فرح دمية صغيرة اعتادت أن تحركها خيوط البلاستيك الخفية أينما حلت، كانت وحدها فقط التي تشعر بهذه الخيوط فكثيراً ما أُدمي معصمها وكاحلها لتنهال دمعة عينها الطاهرة بصمت مؤلم يطبق على أنفاسها المكتومة بكف حياتها السوداء التي لم ينل حتى اسمها نصيبه من هذه الدنيا!! سوى أن أكفأتها على وجهها لينتهي دورها على مسرح الدمى الصغيرة الذي كان يوماً من الأيام تسلية لعيون الأطفال؛ ليصبح ساحة تنتهي فيها الأدوار قبل أن تبدأ!! أن لكل قصة نهاية، ولكن نهاية كل قصة في الحياة هي بداية جديدة ربما لحياة أخرى ، ولكن ليس هناك حياة جديدة لفرح التي حاولت مراراً أن تخفي كدمة عينها الزرقاء عن صاحباتها في المدرسة وكثيراً ما كانت تحاول أن تمشي بطريقة لا تجعل العيون تلاحظ طريقة مشيها المتعثرة ،كيف ذلك؟! وهي التي كانت في يوماً من الأيام لا أحد يجاري ركضها هنا وهناك أو سماع ضحكاتها الجميلة التي تبعث الحياة في كل ما حولها!! أعطني يدك أيها المتابع لنطل على حياة فرح من خلال نافذة منزلها الصغيرة، لكن أعطني وعداً أن لا تبدأ بالبكاء والصراخ؟! فلقد أعتدت أنا وأنت وغيرنا على الوقوف والنظر فقط!! بدأ يومها بأن وجه لها والدها صفعة كادت أن تبتر نصف خدها لأن يومه كان سيئاً جداً..؟! وماذا عليه أن يفعل والشماعة الصامتة موجودة في البيت لا تشكي..!! ولا تبكي ..!! فلقد اعتادت على كسرة النفس والظلم، لم يكن لها الحق في اتخاذ القرار حتى في طريقة الأكل كغيرها من الأطفال، لم تكن تملك الحرية في الخيار بل كانت تتلقف ما كان يرمى لها كالجرو التائه!! ذات يوماً ارتمت في حضن والدتها لتدفن وجهها الشاحب، لتربت أمها بكفها على ظهرها وتقول "أب مختل في البيت خير من عدم وجوده" فتسترسل فرح في بكاءً دائم وكأن الشقاء قد كُتب في قدرها. هكذا تقبلت أمك الوضع؟! فلما لا تتقبلينه يا فرح!! أنهكت قواها وتمزقت أفراحها إلى أشلاء، لم يحتمل جسدها الغض الكثير والكثير من الضرب الذي كان يكيله لها والدها المختل كما تقول أمها!! تناثرت أحلامها أمامها كقطع الزجاج المحطمة، تلهث خلعاً وخوفاً عندما تسمع صوت المفتاح في الباب لقدوم أبيها الذي يفتقد إلى الصفات التي تؤهله أن يكون أباً، لتجري إلى غرفتها وتغلقها لتضم دميتها بكل ما أوتيت من قوة؛ لهلع أصاب قلبها الجريح مع حشرجاتها المتقطعة التي ملأ صداها غرفتها بل العالم كله. هكذا تقبل المجتمع الوضع؟! فلما لا تتقبلينه يا فرح!!