عندما حضرت المشجعات السعوديات لمنافسات بطولة الخليج في الإمارات تردد سؤال في أذهان الكثيرين: ما الذي يمنع المرأة من مشاهدة المباراة في الملعب مع عائلتها؟. وقد وصل صدى هذا السؤال إلى إيران وتحديداً مع هذا الفيلم الذي يطرح ذات القضية لكن بروح طريفة تفضح التناقض الذي يعيشه المجتمع الإيراني. مخرج الفيلم هو "جعفر بناهي" المخرج المتميز الذي صنع عدة أفلام ممتازة مثل فيلم (البالون الأبيض - The White Balloon) عام 1995عن طفلة صغيرة تفقد مال العائلة وتخشى العودة إلى منزلها، وفيلم (الدائرة - The Circle) عام 1999عن معاناة النساء في إيران. وهو في فيلمه الأخير (تسلل - Offside) يصور أزمة المرأة من زاوية مختلفة وبأسلوب جميل منح الفيلم أحقية الفوز بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي عام 2006.أحداث الفيلم تجري في كواليس ملعب طهران الدولي أثناء مباراة إيران والبحرين الفاصلة التي ستحدد من الذي سيتأهل إلى كأس العالم في ألمانيا 2006.وبالطبع فالجميع الآن يعلم بنتيجة المباراة وبأن إيران قد فازت وتأهلت لكن الذي لا نعرفه هو ما جرى ويجري مع كل مباراة تقام في إيران، ما يجري في سراديب الملعب، وتلك الحرب الضروس بين الفتيات الراغبات في الحضور وبين العسكر المأمورين بطرد أي فتاة تقترب من أسوار الملعب. وفي هذه المنطقة تحديداً يدور اهتمام "جعفر بناهي" الذي يرصد معضلة بسيطة وينثر حولها تساؤلات كبرى حول وضع المرأة الإيرانية. بداية الفيلم تنطلق من الشارع مع رجل عجوز يطارد مواكب مشجعي المنتخب الإيراني باحثاً عن ابنته التي اكتشف أنها هربت من المنزل متجهة إلى الملعب. وفي إحدى الحافلات القريبة نلتقي بفتاة مختبئة بين المقاعد خشية أن يكتشف وجودها، ثم نرى فتاتين أخريين في الحافلة المقابلة. وهكذا، مع الاقتراب من الملعب يتضخم عدد الفتيات المشجعات، حتى الوصول إلى البوابة التي يجري فيها تفتيش دقيق من قبل عسكر مخلصين، وعند هذه النقطة يبدأ "جعفر بناهي" بانتقاء أبطال فيلمه، وهن الفتيات اللاتي تم اكتشافهن واقتيادهن إلى سجن مؤقت وضعته إدارة الأمن في أحد الممرات العلوية للملعب، وفي هذا السجن البسيط، في الهواء الطلق، وعلى هامش الملعب حيث تُسمع أصوات المباراة، تجري أحداث الفيلم بين ست فتيات محتجزات وحفنة من الجنود المأمورين بحراستهن. جعفر بناهي يقدم في فيلمه هذا شكلاً بسيطاً ومعضلة بسيطة لا تتجاوز هاجس حضور مباراة لكرة القدم، لكنه ينجح في تفجير أسئلة كبرى من هذا الرحم الصغير، فيكشف لنا حجم التأزم الذي يعيشه الإيرانيون تجاه المرأة، كما يضع يده على قضايا الفقر والجهل والأخلاق والتنوع العرقي والطبقي، وكل هذا من خلال الحوارات التي تجري بين فتيات طهران السجينات وبين الحراس البسطاء الآتين من الريف. وتتبدى براعة الفيلم وجماله في اختيار موقع الحدث ففي هذا المكان "الملعب" تكون الفرصة أكبر لالتقاء مختلف أطياف المجتمع الإيراني، الفقراء، الأغنياء، المتعلمين والجهلة، لذلك كان سجن الملعب موقعاً مناسباً لتأمل حالة الجدل الناشئة عن اصطدام هذه الأطياف بعضها ببعض.