لاجدال بأن المعايير الاجتماعية كالأمانة والصدق والولاء.. إلخ، (إنزيم) الحياة الاجتماعية وضميرها اليقظ بوصفها محددة لتوجهات الأفراد وآلية لتقويم السلوك وتهذيبه.. فهي إن جاز الوصف أشبه (بالفلتر) الذي ينقي السلوك مما قد يعلق به من شوائب نتيجة المتغيرات.. أو لنقل (تقلبات) المناخات الاجتماعية. إلى ذلك يصبح من البديهي القول بأن الفرد يطوف بعدة محطات متفاعلا مع تلك المعايير بدءا من الأسرة وانتهاء بالعمل وبالطبع مرورا بالمدرسة، وإن شئنا الدقة فالفرد منذ ولادته وحتى آخر لحظة من عمره يمر بسلسلة من التفاعلات وحالة من (المد والجزر) إزاء تلك المعايير. وهذا ما يحملنا على القول إن القيم في نهاية المطاف هي التي تشكل شخصية الفرد وتحدد مسار توجهه. وتأسيسا يصبح التعافي النفسي والاجتماعي مرتهنا بمدى استيعاب الفرد لمعايير المجتمع وقيمه. وبهذا المعنى لابد من الإقرار بأن المعايير هي (إبرة ) الميزان التي يرتكز عليها سلوك الأفراد خلال المراحل العمرية المختلفة. وإن كنا نعول على الأسرة في غرس تلك المعايير بوصفها النواة والمحطة الأولى التي تؤسس عليها وبها شخصية الفرد ويتجلى دورها البارز في تعريف الطفل بأبجديات المعايير مفهومها ودلالاتها.. زد على ذلك قابلية الطفل واستعداده للتعليم والاكتساب في هذه المرحلة العمرية تحديدا (السنوات الخمس الأولى) وقد يكون من المناسب القول إن تربية الأبناء في السابق أسهل بكثير مما هي عليه الآن فتوجيهات الوالدين للابن كانت كفيلة بترشيد سلوكه وتقويمه ويمكن إرجاع ذلك لعدة عوامل لعل أهمها.. دقة المعايير ووضوحها زمنذاك فلا مجال للتداخل أو اللبس.. وبكلام آخر لا وجود للون الرمادي.. وهذا لا يعني أن المعايير الراهنة غير واضحة فالشيء المؤكد أن المعايير لا تتغير على مر الأزمنة، ولكن (المنظار) الذي ينظر به للمعايير أصبح مشوشا نتيجة لكثرة المتغيرات وتباين المناخات فضلا عن تسارع وتيرتها.. العامل اللآخر قرب الوالدين والتصاقهما بأبنائهما وقتذاك ونحسبه من أهم مقومات التربية القويمة أما الآن وقد كثرت المشاغل (أو التشاغل إن شئنا) والمتغيرات وظهور الفضائيات والنت... إلخ، أصبح من العسير بل من غير المفيد غرس المعايير بالشكل التقليدي النظري فما عاد التلقين ولا حتى أسلوب الاقتداء يغني في هذا الشأن فالمحور الأساس هو الاستجابة وردود الفعل التي تعقب السلوك فالمعايير ليست مجرد مفردات ولا هي شعارات واصطلاحات تردد كيفما اقتضى الحال بل هي ممارسة عملية. والشيء المؤكد أن كل سلوك ما هو في واقع الأمر إلا ترجمة (ميكانيكية) للمعايير الاجتماعية وما الاستجابات إلا مؤشر يعكس مدى تقبل ذلك السلوك من عدمه. وفي الإطار نلاحظ أن المعايير الاجتماعية هي القاسم المشترك وأداة التحكم في السلوك والاستجابات وتظهر الأخيرة بصورة رفض أو موافقة وتضاعيفهما كالتأنيب أو المديح كما تجدر الإشارة إلى أن تلك الاستجابات لا تنحصر على ما هو منطوق فحسب وإنما قد تكون من خلال تعابير الوجه والإيماءات. وفي السياق قد يكون مفيدا التذكير بأن السلوك والاستجابة هما (مخ) التنشئة الاجتماعية وإطارها العام.. وإيضاحا لما تقدم حري بنا أن نسوق الفرضية التالية، ثمة طفل على مستوى من التعليم والإدراك (يفرق بين الصواب والخطأ) وولداه على درجة كبيرة من الالتزام والتقيد بالمعايير أي قدوة حسنة. ومع ذلك فالطفل يخطئ أو يتعمد الخطأ. ومرد ذلك أن الطفل يحاول أن يستشعر ردة الفعل عمليا فإذا كانت ردة الفعل أي العقاب مساوية لحجم الخطأ كان ذلك أدعى لتقويمه وامتثاله للمعايير والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الاستجابات الإيجابية عندما يكون السلوك حميدا. لنضرب بعض الأمثلة لسلوكيات متباينة والاستجابة المثلى لكل سلوك على حدة. فالطفل الذي لم يصدق القول مع والده في أمر ما دون أن يتلقى الجزاء المناسب والآني، من المؤكد أنه سوف يتمادى في الخطأ ذاته، وبما أن الشيء بالشيء يذكر فالطفل الذي أظهر عدم الجدية وأللامبالاة في أمر أوكل إليه دون أن يأخذ حظه من العقاب لاريب أنه سوف يمعن في سوء عمله وفي الجانب الآخر من السلوك والاستجابة المثلى هي أن يبدي الوالدان تقديرهما وإعجابهما بسلوك ابنهما وذلك ليس لغرض العرفان بما أظهره من تأدب وكياسة فحسب بل لتعزيز المعايير والقيم وتكريسها.. قصارى القول يتعين على الوالدين تحري الدقة والموضوعية عند إطلاق استجاباتهم لسلوكيات أبنائهم وقبل ذلك وبعده يجب أن يؤمنوا بفاعلية المعايير ودورها في تنشئة الأبناء كي تأتي استجاباتهم معبرة بصدق وملبية لمعطيات السلوكيات المختلفة، فأية استجابة غير محسوبة بمعنى غير متماهية مع السلوك (الغلو دنوا أو علوا) تكون نتيجتها اختلال الرؤية للمعايير (الضبابية) وتعثر السلوك وربما انحرافه عن جادة الاستقامة.. فما يجب أن نعرفه جميعا هو أن القيم والمعايير الاجتماعية بمثابة المصل الذي يجب أن يحقن به أبناؤنا لوقايتهم من الأوبئة الاجتماعية والانحرافات بشتى أشكالها وألوانها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة