هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى، وزرتك حتى قيل ليس له صبر (أبو صخر الهذلي) انت الذي كلما حبك تطور وزاد، بديت هجر جديد! (علي الدويش) * للإمام ابن حزم رحمه الله كلام لطيف عن الهجر أورده في كتابه (طوق الحمامة) وكان مما قاله بتصرف يسير: (.. وآفات الحب الهجر.. وهو على أنواع: فأولها هَجءرٌ يوجبه تحفُّظٌ من رقيب حاضر، وإنه لأحلى من كل وصل، فترى الحبيب مُنءحَرفاً عن محبه مقبلاً بالحديث على غيره مُعءرضاً عنه لئلا يُعءرَفُ حبه له.. وترى المحب أيضاً كذلك ولكن طبعه له جاذب! ثم (هجر يوجبه التدلُّل) وهو الذُّ من كثير من الوصال، ولذلك لا يكون إلا عن ثقة كل واحد من المتحابين بصاحبه، فحينئذ يظهر المحبوب هجرانا ليرى صبر محبه.. ثم (هجر) يوجبه العتاب لذنب يقع من المحب، وهذا فيه بعض الشدة، ولكن فرحة الرجعة تعدل ما مضى، فإن لرضى المحبوب بعد سخطه لذة لا تعادلها لذة.. وهناك (هجر) يوجبه الوشاة وربما كان سبباً للمقاطعة التامة.. ثم (هجر الملل) وأخرى بمَنء دُهي به ألا يصفو له صديق ولا يدوم له حبيب.. أما أخطر أنواع الهجر فهو (هجر البغض) وهو الذي خَلَّى العقول ذواهل..)!! قلت: وهجر التدلل الذي ذكره ابن حزم يدل على ذكاء المحبوب، فإن اشتعال الحب يحتاج بعض الحرمان! @ @ @ ومن أجمل القصائد العربية في هذا الموضوع بل في الشعر العربي كله قول أبي صخر الهذلي: "أبى القلبُ إلاَّ حُبَّها عامريِّة لها كنيةً (عمروٌ) وليس لها عمرو تكاد يدي تندى إذا ما لمستُها وينبتُ في أطرافها الورق النَّضرُ تمنَّيتُ من حُبِّي (عليَّة) أننا على رَمَث في البحر ليس لنا وَفءرُ على دائم لا يعبرُ الفُلءكُ موَجهُ ومن دوننا الأهوالُ واللُّجَجُ الخُضءرُ فنقضيَ هَمَّ النفس في غير رقءبَة ويُغءرقُ من نخشى نميمتَهُ البحرُ" @ @ @ "أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمرُهُ الأمرُ لقد كنتُ آتيها وفي النفس هجرُها بتاتاً لأخرى الدهر ما طَلَعَ الفجرُ فما هو إلا أنء أراها فُجَاءة فأُبءهَتَ لا عُرءفٌ لديَّ ولا نُكءرُ وأنسى الذي قد كنتُ فيه هجرتها كما قد تُنءسي لُبَّ شاربها الخمءرُ وقد تركتني أغبطُ الوحشَ أنء أرى أليفين منها لا يروعهما الذُّعءرُ عجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها فلمَّا انقضى ما بيننا سكَنَ الدَّهءرُ فياهجر ليلى قد بلغت بي المدى وزدتَ على ما ليس يبلغه الهجرُ ويا حُبَّها زدني جوى كُلَّ ليلة ويا سلوة الأيام موعدك الحشرُ!" @ @ @ "هجرتُك حتى قلت: لا يعرفُ الهوى وزُرءتُك حتى قلت: ليس له صبرُ صدقت!.. أنا الصبُّ المُصَابُ الذي به تباريحُ حُبّ خامرَ القلب، أو سحءرُ وإني لتعروني لذكراك هزَّةٌ كما انتفضَ العصفورُ بلَّلهُ القَطءرُ فياحَّبذا الأحياءُ ما دُمءت فيهمُ ويا حبذا الأمواتُ ما ضَمَّك القبرُ"! إنها قصيدة رائعة سرت فيها عواطف الشاعر الصادقة سريان الكهرباء في الأسلاك، مع موهبة بارعة في تصوير أعماق هذه العاطفة.. ويعاب على المرأة أن تتذلل للرجل الذي هجرها، على عكس الرجل.. ومن شعر المرأة الذي فيه تذلل للحبيب الهاجر قول الشاعرة العراقية عاتكة: الموتُ إلا يومُ غدركء والنار إلا نارُ هجرك يا سيدي هذي فتاتك تشتكي لذعات حَرِّكء رُحءمَاكَ هذي طفلةٌ أولى بعطفك أو ببِّركء @ @ @ يا سيدي كيف السبيلُ إلى سُلُوِّك أو لهجركء؟ إنء كنتَ تُذنبُ سيدي فالقلبُ يأبى غيرَ عذركء! كُنء كما تشاءُ فإنني لكَ ما حييتُ ولا لغيركء! @ @ @ ومن القصائد المغناة التي كُنَّا نسمعها بكثرة قديماً في إذاعة الرياض قصيدة (أنت الذي..) والتي كتب كلماتها الشاعر الشعبي (علي بن محمد الدويش) وغناها الفنان (عبدالعزيز الراشد) وسجلت عام 1386ه.. والقصيدة تقول: "أنت الذي كلما حبك تطور وزاد بديتَ هجر جديد وأنا الذي كلما زاد الجفا والعنادء اشواق قلبي تزيدء ضيّعت عمر طويل ولا حصل لي مرادء أمشي على ما تريدء والحب يا سيدي ما هو عناد أو جهادء إن كان حبك أكيد.. إن كان حبك أكيدء! حنَّا اتفقنا على حسن الوفا والوداد والكل منا رشيد واليوم من بيننا صار اختلاف وكاد الفرق فرق بعيد طوارق الحب ذي حظ بعض العباد منهن شقي وسعيد!.. ودعت حبي ولا لي بالهوى من معادء الآن قلبي حديدء!