اللقطة الأولى: بغداد.. في سنة 321ه.. ربما لم توجد وسيلة نبرهن بها على مدى التطور الحضاري للدولة الإسلامية.. بمثل نمط الوقف الاقتصادي.. والذي يضمن استمرار ثواب دائم.. ومشاركة مدنية ودينية فاعلة في مجتمعنا الإسلامي.. لدرجة أن وصل الأمر في (بغداد) الرشيد إلى عقارات توقف في المدينة على إطعام الحيوانات الضالة.. بعدما لم يجد أصحابها مصارف للوقف متاحة إلا هذه.. كيف لا وقد تنامت الثقافة الوقفية بشكل رهيب لدى جميع شرائح المجتمع ..! اللقطة الثانية: الرياض.. في سنة 1429ه.. مساجد تربو على 73ألف مسجد.. وعقارات بالالآف.. في قارة تزيد مساحتها على ال 2.5مليون كلم.. لكن.. مع الأسف لم تجدِ الأوقاف في ظل نظامها التقليدي.. ما يفي بحاجة الموقوف عليهم.. أو ترميم ما تلف.. أو تجديد ما تهدم أو احترق.. أوقاف لم تنجح مع بالغ الأسى في علاج مشاكل المجتمع الاقتصادية.. الفقر.. الغلاء.. نقص الخدمات.. والتي يجب أن يكون (الوقف).. في ركن مكين من هذه المعادلة.. خصوصاً أمام جيش من العاملين في وزارة متخصصة في هذا الشق الدقيق: (وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) ..! في لقاء ممتع مع وزير الأوقاف اليمني.. أشار إلى تبني وزارته لصيغ جديدة لم تكن مستعملة أو معروفة من قبل.. قام الفقهاء خصيصاً باستحداثها.. بعدما ظهرت الحاجة ملحة إلى تطوير الأساليب التقليدية.. باستحداث صيغ جديدة يضطلع بها خبراء فقه المعاملات.. تناسب التطور الحضاري.. وتفي بحاجة الوقف.. وتحقق مصلحة أطرافه.. وعلى رأس هذه الصيغ نظام ال (B.O.T) الوقفي . نظام ال (B.O.T) الوقفي: يُعنى بالمؤسسات التي يقوم مؤسسها بإنشائها وتشغيلها ثم نقل ملكيتها.. هذا النظام تطوير للأدوات غير التقليدية التي استحدثها المسلمون في تمويل العمليات الوقفية.. فالوزارة أو المُوقِف.. عندما يملك أرضاً بمساحات تجارية تصلح للاستغلال ودر الربح.. يعمد إلى تسليمها إلى إحدى الجهات الاستثمارية الربحية.. والتي تقوم باستغلال منفعة الأرض عبر البناء عليها.. وتشغليها مدداً يتم الاتفاق عليها.. ثم تسلّم إلى الجهة الموقف عليها بعد انتهاء العقد.. لاستغلالها بعد ذلك في مناشطها الوقفية . إن هذا النظام الوقفي يحقق منافع جمة.. أشار إلى طرف منها الباحث التركي (أحمد خليل الإسلامبولي) في إحدى ندوات المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب.. منها: @ تفعيل النشاط الاقتصادي عبر حاجة الأرض (الوقف) إلى مصدر تمويل خارجي . @ الممول يقيم مشروعاً على أرض الجهة الطالبة للتمويل. @ ناظر الوقف أو الدولة لا تتنازل عن الأرض . @ الممول يستفيد من المشروع (الأرض والبناء أو الغرس). @ ناظر الوقف أو الدولة تحقق الإعمار والنماء . ومع ذلك فإن المحاور الأساسية لنجاح أي تجربة.. إنما تكون بإصلاحات تمس الأوقاف من ثلاثة جوانب أساسية: @ الجانب التشريعي: المسارعة في إصدار القوانين الوقفية.. وإصلاح التشريعات الوقفية الحالية.. بشكل يسمح بالتشجيع على زيادة الأوقاف واستعادة الأوقاف التي تم الاعتداء عليها.. عبر تفعيل دور هيئة التحقيق والادعاء العام في المطالبة بحق الدولة في ذلك . @ الجانب الإداري: عبر التعامل بعقلية القطاع الخاص.. واستقطاب الكفاءات الإدارية ذات الأجور المرتفعة.. والتي ستكفل النهوض بالدور التنموي للوقف.. وإعداد هياكله التنظيمية الدقيقة.. والإعداد لنشأة هيئات وقفية مستقلة.. تسعى لتنمية الوقف واستثماره والتوعية بدوره التنموي . @ الجانب التمويلي: وهذا الجانب تتكفل به الصيغ الحديثة من التمويل.. والذي أشرت إلى جانب منها في نظام (B.O.T) الوقفي - كما أشير إلى ذلك مفصلاً في كتاب نظام الوقف في التطبيق المعاصر - وهذا هو أهم جانب يجب أن يلتفت إليه.. ذلك أن الأوقاف تمثل واحداً من أهم مصادر رقي التعليم وتحسن الاقتصاد.. فقد بلغ إجمالي أصول الأوقاف لجامعة (هارفرد) لوحدها 71مليار ريال.. تليها جامعة (ييل) بأكثر قليلاً من 41مليار ريال ثم جامعة برنستون ب (30) مليار ريال ..! نسيت أن أذكر لكم اللقطة الثالثة: فالكويت تلك الدولة الصغيرة حجماً.. العظيمة فعلاً.. استطاعت بكثير من الجهد تنمية عوائدها الوقفية 265ضعفاً في مدة زمنية لا تتجاوز ال 20سنة ..! @ الباحث في أنظمة العقار [email protected]