لدينا في المدينة أربعة "دوارات" تنساب فيها السيارات بشكل مقبول إذا تركت على طبيعتها.. أما حين تتكدس المركبات في الطرق المؤدية إليها فاعرفء أن هناك - لا مؤاخذه - جندياً ينظم المرور في الدوار نفسه (... وحين أصل أراه بالفعل) !! فحين لا يكون في "الدوار" من ينظم الحركة تنساب السيارات بشكل طبيعي وتمر بين بعضها البعض حسب مبدأ الأسبقية.. ولكن حين يعمد أربعة جنود الى تنظيم الحركة سيوقفون ثلاثة مسارات - دفعة واحدة - ويسمحون لمسار واحد فقط بالمرور (وهذه مسألة رياضية واضحة) !! ... وهذا في الحقيقة مجرد مثال على أن (عدم التدخل) في حركة المرور يكون أحيانا أفضل من (التدخل) ومحاولة تنظيمه بطريقة صارمة أو متناوبة.. فالناس حريصون بطبعهم على عدم التعرض لأي إصابة أو حادث أو حتى تلامس بسيط. وسواء وُجد المرور أم اختفى سيتعاملون مع بقية السيارات بطريقة تضمن سلامتهم وسلامة مركباتهم أولا... ولدي شخصياً تجربة بهذا الخصوص حيث عشت لفترة في ضاحية جميلة خارج مدينة مينيابلس الأمريكية.. وكانت خالية تقريبا من الإشارات الضوئية (فيما عدا تقاطع القطار). ومع هذا كانت حركة السيارات تنساب بهدوء وسكينة بسبب قانون غير مكتوب مفاده : من يصل إلى التقاطع أولا - ولو بجزء من الثانية - يملك أسبقية العبور.. وللحد من خطورة السيارات المسرعة توجد بنهاية كل طريق ثلاثة "مطبات" صغيرة تجبر السائق على خفض سرعته قبل دخوله لأي تقاطع أو منعطف... وقبل فترة قرأت عن تجربة مماثلة في مدينة بوهميتي الألمانية يمكننا الاستفادة منها.. فبعد فشل كل المحاولات للتخلص من مشكلة الازدحام المروري قررت البلدية إغلاق كافة الاشارات الضوئية وترك الفرصة للناس لتنظيم أنفسهم.. وكان مقررا للتجربة أن تستمر اسبوعاً واحداً فقط ولكنها اليوم أكملت عامها الثاني بدون مشاكل تذكر بل انخفضت نسبة الحوادث في أول عام إلى 13% ثم 37% في العام الثاني... وما حدث هنا أن قائدي المركبات (حين أدركوا جدية القرار) أصبحوا أكثر حرصا وانتباها في قطع المعابر والتقاطعات.. ليس هذا فحسب ؛ بل أصبحوا أكثر لطافة ولباقة في التعامل مع الآخرين (كون اللباقة أصبحت الوسيلة الوحيدة للفوز بأسبقية المرور، والوسيلة الوحيدة لحفظ ماء الوجه في حال سبق إليها شخص آخر) !! وهذه الطريقة أصبحت تعرف اليوم باسم "إدارة الفراغ المشترك" كونها تستغل الفراغات الزمنية والمكانية الضائعة لمرور السيارات من كافة الجهات. وقد بدأت بالانتشار في ألمانيا وهولندا والدنمرك وبلجيكا التي بدأت بإغلاق معظم الاشارات الضوئية والاعتماد على لباقة الناس وحرصهم على عدم تعريض أنفسهم وسياراتهم للخطر !! ... (وقبل أن تخبروني)... أعرف أن معظمكم يستبعد إمكانية تطبيق هذا النظام في تقاطعات الرياض المزدحمة. ولكن الحقيقة هي أن نجاحه يعتمد على كثافة كل تقاطع على حدة (حيث أثبتت التجارب الأوربية أنه عمل بشكل جيد في التقاطعات التي تجذب أقل من 20ألف سيارة في اليوم)... وهذا العدد - كما أفترض - يتيح لنا التخلص من "ربع" تقاطعات الرياض، و"ثلث" تقاطعات جدة، و"نصف" تقاطعات المدينة، و"ثلاثة أرباع" تقاطعات حائل وتبوك ونجران.. وفي حال أُعلن تطبيقه في وسائل الاعلام - وفي حال ترافق مع حملة مرورية توضح حقوق الأولوية والأسبقية عند كل تقاطع - أتوقع له نجاحا كبيرا وغير مسبوق! وفي جميع الأحوال.. من لا يتحلى باللباقة لتنفيذه ؛ ستجبره "المطبات" على التوقف قسرا والتفكير بسلامته أولا...