تختتم مساء اليوم الخميس في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان المسرح السعودي التي انطلقت قبل عشرة أيام في السادس عشر من مارس الجاري. وستوزع في الليلة الختامية الجوائز على المسرحيات الفائزة كما ستعرض مسرحية من إعداد وتنفيذ طلاب الورشة المسرحية التي نظمها المهرجان واستقبل من خلالها هواة المسرح الذين يريدون خوض غمار التجربة المسرحية. هذا وقد عرضت في المهرجان عشر مسرحيات تراوحت بين الجيدة والممتازة وحظيت جميعها بمتابعة جماهيرية لافتة. وعرضت أولى المسرحيات في ليلة المهرجان الثانية وهي مسرحية (حالة قلق) التي قدمتها جمعية الثقافة والفنون بالطائف، ثم تبعتها في الليلة التالية مسرحية (المكعب الزجاجي) لجمعية الثقافة والفنون بالقصيم، وفي الليلة الثالثة قدمت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المسرحية الثالثة بعنوان (ممنوع الاقتراب)، وفي رابع أيام مهرجان المسرح السعودي الرابع، مساء الخميس الماضي، تم عرض مسرحية "ربما يأتي الربيع" لجمعية الثقافة والفنون بجدة من إخراج خلدون كريم وإعداد هائل عقيل عن نص سابق بعنوان "وماذا بعد" لحبيب غلوم. تتكلم هذه المسرحية عن أزمة المثقف، متجسدة في قصة كاتب يعاني مما يعاني منه المثقف في الوطن العربي، قام بدور الكاتب الممثل أحمد الصمان بشكل اتفق الجميع على روعته، وفي نفس الغرفة التي يتواجد فيها الكاتب طوال مدة المسرحية بدون أن يخرج منها أبداً يزوره أحياناً خادمه "أبو جهل" وقام بهذا الدور هائل عقيل، وشخص آخر يأتي ليأخذ من الكاتب مسرحيات ومقالات. بعد انتهاء العرض طلب مدير الندوة من الجمهور المداخلة، مضيفاً أن الوقت المسموح به للكلام هو مفتوح للضيوف العرب، ومحدداً بدقيقتين إلى ثلاث دقائق للجمهور السعودي، وذلك للاستفادة من خبرات وآراء النقاد والمخرجين العرب. أولى المداخلات كانت من المسرحي السعودي حسن العبدي الذي أشار إلى فقدان التصاعد الدرامي في المسرحية وأنها كانت تمشي على رتم بطيء واحد، وأضاف المخرج رجاء العتيبي إلى أن اللغة الخطابية في العمل كانت حاضرة بشكل أثر على اللغة البصرية، بينما كانت مداخلة المخرج الأردني غنام غنام مفاجئة لدى البعض عندما قال بأن شخصية الخادم في النص الأصلي ما هي إلا زوجة الكاتب، وهناك فرق كبير ما بين الخادم والزوجة، لكنه عذر هذا الإخلال لطبيعة ظروف المجتمع، وأضاف "يجب على المسرحيين السعوديين إقناع المجتمع بأن المسرح حاضن جيد للإنسان"، لكن الدكتورة فاطمة الياس أساءها كثيراً استخدام الخادم بدلاً من المرأة مقترحة استخدام طفل على الأقل، مسجلة إعجابها الكبير بالعمل. والجدير ذكره هنا أن أحد أسباب إعجاب الكثيرين بالعمل هو وضوح المضمون والابتعاد عن التجريبية والترميز التي كانت سمة الأعمال السابقة. بينما شهد اليوم الخامس للمهرجان، مساء الجمعة الماضي، عرض أحد أفضل المسرحيات، والمرشحة بقوة للفوز، مسرحية "اللعب على خيوط الموت" فكرة وإخراج سلطان الغامدي المقدمة من فرقة نجران التي يبلغ عمرها -منذ تأسيسها- عاماً ونصف العام فقط. تنتمي المسرحية لمسرح "البانتومايم" الذي يعتمد على حركات الجسد والإيماءات في توصيل الأفكار، وفي هذه المسرحية لم يكن الجسد فقط هو المتحدث، بل كانت جميع عناصر المسرح تنطق بأعلى صوتها لتقول ما عجز الكثيرون عن قوله، كل هذا والممثلون (الاستعراضيون) غارقون في الصمت، لتبقى المسرحية حالة مميزة وخاصة إذا ما قورنت بالأعمال السابقة، لتكون بذلك أحد أكثر الأعمال قربا لنيل جائزة السينوغرافيا أو الإخراج، أو حتى كأفضل عمل. هذا وأتى اليوم السادس للمهرجان، مساء السبت الماضي، مزدحما للغاية في مركز الملك فهد الثقافي وذلك لبدء أنشطة الأسبوع الثقافي اليمني بالتزامن مع عرض مسرحية "رحلة بحث" لجمعية الثقافة والفنون بالدمام التي قام بتأليفها فهد ردة الحارثي منذ سبع سنوات ليبث الروح فيها من جديد المخرج عبدالله الجفال بإضافات جديدة من عنده. تتحدث المسرحية عن إشكالية البحث عن الذات، برؤية سريالية عبثية تجريبية، أراد منها مخرج العمل التعبير عن حلول لمشكلات عصرنا الحالي وفق هذه التقاطعات من المدارس المختلفة، فكان العبث حاضراً من خلال تنويعات الموسيقى، بينما السريالية التي أضفت على العمل طابعا مميزاً كان في مشهد واحد خارج عن سياق العمل اعتبره البعض إقحاماً وتشويشاً عليه، إلا أنه أضاف بعض من الإزعاج اللطيف على العمل. وإن كان البعض توقع لمسرحية "اللعب على خيوط الموت" الفوز ببعض الجوائز، فالكثيرون توقعوا أن تذهب جائزة التمثيل لأحد أروع الطاقات التمثيلية التي شاهدناها في المهرجان الممثل عصام البريمان، بما يمتلكه من قدره هائلة في التحكم بجسده. أبرز الانتقادات التي وجهت للعمل كانت تنصب حول الإضاءة ووجود فجوة كبيرة ما بين الفكرة والتنفيذ حالت دون الفهم والاستيعاب اللذين لم يتعارضا هذه المرة مع الاستمتاع. بينما ابتدأت فعاليات اليوم السابع بندوة المخرج والممثل المسرحي الكويتي عبدالعزيز المسلم عن تجربته مع مسرح الرعب، الذي لم يتحدث فيها طويلاً، بل عرض على الجمهور فيلماً وثائقياً قصيراً يتحدث عن تجاربه العامة في المسرح وخصوصاً مسرح الرعب، وفي نهاية العرض ألقى المسلّم كلمة قصيرة عن تجربته الثرية في المسرح العربي وأجاب على أسئلة الحضور. تلا ذلك، العرض المسرحي لجمعية الثقافة والفنون بالمدينة المنورة بمسرحية "الصندوق الأسود" للمخرج بادي التميمي وتأليف فهد الأسمر. وتتكلم المسرحية برمزية صامتة، عن قضايا داخلية وأقل نخبوية هذه المرة. الصندوق الأسود ليس إلا صندوقاً للذكريات يحمله كل شخص منا، وما أن يفتح هذا الصندوق حتى تنساب الذكريات، بآلامها وآمالها كشريط سينمائي أمامنا، هنا نجد جانباً بصرياً أبدع المخرج في خلقه من خلال مشهد "فلاش باك" يتذكر فيه أحد الشخوص عن ماضيه. بالإضافة إلى ذلك فإن المستوى الأدائي للممثلين كان جيداً للغاية، فأحد الممثلين قام بأداء شخصية امرأة ترقص بشكل بارع جداً وجريء، ليحييه الدكتور نادر القنة على تلك الجرأة. بينما حلت جمعية الثقافة والفنون بالأحساء في اليوم الثامن ضيفاً جميلاً للغاية بأحد أروع الأعمال في المهرجان، بمسرحية "موت المؤلف" تأليف سامي الجمعان وإخراج زكريا المومني، وبمشاركة من النجمين راشد الورثان وإبراهيم الحساوي. كان النص مهيمناً على العرض، ليس بطريقة تعارضية مع الإخراج، بل توافقية بشكل جميل، ليكمل هذا المثلث أداء الممثلين المؤثر. تتكلم المسرحية عن الوضع المأساوي للمسرح في السعودية والوطن العربي، بإعادة إحياء شخصية أبو خليل القباني كأحد شخوص هذا العمل، بطريقة ذكية تم توظيفها درامياً لتوصيل فكرة العمل. ينتمي العمل لأحد الأنواع الفنية الشهيرة في العالم والتي تتحدث عن جنس فني داخل جنس فني آخر، (المسرح داخل المسرح) ونراهن كثيراً على فرص فوز مبدع العمل سامي الجمعان بجائزة أفضل نص في المسابقة اليوم. وجاء اليوم التاسع أيضاً مع مدينة الاحساء، ولكن بفرع مكتبها لرعاية الشباب، بمسرحية "زمن الكلام" للمؤلف فهد الحوشاني والمخرج نوح الجمعان، التي تتكلم عن لجوء المثقفين لسياسة الصمت، كنوع من الاحتجاج وتسجيل المواقف، وربما لأسباب أخرى. أعاب الدكتور نادر القنة على العمل عدم الاستخدام الجيد للسينوغرافيا، ومن حيث النص قال بأنه مربكاً نوعاً ما، بينما قال محمد العثيم "ضيقت الحوارات من الجانب البصري لتحدث تناقضاً بين العرض والنص" ووصف محمد السحيمي النص "بالمترهل"، بينما كانت مداخلات النساء في مجملها تعبر عن إعجاب بالعمل. وعرض مساء يوم أمس الأربعاء العرض الأخير في المسابقة لجمعية الثقافة والفنون بالرياض "الرقص مع الطيور" تأليف وإخراج شادي عاشور، وسيقام الليلة الحفل الختامي للمهرجان الذي سيشهد توزيع الجوائز بالإضافة إلى عرض مسرحية ورشة العمل التي تم تطبيقها طيلة أيام المهرجان السابقة.