عندما نُشر مقالي (السعوديون بين مصر وبنغلاديش) تباينت الآراء حول ما طرح فيه. ولست بصدد الخوض في جميع تلك الردود والرسائل الالكترونية التي وردت إلي لأن القضية متشعبة ووجهات النظر تختلف فيها حسب التجارب السابقة والاحتكاك والخلفية الثقافية والاجتماعية التي بنيت عليها هذه الآراء. إلا أني أحببت أن يشاركني القراء في ملخص حوار الكتروني عبر البريد دام لأسابيع بيني وبين أحد القراء كان ولا يزال مصرا على مجمل الآراء التي تبناها وبنى عليها انفعالاته ومشاعره، والتي من أهمها أن العمالة المتزايدة وخصوصا البنغالية هي أحد الأسباب الرئيسية في بطالة الشباب السعودي وشح الفرص الوظيفية! قد تكون العمالة الفائضة وتدني أجورها سبباً في وجود فرص غير متكافئة في المنافسة على العمل لكنها بالتأكيد ليست السبب الجوهري في ذلك. فالعمالة الآسيوية والبنغالية تحديدا كانت ولا تزال تشغل الوظائف والمهن البسيطة المتدنية الأجور والتي عادة ما يرفض الشباب السعودي مزاولتها. قد تكون بتكتلاتها العصابية قد استغلت الثغرات القانونية والاحتياجات المختلفة للمجتمع السعودي لتحقق أقصى المكاسب منها لكن القضية لا تقف عند هذا الحد. وجود العمالة الوافدة من جميع الجنسيات بلا شك هو أحد العوائق التي تحول دون حصول الشباب السعودي على فرص وظيفية أفضل، وذلك بسبب المنافسة غير المتكافئة في الأجور وهنا مربط الفرس، وحبكة القضية التي تقوم عليها كثير من قضايا العمالة الوافدة الإجرامية أو التحايلية. فلو درسنا القضية من زواياها المختلفة وحددنا المسببات الرئيسية في معظمها لوجدناها تدور حول تدني أجور العمالة الوافدة والتي تصب في مصلحة المستثمر وليس بالضرورة أن يستفيد منها المواطن أو الوطن. لو وضع قانون يحدد أجور الوظائف المختلفة وحدَّد حداً أدنى للأجور لضمنا بذلك استقطاب عمالة بخبرات ومؤهلات أفضل ونفسيات أكثر استقرارا وأقل حقدا. فما يقدمه العامل المؤهل بأجر عادل أفضل مما يقدمه ثلاثة عمال عديمي الخبرة بأجور زهيدة تضطرهم للبحث عن مصادر أخرى لرفع مستوى الدخل مشروعة أو غير مشروعة. كما أن ذلك سيسهم في الموازنة بين الفرص الوظيفية ويعطي للشباب السعودي فرصا أكبر للمنافسة ويفتح المجال للتوظيف للأفضل والأكفأ لا الأرخص ولا الأقل حقوقا ومطالبة. رفع أجور العمالة الوافدة ووضع نظام وكادر لمهنهم المختلفة سيسمح لهم بإحضار عائلاتهم معهم مما يوفر ارتواء عاطفيا لهم ويربطهم الاحساس بالمسؤولية تجاه أسرهم، مما يهبط من النزعة الاجرامية لديهم، كما أنه سيقلل من حجم الأموال المصدرة للخارج والتي عادة ما يحولها العمال لأسرهم. والتي يخسرها الوطن وتتجاوز مئات الملايين سنويا. فالتطور الذي تشهده المملكة العربية السعودية والخطوات العملاقة التي تخطتها في مسيرتها التنموية يؤهلها للسعي لاستقطاب العمالة الأفضل والأكثر التزاما وأمانا حتى ولو ارتفعت أجورها فلم تعد بلادنا صحراء ناهضة تلم الصالح والطالح. ما خسرناه من استقدام العمالة غير المؤهلة التي ترضى بأقل الأجور لم يقف عند حدود تغذية الجريمة الوافدة، واستسهال التلاعب بالنظام وعدم احترام هيبته، ولا في خنق طموح الشباب السعودي وتبخير الكثير من أحلامه وفرصه الوظيفية، بل تعداه لتشجيع البعض على امتهان الحقوق الإنسانية لمن يعمل عنده، وأكل الحقوق المالية له من أجل تحقيق الربح الشخصي ورفع نسب التربح إلى أعلى النسب المئوية حتى ولو كان ذلك على حساب أمن الوطن وحقوق المواطن.