«لا انتقائية في العمل التمريضي» مبدأ ينهار أمام خيارات الممرضات السعوديات اللائي يدخلن في مفارقة غريبة حين يعملن في سيارات الإسعاف في المشاعر المقدسة خلال فترة الحج، ويرفض بعضهن نفس العمل في غير الموسم، رغم الاحتياج الكبير لهن عند وجود حالات طارئة يكون أحد أطرافها نساء. وقد تقف أعراف المجتمع وتقاليده عائقا أمام انخراط السعوديات في هذا القطاع بشكل عام، ولكن الوقوف أمام الحالات الإنسانية يتطلب تجردا واستعدادا ضروريا في هذه المهنة. رئيسة المجلس العلمي للتمريض في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الدكتورة صباح أبوزنادة تؤكد وجود قبول كبير لدى طالبات التمريض لفكرة العمل مسعفات، مستشهدات بالدور الفعال الذي كانت تقوم به الصحابيات أثناء المعارك والحروب، معتبرات الطرقات والحوادث أقل وطأة من أجواء الحرب التي كانت عليه تلك الصحابيات. وتوضح عميد كلية سعد للتمريض والعلوم الصحية الدكتورة مي الخنيزي أن «نظرة المجتمع السعودي لعمل المرأة في مجال التمريض اختلفت، ففي السابق كانت الرغبة للعمل في هذا المجال معدومة، لكن خلال الخمسة أعوام الأخيرة تغيرت النظرة بشأن عمل المرأة في هذا المجال تدريجيا، ودعم تلك النظرة الإيجابية التوجه العام للدولة خلال الأعوام الأخيرة لتشجيع طالبات دبلوم التمريض على الحصول على شهادات البكالوريوس في هذا المجال». وتضيف «تغيير النظرة كلية لمهنة التمريض لن يحدث إلا من خلال تحسين مخرجات التعليم في هذا المجال، وعلى رأس ذلك، ضرورة حصول طالبات دبلوم التمريض على شهادات البكالوريوس، حتى نضمن أكبر قدر من التنافسية بين الممرضات السعوديات والممرضات، خاصة أن الممرضات السعوديات من خريجات البكالوريوس يتمتعن بقدر عال من العلم والكفاءة يتيح لهن التنافس بقوة مع الممرضات الأجنبيات». دون اختلاط وتشير الدكتورة الخنيزي إلى أن تحويل كل طالبات دبلوم التمريض إلى بكالوريوس عال سيساعد أولياء الأمور على تفهم طبيعة المهنة، وتحفيز بناتهن على الدراسة والالتحاق بهذه المهنة الشريفة «كما أن وجود خريجات تمريض من ذوي الكفاءات العالية في تخصصات مهمة، مثل مجال العناية المركزة للأطفال والنساء والولادة، وكلها تخصصات لا يتوفر فيها الاختلاط، وذلك يعمل على تغيير نظرة المجتمع لعمل المرأة في هذه المهنة، خاصة أن موضوع الاختلاط مع الرجل في هذا المجال يعتبر من العوائق الأساسية حسب العادات والتقاليد الموروثة، إضافة إلى عدد ساعات العمل ونظام المناوبات لأنه من الممكن أن تعمل المرأة بالمناوبة الليلية، ومن الممكن أن تعمل أيام الأجازات الأسبوعية الرسمية مثل الخميس والجمعة من كل أسبوع». وتستطرد «من الضروري أيضا أن يستوعب المجتمع أن التمريض مهنة إنسانية لها معانيها السامية، التي تتجلى في جملة بسيطة، وهى أن هناك من يساعدك على الشفاء ويسهر من أجلك، ألا وهي الممرضة، ولذلك لا بد من ضرورة وجود توعية للمجتمع بأهمية مهنة التمريض تشارك فيها وزارات التعليم العالي والإعلام والتربية والتعليم». وتنفي الدكتورة الخنيزي وجود مزاحمة للممرضات من الممرضات الأجنبيات «الحاصلات على بكالوريوس التمريض من السعوديات نسبتهن بسيطة، ولذلك فالمجال مفتوح للسعوديات، خاصة أنهن يتمتعن بمهارات عالية تساوي مهارات الأجنبيات». زيادة عدد الممرضات السعوديات ويعدد رئيس قسم التمريض بمستشفى سعد التخصصي الدكتور حسن شرايعة أسباب قلة عدد السعوديات اللاتي يرغبن فى العمل مسعفات «عدم إقبال الممرضات السعوديات على العمل مسعفات، على الرغم من توفر فرص العمل بالمستشفيات، يعزى إلى صعوبة مهنة المسعفة، التي تتطلب التعامل مع حالات وإصابات بالغة وشديدة الخطورة، وبمعنى آخر، فإنها تتطلب الخشونة والقدرة على تحمل رؤية الحوادث الصعبة، وهو ما يتعارض مع طبيعة المرأة بشكل عام، هذا فضلا عن أن مهنة المسعفة تتطلب ركوب سيارات الإسعاف لفترات طويلة، إضافة إلى طبيعة العمل، وما تقتضيه الظروف من التعامل المباشر مع المسعفين الذكور، والبقاء معهم لفترات طويلة في السيارة، الأمر الذي يتعارض مع العادات والتقاليد والبيئة الاجتماعية للمملكة». ورغم ذلك، يؤكد الدكتور شرايعة أن «هناك ممرضات سعوديات يعملن في مستشفى سعد بمختلف الأقسام، لكن عددهن قليل، ومن الملاحظ، أنهن يعملن بنفس مهارة وحرفية الممرضات الأجنبيات، ولا يتعارض عملهن سواء كان ليلا أو نهارا مع العادات والتقاليد السعودية، ولذلك أؤكد على أهمية زيادة عدد الممرضات السعوديات، لتقارب ثقافتهن وعاداتهن مع عادات وثقافة المرضى الذين يعالجون بالمستشفى». ويشير رئيس قسم الطوارئ بمستشفى سعد الدكتور أحمد السيد إلى أنه لا توجد مسعفات بقسم الطوارئ بالمستشفى، وذلك لعدم تقدمهن للعمل بتلك الوظيفة «في حال تقدم مسعفات سعوديات للعمل سيتم قبولهن على الفور، حسب الخبرات المتوفرة لديهن، وكذلك حسب حاجة العمل لهن». توظيف إنسانية المرأة طالبات التمريض يبدين حماسة للعمل مسعفات، باعتبار أن ذلك من صميم الطبيعة المهنية لهن، تقول نداء عبدالرضا، الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية سعد للتمريض والعلوم الصحية «مهنة التمريض هي مهنة المرأة منذ الأزل، وفي عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت الصحابيات يسعفن المرضى والجرحى في الحروب، كما أن مهنة التمريض مهنة تتوافق مع طبيعة المرأة، فالمرأة مفعمة بالإنسانية ومعطاءة بطبيعتها وهذا يجعلها تتفوق على الرجل في هذا المجال، وتحقق إنجازات عديدة». وتضيف «نظرة المجتمع السلبية للنساء اللاتي يعملن في التمريض، لم تمنع العديد من النساء في الالتحاق بهذه المهنة الشريفة، كما أن نظرة المجتمع للتمريض تتجه نحو الإيجابية مع مرور الزمن». وتقر الطالبة خلود الشوبر أن القيود الاجتماعية لا تزال موجودة، إلا أنها أكدت أن دورهن هنا هو تغييرها، وتغيير فكرة المجتمع تجاه هذه المهنة الإنسانية «دور الممرضات أيضا هو تذليل هذه المعوقات بالتواصل والاهتمام بالمرضى، والمرأة السعودية التي بدأت تقبل على هذه المهنة، بعد أعوام من النفور، في طريقها لتزاحم الأجنبيات في هذا الكادر المهم». علاقة مثمرة وترى ميعاد عواد الخالدي أن التمريض مهنة وفن «المجتمع الذي لم يكن يتقبل تلك المهنة في السابق، تطور تفكيره وأصبح متقبلا لفكرة المرأة العاملة أو الممرضة بالتحديد، وتشجيع الممرضات من قبل المجتمع سيزيد من أدائهن وعزيمتهن للتحمل والتصرف في المواقف الحرجة، كما أن عمل الممرضات السعوديات مسعفات له فوائد إيجابية، لأن بعض المواقف والحوادث على الطرقات تحتاج إلى عنصر نسائي للتعامل معها، وأخيرا فإن المرأة بتعاملها واحترامها لتعاليم دينها وتقاليد مجتمعها تعطي صورة رائعة للمرأة بوصفها ممرضة نافعة وفعالة في المجتمع». وتعتز الهنوف بدر الفريخ، الطالبة بالفرقة الثالثة بمهنة التمريض «هي ليست إجراء تقليديا، إنما هي علاقة مثمرة علاجيا، وعلى الرغم من أن الممرضة تضع في الاعتبار أنها ستواجه بعض المشكلات لعدم تقبل المجتمع أحيانا لهذه المهنة، إلا أن صلابة المرأة وقدرتها وإيمانها بأهمية مهنتها، سيساعدها في التغلب على كل المعوقات، خاصة المرأة السعودية، التي تتمتع بقدر كبير من الكفاءة، يتيح لها خدمة دينها ومجتمعها». استعداد أكاديمي وتقول أمل محمد قولى إن التمريض هو حجر الأساس في الرعاية الطبية الجيدة، ومن الملاحظ أن هناك إقبالا شديدا على الالتحاق بمهنة التمريض يتوازى مع تطور نظرة المجتمع للممرضة والطبيبة وكل فتاة تعمل في هذا المجال، ومما يزيد حماسنا لتلك المهنة اقتداؤنا بالصحابية الجليلة رفيدة بنت سعد الأسلمية وهي أول ممرضة في الإسلام، فكانت تداوي الجرحى في ميادين القتال، فهل الطرقات حاليا والإسعاف الطائر أشد خطورة من ميادين القتال؟! وتشير إلى تجارب إيجابية من الواقع «أعرف كثيرا من الممرضات اللاتي يرحبن بالعمل في قطاع التمريض، بما في ذلك الطوارئ والإسعاف على الطرقات والإسعاف الطارئ، إيمانا بأهمية هذا العمل، ويوما بعد يوم تثبت المرأة السعودية في كل المجالات أنها ليست قادرة فقط على منافسة الأجنبيات والتفوق عليهن، ولكن أيضا في تطوير مهاراتها باستمرار والوصول للعالمية، ويدعم الفتاة السعودية في ذلك، التعليم الذي تحصل عليه، والذي يربط النواحي التعليمية والتربوية بالأمور الدينية والثقافية». لا طرقات أو طائر واجهت كثير من الممرضات قيودا وتعطيلا لطموحاتهن المهنية بسبب النظرة الاجتماعية للمهنة، ولكن بمرور الوقت تأقلم الجميع، ذلك ما حدث للممرضة نادية خالد التي تشير إلى أن دخولها مجال التمريض لم يحظ بالترحيب من قبل أهلها في بادئ الأمر إلا أن إصرارها على هذا التخصص حال دون الانصياع لرغبة أهلها «بدأ الأمر يأخذ صفة الاعتياد، ولكن عملي وضعني في دائرة اجتماعية ضيقة من قبل المجتمع الذي لم يتقبل بشكل كبير عمل النساء في القطاع الطبي على وجه العموم» مشيرة إلى أن فكرة عملها مسعفة سواء أكان طائرا أم على الطرقات تعد بعيدة المنال وغير واردة بالنسبة إليها لعدم تقبل أهلها، نظرا إلى طبيعة العمل وآليته الصعبة وغير المقبولة على الصعيد الاجتماعي ضمن دائرة أهلها على الأقل. وترى الممرضة آمال باطوق، أن الإسهام في الأعمال الإسعافية يعد مطلبا حيويا، ويندرج تحت نبل المهنة وإنسانيتها بالدرجة الأولى لدى كل الممرضات السعوديات، إلا أنه يواجه عقبات على رأسها الاختلاط، بيد أنها أكدت أن العمل في الإسعاف لحالات نسائية لا بأس به في حال توفرت البيئة الملائمة لذلك «من الصعوبة بمكان انضمامي لإسعاف الطرقات أو الطائر لصعوبة التنفيذ، إلى جانب عدم الاعتياد على ممارسة هذا الدور» مشيرة إلى تنظيم الهلال الأحمر دورات تدريبية تأهيلية لهن بوصفهن ممرضات للمشاركة في العمليات الإسعافية رغبة في ضم عدد من الممرضات في القسم النسائي للمشاركة في الحالات الإسعافية. مسعفات الأحياء «نحن من المؤيدين لوجود مسعفات سعوديات، فالعنصر النسائي مطلوب في الميدان الإسعافي وخاصة إذا ما واجهنا مصابة وكانت امرأة فلها الحق علينا ومن واجبنا الديني والأخلاقي أن تسعفها امرأة مثلها». ذلك رأي مديرة إدارة القسم النسائي بهيئة الهلال الأحمر بالمنطقة الشرقية الدكتورة آلاء عبدالعزيز الدبيكل التي تؤكد على ضرورة توظيف عناصر نسائية بالمراكز الإسعافية للهيئة للخدمة في هذا المجال مع توفير البيئة المناسبة للمرأة للعمل داخل المركز الإسعافي «نحن بحاجة للمسعفات مبدئيا في الأماكن والتجمعات النسائية التي يصعب على مسعفي الهلال الأحمر الدخول فيها، مثل المدارس والجامعات والكليات والمعاهد النسائية والأقسام النسائية في القطاعات الحكومية والأهلية». وتضيف «طبيعة العمل بالأقسام النسائية تتضمن المهام المتعلقة بالتدريب والتوعية والتطوع، وتتضمن جميع طلبات التقديم للعمل بالهيئة تنفيذ البرامج التدريبية والتوعوية وليس الإسعافية». وتشير الدبيكل إلى وجوب التخطيط لاستيعاب ممرضات مسعفات «اقترحنا في القسم النسائي بالشرقية برنامج (مسعفة الحي) وهو برنامج تطوعي يقوم على تقديم الخدمات الطبية الإسعافية اللازمة حسب كل حالة قبل وصول فريق الخدمات الإسعافية من الهلال الأحمر عن طريق تدريب عدد من المتطوعات (طبيبات أو ممرضات) على الإسعافات الأولية في كل حي من أحياء المنطقة، وفي حال حدوث حالة إسعافية لامرأة من سكان الحي يتم استدعاء مسعفة الحي لتقديم المساعدة اللازمة لحين وصول سيارة الهلال الأحمر، وتكون المتطوعة على استعداد تام لتقديم المساعدة عند الحاجة إليها لسكان الحي الذي تسكن فيه وفي أي وقت» .