منذ ما يقارب العام كتبتُ سلسلة من المقالات عن العنف ضد الأطفال المستجد على مجتمعنا وطالبت بعقوبات قاسية ضد الآباء والأمهات الذين يعتدون على أطفالهم، ويمارسون ضدهم كل أنواع التعذيب البدني، والنفسي، عندها رأى البعض أنني أروّج لما اسميته بالظاهرة غير الموجودة أصلاً، وان هذه الحالات نادرة جداً، ولا ينبغي القياس عليها وأن مجتمعنا سيظل دائماً نموذجياً، ومثالياً، ولا يوجد مثيل له، وهذه كارثتنا. وأن الكتّاب دائماً يبالغون في وصف الأحداث الهامشية، وتضخيمها. بعد مرور ما يزيد على العام لايزال الآباء يعذبون أطفالهم، ولايزال العنف منتشراً، ولاتزال الحالات الحقيقية التي يصمت فيها أهل الطفل المتضرر، ويفضلون عدم الشكوى خصوصاً إن كانت هناك أم على ذمته، ومهددة بالطلاق، أو يمارس عليها ما يمارس على الأطفال. هذه الظاهرة وينبغي أن يطلق عليها كذلك لم تعد قابلة للاختفاء، أو التمويه أو تغطيتها تحت رداء مجتمع لا يوجد مثيل له في نموذجيته. والسبب أن الجهات المختصة عممت على المدارس تعميماً ينبغي من خلاله على المديرات والمعلمات التبليغ عن أي حالة طالبة، أو موظفة تتعرض للعنف، حتى وإن لم ترد ذلك بداعي الخوف، وأن يكون هذا التبليغ فورياً عند ملاحظة أي تعذيب على احدى التلميذات، أو الزميلات، ولا أعرف هل ينبغي على الجيران أو الأهل والأقارب عدم الصمت عندما يلاحظون طفلاً يعذب أو الإسراع بالشكوى، كما حصل في قضية الطفلة المرحومة غصون التي عُذبت لعام كامل وسارع عمها بالشكوى ولكن كان ذلك متأخراً، بعد أن تساهلت الجهات المعنية في إنقاذها من براثن والدها وزوجته واللذين نفذ بهما حد القصاص. ولاتزال الصحف تواصل نشر قصص وحكايات تعرُّض أطفال للعنف الأسري وأحكام صادرة ضد الآباء، فهذا أب في المدينةالمنورة حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات لتعذيب أطفاله، ومواطن آخر منذ شهر نشرت عنه جريدة "الرياض" تجرده من العاطفة الأبوية، حيث قيد طفلته البالغة من العمر 8سنوات لمدة عام ونصف العام في مكةالمكرمة وبسلسلة يزيد طولها على المترين بحجة أنها شقية وكثيرة الحركة، حيث تنام الطفلة وتصحو وهي على هذه الحال دون أن تذهب إلى المدرسة بعد أن حُرمت منها في الصف الأول ابتدائي تعيش مع اختها البالغة 17عاماً والمغلوبة على أمرها والعاجزة عن فعل أي شيء لإنقاذها خوفاً من الأب القاسي المنفصل عن الأم، والذي يعيش متهنياً مع زوجته الجديدة وأطفالها في شقة أخرى وتم انقاذ الطفلة وتسليمها للجنة الحماية الأسرية وهي في حالة نفسية سيئة وتحتاج إلى تأهيل نفسي، والقبض على الأب والتحقيق معه. القضية الأهم هنا فكر الأب العام وليس الخاص في طريقة تأديب أطفاله، حيث يرى هذا الأب ان التأديب للشقي هو الحبس، وآخر قد لا يبلّغ عنه، ويوجد منه كثير في كل المدن والمنازل، يحتفظ بخيزرانة أو سلك مبروم لضرب الأطفال عند حدوث أي شقاوة، وضرب عنيف، يجعل الطفل يعيش مرعوباً طوال عمره من منطلق أنه يربيه. وإن كانت الجهات المختصة قد بدأت تتحرك من خلال تفاعلها مع أي تبليغات تصلها، فإننا لانزال نقف عاجزين عن كبح أي عنف ضد أي طفل من خلال ان كل أب حر في ابنه، فمنذ أيام كنت اتسوق في سوبر ماركت كبير، وسمعت صياح طفل في قسم الأجبان، فالتفت فشاهدت أباً عربياً يمسك بطفله الذي لم يبلغ السنتين ويضربه ضرباً مبرحاً، ويغلق فمه بيده، حتى لا يبكي، ومن ثم جره خلفه بعنف حتى خيّل لي أن كتف الصغير قد خلعت، لم يتفاعل أحد، ولم يتنبه أحد بعد أن غادر الزوجان والأم الصامتة والطفل الذي واصل ضربه في السلم الكهربائي، وواصل المتسوقون تسوقهم فقط دون احساس بالألم كما اعتقد، إلا مني حيث تدخل من معي ومنعني بقوة من مخاطبة الرجل أو زوجته لأننا لا نتدخل فيما لا يعنينا، رغم اننا أكثر المجتمعات تدخل فيما لا يعنينا وبقوة عندما نريد، والحق يُقال إنني كنت سأتدخل لولا مغادرة الرجل وزوجته بسرعة.