في كل المجتمعات يتم مقاومة التغيير والتحول من قبل بنية اجتماعية تكون قد استأثرت بالكثير من المقومات الاجتماعية وعززت مكانتها بطريقة تبدو صلبة من الخارج ولكنها سهلة الانهيار عبر استخدام الأسئلة المباشرة والدقيقة والمنطقية. مسألة الثقافة هي مسألة الإنسان الذي يستطيع أن يكسب من هذه الثقافة بطريقته الخاصة ويجعلها ملكا شخصيا له ويعلن الوصاية عليها ولكن ذلك لا يتم إلا عندما يكون هذا الفرد قادرا على احتواء تلك الثقافة بوسائل التهديد والإقصاء في حال مخالفة احد من الأفراد لاتجاه ذلك الفكر أو احد أفراده. التحكم في الثقافة من خلال تجيير اتجاهها لصالح مجموعة أو فرد هو من أكثر القضايا التي يجب التوقف عندها ومن الأمثلة على ذلك محاولة الكثيرين إسقاط الأحكام على المجتمع بطريقة محددة فمثلا عندما تعلن مؤسسة بعينها أو اتجاه فكري محدد بأن المجتمع يؤيد هذه المؤسسة أو ذلك الفكر دون معرفة حقيقية لهذا المجتمع فإن هذا الإعلان يعبّر عن خلل في قياس الاتجاه الاجتماعي بل يعكس رغبة في حمل المجتمع على صنع اتجاه غير حقيقي عنه. المجتمع بأي شكل كان يشكل انعكاساً مباشراً للثقافة التي تحكمه، فعلى سبيل المثال أعقب الحادي عشر من سبتمبر تحولات كبيرة في الكثير من المجتمعات حيث تم إعادة الحسابات في الكثير من مظاهر الثقافة المجتمعية وخاصة تلك التي كانت تصف المجتمع بأنه متمسك بسلوك بعينه أو منهجية بعينها. مثلا قضية الالتزام وهي قضية نسبية يصعب تحديد معاييرها ولكن فئات محددة فرضتها على المجتمع بمعايير محددة تمثلت بصفات أكثرها ظاهرية لا تشترط اختبارا حقيقيا للقيم عند تطبيق معايير الالتزام على الواقع بمعنى آخر أصبح السلوك الظاهري منفصلا عن السلوك الجوهري في كثير من الحالات. مناقشة هذه القضية مهمة جدا وخاصة في مرحلة التحول التي يعيشها المجتمع، والسبب في ذلك انه يجب أن لا تتكرر نفس الأخطاء التي حدثت بحق ثقافة المجتمع التي يجب أن تكون مستقلة عن كل تأثير سلبي، المجتمع يريد شكلا جديدا من ثقافة ترتكز على قيم تؤكد الوطنية وتنمي الإنسان للمساهمة الحقيقية في بناء الوطن ودعم مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل حضاري متطور يدرك الكيفية التي تسير بها دول العالم المتقدم. النيابة عن المجتمع وباسمه هي احدى السمات التي صنعت خللا في التنشئة الاجتماعية ليس للفرد وإنما للمجتمع ذاته فهناك نوعان من التنشئة الاجتماعية: الأول مرتبط بقضية تشكيل وتطبيق علاقة الفرد بمجتمعة ابتداء من قيم المجتمع وثقافته إلى علاقة ذلك الفرد بالثقافة المجتمعية بشكل عام، النوع الثاني من التنشئة الاجتماعية مرتبط في تحديد علاقة الثقافة بالأفراد وليس العكس كما يحدث في المرحلة الأولى. إن مسؤولية إطلاق صفة بعينها على أفراد مجتمعنا يجب أن تتم من خلال قيم الوطنية وقيم تنمية المجتمع وانفتاحه على العالم وثقافاته دون تشدد في المواقف أو فرض قضايا ذات بعد خلافي في مصدرها. الثقافة عندما تمسك بزمامها فئة محددة من المجتمع وتبدأ في توجيه دفتها وإصدار الأحكام الاجتماعية نيابة عن كل فرد في المجتمع، وعندما يسمح الفرد لثقافته بان تلبسه ثوبا غير الذي يلبسه فهذا مؤشر لخلل في العلاقة التي تحكم الفرد بثقافته. عندما يطلق فرد أو مجموعة فكرية أن المجتمع يؤيدهم في اتجاههم فهذه إشكالية ثقافية لأنه من المستحيل أن تطلق على مجتمع حكما يمكن أن ينطبق على كل فرد فيه بنفس الطريقة والأسلوب، لذلك تتحول مثل هذه الأحكام إلى جرعات تشبه جرعات الدواء التي يتم وصفها بدون مراجعة الطبيب حيث يؤدي تعاطيها إلى خطورة كبيرة. على المجتمع الوقوف بوجه كل من يطلق على المجتمع صفة يهدف من ورائها تحقيق هدف خفي لتمرير سلوك بعينه أو فكرة. لقد حان الوقت للتعرف على الواقع الحقيقي للحياة الاجتماعية كما انه حان الوقت لإسقاط ورقة التوت عن تلك الأهداف التي تتحين الفرصة لتمر في المجتمع تحت ذريعة الالتزام والتمسك. الإسلام في مجتمعاتنا قيمة أساسية والحديث عن هذه القيمة لا يحتاج إلى إثبات أو تكرار فالثقافة أساسا قائمة على ذلك، لهذا ما المبرر الذي يدعو الكثيرين إلى إعلان أن المجتمع يؤيدهم أو يتعاطف معهم بينما الحقيقية الجوهرية عكس ذلك تماما، الكثير من الأفراد يعلن انه يتحدث عن المجتمع بنيابة مطلقة حيث يعتبر نفسه ممثلا لثقافة المجتمع وهذا ما نتج عنه احتكار التوجيه الاجتماعي بين فئات بعينها بينما يمنع الكثير من المصلحين الاجتماعيين والمفكرين والمثقفين باستخدام منابر المجتمع ووسائله للتوجيه والإرشاد في المجتمع. لقد تعلم المجتمع أن يطلق صفة الالتزام وفقا للمظهر الخارجي حيث يتم التعامل مع هذه الصفة أولا وأخيرا وفقا للمظهرية بينما هذه القيمة (الالتزام) نسبية فقد تكون في السلوك أو الأخلاق أو العلاقات أو التعامل أو المصداقية: ولكن اختزاله في البعد الظاهري قد يكون سببا لخلق الكثير من صور عدم المصداقية والتناقض في حياة الفرد. إننا ننتظر اليوم الذي يتم فيه تقييم الثقافة للفرد وفقا لمعايير عملية وعلمية تعكس مدى قدرة الفرد على المساهمة في تقديم النصح والتوجيه للثقافة السائدة والأفراد دون أن يكون ذلك محكوما بسلوك ظاهري بعينه أو الانتماء إلى مجموعة بعينها. الإسلام وبدون شك قيمة أساسية في مجتمعاتنا ولكن الكيفية التي تتم بها عمليات التطبيق ليست كما يصورها لنا الكثير من الأفراد بأنها صورة واحدة غير قابلة للتنوع، الإسلام كما وصفه الخالق سبحانه وتعالى في القران الكريم ووصفه نبيه المصطفى عليه الصلاة والتسليم مساحة كبيرة من التنوع والاختلاف الذي يوصل في النهاية إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى. علينا أن ندرك أن مسار التشدد والتطرف الذي اجتاح مجتمعاتنا في العقود السابقة استثمر مثل هذا الاتجاه في جعل المجتمع ستاراً له لكي يختفي بين أفراده ولكي يحصل على حماية خلفية تحت غطاء دعم الالتزام والصحوة وهي مصطلحات لم نجد تفسيراً لها ولا لمبررات ظهورها سوى أنها ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في دس الكثير من المقومات السلبية لثقافة مجتمعنا التي كنا وما زلنا نعتقد أنها صافية ولا تحتاج إلى مزيد من الإضافات. طموح الأفراد الفكرية والاجتماعية يجب أن توقف عند بوابة المجتمع، وان يعاد النظر في مستوى المسؤولية التي يتمتع بها الأفراد الذين يعتبرون أنفسهم مدافعين منافحين عن المجتمع وثقافته. الحقيقية التي يجب أن يدركها الكثير هي أن الثقافة لا تحتاج إلى حراسة فالثقافة كيان يشكل غطاء للمجتمع أما ما ينبت على ارض المجتمع وما يحدث فيها من تغيرات فهو لايطول سماء الثقافة التي وجدت منذ مئات السنين والاختلاف والتنوع هو من اقوى مقومات الثقافة واستمرار عيشها.