يتوقع أن ترتفع أسعار الغاز في أوروبا بنسبة عشرين في المائة على أقل تقدير حتى العام 2020.وتشير بعض الدراسات الأوروبية إلى أن هذه الزيادة ستحدث في سياق تنامي استهلاك الغاز في الشؤون المنزلية، ونتيجة لشح أسواقه والمنافسة عليها بين أوروبا والصين والهند.وتشير هذه الدراسات إلى أن أوروبا ستضطر في ظل هذا الوضع لزيادة وارداتها من الغاز من كل من روسيا ونيجيريا والشرق الأوسط. وقد صدّرت روسيا إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2005ما نسبته 23بالمائة من إجمالي حجم الغاز المستهلك فيه، و 24بالمائة من إجمالي استهلاكه النفطي. وصدّر الروس إلى القارة القديمة في العام 2006ما مجموعه 5ر 161مليار متر مكعب من الغاز، أي ما بزيادة قدرها 5ر 3عن العام 2005.ولا يخفي الغرب رغبته في تقليل الاعتماد على روسيا كمصدر للطاقة، وكطريق لإمداداتها، ولهذا شجع على بناء خط باكو - جيهان لنقل نفط آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر تركيا، ويشجع حالياً على مشروع لتصدير الغاز من المنطقة بعيداً عن الأراضي الروسية. ويتم العمل حالياً على انجاز ثلاثة خطوط لنقل الغاز إلى أوروبا: يُعرف الأول بخط "السيل الشمالي"، ويمتد من روسيا إلى ألمانيا، عبر قاع بحر البلطيق، ومنها إلى عدد من دول شمال أوروبا. ويُعرف الثاني بخط "السيل الجنوبي"، ويمتد من روسيا إلى بلغاريا، عبر قاع البحر الأسود، ومنها إلى دول شرق وجنوب أوروبا.ويُعرف الخط الثالث بخط "نابوكو"، ويمتد من آسيا الوسطى إلى تركيا، ومنها إلى بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والنمسا، وقد يدخل في هذا الخط بعض مصدري الغاز في الشرق الأوسط. وإذا كانت العلاقة بين الخطين الأول والثاني ذات طبيعة تكاملية، حيث يرفد احدهما الآخر، ويسعيان معاً لإحكام هيمنة روسيا على سوق الغاز في أوروبا،فإن الخط الثالث يبدو في وضع منافس للثاني على نحو صريح. والمفاضلة بينهما هي بالدرجة الأولى مفاضلة سياسية، وحيث يدعم الغرب المشروع الثالث في مسعى لكسر الاحتكار الروسي لسوق الطاقة الأوروبية، سواء على صعيد المواد الخام أو خطوط النقل.وهذه إحدى القضايا الجيوسياسية الكبرى في عالم اليوم. خط السيل الشمالي: اتفقت شركة "غاز بروم" الروسية مع شركات ألمانية على إنشاء خط أنابيب في قاع بحر البلطيق لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر ما يسمى بخط "السيل الشمالي". وقد تم توقيع الاتفاقية الروسية الألمانية حول خط "السيل الشمال" في برلين ، في الثامن من أيلول سبتمبر، بحضور كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الألماني حينها غيرهارد شرودر. وسوف يتم عبر أنبوب الغاز الجديد تصدير الغاز الروسي بصورة مباشرة إلى ألمانيا دون المرور بدول أوروبا الشرقية. وإضافة إلى الأنبوب الرئيسي، سوف تتفرع أنابيب للغاز الروسي باتجاه كل من السويد وفنلندا ومقاطعة كالينينغراد الروسية، التي لا تربطها حدود مشتركة مع روسيا. وهناك أيضاً احتمال بربط عدة بلدان أخرى بهذه الشبكة، وخاصة بريطانيا وهولندا والدنمرك. ولم يكن مصادفة أن يقع الاختيار الروسي على ألمانيا ليصل إليها في النهاية خط "السيل الجنوبي" أيضا، فضلاً عن "الخط الشمالي". وعليه فإن ألمانيا سوف تصبح أكبر محطة لضخ الغاز الروسي إلى البلدان الأوروبية، حيث سوف يصل عبرها أكثر من 200مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى البلدان الأوروبية بعد العام 2015.وحسب التقديرات المتداولة، سوف تحصل روسيا في العام الأول لاستثمار خط "السيل الشمالي" على أرباح صافية في حدود أربعة مليارات دولار. يضاف إليها العوائد المتأتية من خفض نفقات النقل التي تصل ،عبر الأراضي الأوكرانية وحدها، إلى عشرين في المائة من قيمة الغاز. وذلك فضلاً عن تكاليف النقل واستخدام شبكة الأنابيب في كل من بيلوروسيا وبولندا.كذلك، سوف تجني ألمانيا فوائد كبيرة من هذا المشروع، فبالإضافة إلى المنافع السياسية التي ستحققها برلين، ستحصل الشركات الألمانية على منفذ لحقول الغاز الروسية التي سوف تملأ هذا الأنبوب. كما سيضخ عبر الأراضي الألمانية 55مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى غرب أوروبا. وقد أثارت اتفاقية "السيل الشمالي" ردود فعل متحفظة في دول البلطيق، حيث رأت فيها صيغة جديدة "لمعاهدة مولوتوف - ريبنتروب" السوفياتية الألمانية لعام 1939.ومن جهته، وصف الرئيس البولندي ألكسندر كفاسنيفسكي الاتفاقية بأنها "معاهدة شرودر - بوتين". خط السيل الجنوبي: على صعيد مشروع "السيل الجنوبي"، يتضمن هذا المشروع إنشاء خط أنابيب، تصل طاقته السنوية ثلاثين مليار متر مكعب من الغاز الروسي، يعبر قاع البحر الأسود بين الشواطئ الروسية و البلغارية، بطول 900كلم (طول القطاع البحري فقط) وعمق يتجاوز ألفي متر. وبحيث يمتد الخط بعد ذلك في الأراضي البلغارية والرومانية والهنغارية والتشيكية والنمساوية ليصل إلى إيطاليا وألمانيا.ومن المقرر أن يتم انجاز هذا الخط قبل نهاية العام 2013، بتعاون بين شركتي "غاز بروم" الروسية و (Eni) الإيطالية. وقد صرح رئيس (Eni) باولو سكاروني بأن حجم الاستثمارات المطلوبة في المشروع سوف تتجاوز العشرة مليارات دولار. ولم يستبعد سكاروني، أن يتم اختيار مسار آخر من بلغاريا إلى اليونان ومنها إلى جنوب إيطاليا، لكنه أشار إلى أنه ينظر إلى هذا المسار كمسار احتياطي مستقبلي. وقد وقعت روسيا وبلغاريا في 18كانون الثاني يناير الماضي، الاتفاقية الخاصة بمرور الجزء الأساسي من خط "السيل الجنوبي" إلى الأراضي البلغارية. وفيما اعتبرت موسكو أن توقيع هذه الاتفاقية يدفن مشروع "نابوكو"، رأى سكاروني أن من حق مشروع "نابوكو" أن يأخذ هو الآخر طريقه إلى التنفيذ، معتبرا أنه لن تكون هناك منافسة بين المشروعين، وذلك بسبب تزايد حاجة أوروبا للغاز الطبيعي. وبدوره، أعلن ممثل اللجنة الأوروبية فيران تاراديلياس اسبوني أن خط "السيل الجنوبي" لا يعتبر منافسا لخط "نابوكو". خط نابوكو: ويحظى المشروع الذي أطلق عليه "نابوكو" بدعم كبير من أوروبا والولاياتالمتحدة، كما تتطلع إليه عدد من الدول المصدرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتباره فرصة مؤاتية لتقليص كلفة نقل الغاز إلى أوروبا، وسبيلاً لتعزيز قدراتها التنافسية أمام الروس. ويقضي هذا المشروع بإنشاء أنبوب للغاز ينطلق من آسيا الوسطى، ويمتد إلى كل من تركيا وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا والنمسا، بطول يزيد على ثلاثة آلاف كيلومتر، وبطاقة استيعابية تقدر ب 31مليار متر مكعب سنوياً، وحيث قُدّرت تكلفته الاستثمارية بخمسة مليارات يورو. ويرجح حالياً أن تنضم إلى هذا الخط عدد من دول الشرق الأوسط، خاصة مصر والعراق. وفي أيلول سبتمبر الماضي، أعلنت أذربيجان رسميا انضمامها إلى المشروع، فيما أكد الرئيس التركماني بردي محمدوف لوزير الاقتصاد النمساوي ووزير الطاقة البريطاني أن بلاده تتطلع إلى إيجاد مسار بديل (عن المسار الروسي) لتصدير النفط والغاز إلى أوروبا، في حين قالت كازاخستان أنها مستعدة للانضمام إلى مشروع "نابوكو". ويأمل الاتحاد الأوروبي في خفض الاعتماد على الغاز الروسي بفضل خط "نابوكو". وبدورها اعتبرت الولاياتالمتحدة أن هذا الخط يُعد "أفضل وسيلة لتنويع مصادر الطاقة الأولية لأوروبا". ويمر حالياً عبر أنابيب النقل الروسية الجزء الأكبر من مواد الطاقة المتجهة إلى أوروبا من كل من كازاخستان وتركمانستان. وقد أعرب الأوروبيون عن رغبتهم في إيجاد بديل لهذا الطريق.