعث على العطاء ويحفز على الاحترام بين طاقم العمل. المعارضات ورفضت عدد من الفتيات الانضمام لمثل هذه الدورات والمدارس حيث قالت هدى محمد نرفض التخلي عن عاداتنا وتقاليدنا من أجل تعلم فن الإتيكيت فنحن نعرف كيف نتعامل مع الناس ولدينا نحن العرب والمسلمين موروث ودين حبب الآخرين بنا وجعلهم يعتنقون ديننا ويحبون بلادنا فلماذا نبحث عن أمور أخرى طالما أننا نملك ماهو أهم من هذا الإتيكيت؟! أما أمل أحمد فترى أنها ترغب في تعلن فن الإتيكيت لمسايرة فتيات جيلها لكن خوفها من نظرة عائلتها لها جعلها تتراجع عن هذه الخطوة، موضحة أن تعلم فن الإتيكيت أمر جديد لكنها غير مؤمنة به كامل الإيمان كون المجتمع عاش طيلة الفترة الماضية دون تعلم الإتيكيت لكن بتطبيق ماتربينا وتعودنا عليه من إكرام الضيف وحسن التعامل مع الناس. وترى أم وليد أنها سمعت عن الإتيكيت ولكن لا تعلم عنه شيئا وأن المجتمع ليس بحاجة لمن يعلمه كيف يأكل ويشرب ويتعامل مع الناس، مشددة على أنها مجرد موضة عابرة وأن العادات والتقاليد والتربية والدين هي الفيصل في أساليب التعامل مع الآخرين وممارسة حياتنا بطريقة مصطنعة. حوار الحضارات وشرحت خبيرة الإتيكيت والمسؤولة عن تنفيذ برامج الإتيكيت في أكثر من عشر مدارس في أنحاء جدة دينا المدهون عن أسباب توجه المجتمع لتعلم هذا الفن بقولها: «تغير الحياة الاجتماعية وانفتاح الأفراد على المجتمعات الأخرى والعمل على إيجاد لغة حوار مشتركة بين الحضارات هو السبب الحقيقي لوجود فن الإتكيت والبروتوكول»، مبينة أن تعلم المبادئ والقيم والتواصل الحضاري بين الشعوب والثقافات هو المفتاح الحقيقي لنجاح الفرد ورقيه سواء في حياته اليومية أو العملية. وأفادت «أنهم في مدرسة الإتيكيت يهدفون إلى تعليم القيم والمبادئ النابعة بالأساس من ديننا وعقيدتنا بطرق جميلة حضارية تواكب تطور الحياة وتعزز الثقة والاحترام وتعكس صورة مجتمع واع ومتحضر يستطيع الاعتماد على نفسه والانخراط بشكل حضاري مع مختلف الأشخاص والمجتمات». ولفتت إلى أن هذه الدورات تركت أثرا إيجابيا لدى جميع المشاركين من مختلف الفئات العمرية من مختلف المدارس التي تعقد فيها هذه الدورات سنويا، مؤكدة أن هذا سر الإقبال الشديد على تعلم فن الإتيكيت، وشرحت أسباب القبول بقولها «استخدام الطرق الحديثة وخلق الأجواء الممتعة وتقريب الواقع من أهم الطرق المتبعة لدينا لدعم هذه السلوكيات والقيم التي تلامس تفاصيل حياتنا بصورة حضارية». مناهج مختلفة وأفادت أن تعلم فن الإتيكيت يحتوي على مناهج تختلف باختلاف الفئات العمرية المشاركة مما ييتح الفرصة للجميع بالالتحاق بما يناسبهم ويلائم متطلباتهم، ودللت على ذلك «هناك دورات خاصة للسيدات تتعلق بالعمل والنجاح الوظيفي ومهارات المحادثة والتعامل والمقدرة على خلق بيئة عمل مريحة والتعريف بالبرتوكول والاتيكيت الخاص بمختلف الشعوب التي يتم التعامل معها، بينما هناك دورات تتمحور حول تنسيق المائدة والآداب والقواعد المتعارف عليها ابتداء من الترحيب بالضيوف وصولا إلى مائدة الطعام». وأشارت دينا إلى وجود دورات للأطفال تعتمد على تعزيز السلوكيات الحسنة وبناء الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة المواقف المختلفة باللباقة وحسن التصرف. واعترفت دينا بأن بأن هذه السلوكيات تطبق بكل منزل من قبل الأمهات، مستدركة أن صقل هذه السلوكيات على أيد مختصة يعطها طابعا مميزا، مشددة على أن الإتيكيت ليس مجرد قواعد ونظم إنما سلوكيات وقيم نفتخر بها. واعتبرت أمل السليمان مدربة إتيكيت متخصصة في المظهر العام أن سيطرة التكنولوجيا على عقول الجيل الجديد وتطور طرق الاتصال من خلف الشاشات ضأل قدرات فتياتنا في التعبير والتعامل مع محيط اختلف عما اعتادوا عليه، وأوضحت أنها كمدربة إتيكيت متخصصة في المظهر العام وجدت أن تعزيز الثقة بالنفس وتحفيز التغيير إلى ماهو أفضل في مراحل عمرية صغيرة يساهم بشكل كبير في إبراز شخصيات واثقة وقادرة على إبداء رأيها بالطريقة الصحيحة مما يبني جيلا متعلما يعكس صورة التقدم والتطور بشكل صحيح ليكون فخر ديننا وبلادنا. مهارات اجتماعية وعلقت التربوية وفاء القاضي مديرة إحدى المدارس الخاصة عن سبب توجه مدرستها لعمل دورات خاصة قائلة: «توجهنا لتعليم الطالبات فن الإتيكيت لإكسابهن مهارات اجتماعية و آداب التعامل مع الآخرين، موضحة أن فكرة تعليم الطالبات هذا الفن جاءت بفكرة إحدى المدربات التي كانت طالبة سابقة في المدرسة، وبينت القاضي أنه تم عرض الموضوع على أمهات الطالبات اللواتي أعجبتهن الفكرة فلقي إقبالا من الطالبات و دعما من أولياء الأمور. وأفادت القاضي أنه تم تنفيذ البرنامج على مدى ثلاث سنوات من خلال حصص النشاط وكان البرنامج من نقاط القوة التي حسبت للمدارس عند زيارة المنظمة الدولية للاعتماد الأكاديمي، وطالبت القاضي المسؤولين الالتفات لتعليم الطلبة فن الإتيكيت ودراسته لأهميته وحاجة الطلاب له في ظل إقرار الوزارة للمناهج المطورة.