أصيلة الطفلة الصغيرة، قضى كل أفراد أسرتها: أبوها، وأمها، واشقاؤها: شايع، وصائل، وأختاها رهف ،والعنود أمام عينيها في فاجعة سيول جدة، لم يعد في مخيلة الصغيرة سوى مشاهد الفاجعة، وذكريات أسرة كانت تعيش في أمان، تتراءى وجه أبيها بالباب قادمًا، يشع بالفرح كل ما عاد من عمله وهو مضرج بالتعب المتبدد على وجهها البريء حين ترتمي بين يديه ليحملها عاليًا وكأنها تحلق في الفضاء، وصوت ام كرجع الصدى لا يبرح يطرق مسامعها، وهدهدات حانية ما زالت تستعيدها، وذراعان تلفان جسدها لتتحرك في غير حس وكأنهما ما زالتا تطوقانها، وصدر يفيض بالحنان تجد رائحته، مشاكسات الاشقاء والشقيقات ومنازعاتهم، صراخهم، ضحكاتهم، ما زالت تملأ المكان، تسرح الصغيرة في ذات الخيال لتبتسم وتقهقه وهي تسترجع بقية من ذكريات جميلة، لعبتها التي جلبها ابوها ذات يوم وضحكة ام تشع بالفرح وهي تجهزها لها، ثم فجأه تنزوي وتنقلب مذعورة ترف شفتيها وترتعش اطرافها، تداهمها عنوة الصورة المفزعة لابيها وهو يغالب الموت غرقًا ويطرق مسمعها صراخ الاخوات والاخوة المستنجدين، وقسمات مرعوبة لوجه ام تفجع بصغارها وزوجها، ترفعهم عاليًا لتكون هي مركبًا يصعد بهم عن الغرق فتموت ليحيوا، تهرب الصغيرة من ألم الصورة الاخيرة لتبحث عن حضن دافيء يلملمها، تصرخ باعلى صوتها اين ابي ؟! اين امي..؟! تواصل الصراخ بصوت شاحب وشفتين متيبستين فلا تجد سوى بقية من اقارب، اصبحت كعارية لديهم، بعدما كانت تأتيهم زائرة مطوقة بوالديها وبقية اخوانها من فجع أصيلة بوالديها واخوانها، من غير حياتها الهانئة في قلب اسرتها ونزعها من شجرتها وارفة الظلال، لك الله يا أصيلة ثم من غضب لاجلك، وأمر بالقصاص من الجناة، فلست وحدك من فجع، فكثير هم الباكون حولك، وسيخفف من آلامك نزول العقاب الرادع بزمرة المفسدين، من تسببوا في كلم نفوس بريئة إلى الابد، وفقدان ارواح زكية بدون ما سبب. اخيرًا وفي الذكرى الثانية لفاجعة سيول جدة، من يجلب لأصيلة لعبتها التي فقدتها في السيل، تلك الدمية التي كانت تحتضنها في نومها لتجعلها تارة بينها وبين ابيها وتارة بينها وبين امها، ففيها رائحة الغالين الراحلين، وفيها بقية والدين حنونين، وفيها سيكبر الحلم والامل، وستندثر آلام الصغيرة وحزنها، وعندما تكبر ستهديها لصغيرتها الاولى، اللهم اربط على قلب أصيلة وسل مهجتها بفيض الطمأنينة وارحم شهداء جدة، واحفظ بعزك الذي لا يضام وركنك الذي لا يرام ملك الانسانية، الذي انبرى لنصرتهم، إنك على ذلك قدير. غانم محمد الحمر - جدة