تم إقرار لوائح صحية دولية جديدة لتدخل حيز التنفيذ والعمل بها وتتمثّل اللوائح في مجموعة شاملة من القواعد والإجراءات التي تم اختبارها والتي ستساعد على تعزيز أمن العالم ضدّ التهديدات المحيطة بالصحة العمومية. وقد تم إقرار تلك اللوائح من قبل جمعية الصحة العالمية وهي تمثّل خطوة عملاقة نحو تحسين الأمن الصحي العمومي على الصعيد الدولي. وتضع اللوائح إطاراً متفقاً عليه من الالتزامات والمسؤوليات الواقعة على عاتق الدول ومنظمة الصحة العالمية بغية الاستثمار في سبيل الحد من انتشار الأوبئة وغيرها من الطوارئ الصحية العمومية على الصعيد الدولي وتلافي قدر الإمكان الإخلال بالسفر والتجارة والاقتصاد. وسيتعيّن على الدول بموجب اللوائح الجديدة الإبلاغ عن جميع الأحداث التي يمكنها أن تسبّب طوارئ صحية عمومية تثير قلقاً دولياً، بما في ذلك الحوادث الناجمة عن العوامل الكيميائية والمواد المشعة والأغذية الملوّثة. وقد أدّت الضغوط الديمغرافية والاقتصادية والبيئية في القرن الحادي والعشرين، إلى ظهور توليفة فريدة من نوعها من الظروف التي تساعد على انتشار الأمراض المعدية الجديدة والمستجدة بشكل لم يسبق له مثيل. كما تبيّن من تجربة العقود الأخيرة أنّه لا يمكن لأيّ بلد حماية نفسه بنفسه ضد الأمراض وسائر التهديدات المحيطة بالصحة العمومية. فجميع البلدان باتت عرضة لانتشار العوامل الممرضة وما يترتبّ عليها من آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية. وقد أثبتت متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) التي ظهرت في عام 2003، أكثر من أيّ وباء آخر ظهر قبلها، كيف أنّ أجزاء العالم باتت مترابطة فيما بينها وكيف يمكن لمرض جديد الانتشار بسرعة بين تلك الأجزاء. وقد خلقت مواطن الضعف المشتركة تلك الحاجة إلى وضع دفاعات جماعية وتحمّل مسؤولية مشتركة لوضع تلك الدفاعات موضع التشغيل. وذلك هو الأساس الذي تقوم عليه اللوائح الصحية الدولية. وذكرت مارغريت تشان المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية إنّ متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد كانت الجرس الذي أيقظنا جميعاً من سباتنا. فقد انتشر هذا الوباء بسرعة فاقت السرعة التي توقعناها والتعاون الوثيق بين البلدان هو وحده الذي مكّن من احتوائه والحيلولة دون انتشاره على نطاق أوسع. أمّا الآن فإنّ مشكلة الإنفلونزا هي التي باتت تمثّل أكبر التهديدات المحدقة بالصحة العمومية. إنّ التهديد لم يختف بعد ولكنّ تنفيذ اللوائح الصحية الدولية سيساعد العالم على تحسين تأهّبه لمواجهة جائحة محتملة. وتستند اللوائح إلى ما اكتسبته منظمة الصحة العالمية وهيئاتها الشريكة مؤخراً من تجربة في الاستجابة لمقتضيات فاشيات الأمراض واحتوائها. ويتبيّن من تلك التجربة أنّ التصدي للتهديدات الصحية العمومية في منبعها هو الوسيلة الفعالة الوحيدة للحد من قدرتها على الانتشار دولياً. وستساعد اللوائح على ضمان الكشف عن الفاشيات وسائر التهديدات الصحية العمومية التي تثير قلقاً دولياً وتحريها بشكل أسرع وضمان اتخاذ إجراءات دولية جماعية من أجل دعم البلدان المتضرّرة وتمكينها من احتواء الطارئة وإنقاذ الأرواح وتوقي انتشار الوباء. وتمكّنت منظمة الصحة العالمية فعلاً من استحداث وإنشاء نظام محسن لإدارة الحوادث وذلك من أجل تدبير الطوارئ الصحية العمومية المحتملة. وأنشأت المنظمة أيضاً مراكز للعمليات الإستراتيجية في مقرّها الرئيسي بجنيف ومكاتبها الإقليمية الموجودة في شتى أنحاء العالم، ووضعتها على أهبة الاستعداد لتدبير الطوارئ في حال ظهورها. كما عكفت المنظمة على التعاون مع شركائها من أجل تعزيز الشبكة العالمية للإنذار بحدوث الفاشيات والاستجابة لمقتضياتها التي تجمع بين خبراء من شتى أرجاء العالم للتصدي لفاشيات الأمراض. وقال الدكتور ديفيد هيمان المدير العام المساعد المسؤول عن دائرة الأمراض السارية بمنظمة الصحة العالمية، "إنّ تنفيذ اللوائح الصحية الدولية مسؤولية جماعية وعملية تعتمد على قدرة جميع البلدان على استيفاء الشروط الجديدة. وستقوم منظمة الصحة العالمية بمساعدة البلدان على تعزيز القدرات اللازمة لتنفيذ اللوائح على النحو الكامل. إنّها مسؤوليتنا ونحن نتوقع أن تلتزم الأسرة الدولية برمّتها بالمرمى نفسه المتمثّل في تحسين الأمن الصحي العمومي على الصعيد الدولي". وتتضمن اللوائح الصحية الجديدة ما يلي: - تقرّ اللوائح بأنّ التقارير الإعلامية وغيرها من التقارير غير الرسمية تصدر غالباً قبل الإخطار الرسمي بحدوث طارئة صحية عمومية تثير قلقاً دولياً. ويجب على البلدان للتعجيل بتدفق المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب الإخطار بجميع الأحداث التي قد تشكّل طارئة صحية عمومية تثير قلقاً دولياً وذلك في غضون 24ساعة من عملية التقييم. - يلتزم كل بلد بموجب اللوائح الصحية الدولية بتعيين مركز اتصال وطني يُعنى باللوائح الصحية الدولية، وتكليفه بتوفير المعلومات إلى المنظمة وتلقي المعلومات منها على مدار الساعة وفي كل أيام الأسبوع. @ يلتزم كل بلد بموجب اللوائح الصحية الدولية، ببناء وصون القدرات الصحية العمومية الأساسية في مجالي الترصد والاستجابة. وتشمل تلك القدرات أيضاً الفاشيات ذات المصادر الكيميائية والإشعاعية والغذائية. ويجب على البلدان بناء تلك القدرات الأساسية في أسرع وقت ممكن، أو في أجل أقصاه خمسة أعوام بعد دخول اللوائح الصحية الدولية المنقحة حيّز النفاذ. - تتضمن اللوائح الصحية الدولية لأوّل مرّة، شروطاً بيّنة تقضي بلزوم معاملة المسافرين الدوليين بطريقة تحترم كرامتهم وحقوق الإنسان والحريات الأساسية عند تطبيق التدابير الصحية. كما تقضي في الوقت ذاته بأنّ الفحوص وغير ذلك من التدابير الصحية من الأمور الضرورية للحماية من انتشار الأمراض على الصعيد الدولي. - تحتاج المنظمة إلى دعم جميع أصحاب المصلحة لضمان الأمن الصحي العمومي على الصعيد الدولي. وعليه تركّز اللوائح الصحية الدولية على إقامة شراكات عالمية متعدّدة القطاعات لمواجهة الأوبئة وسائر الطوارئ الصحية الكبرى بشكل جماعي. - تقضي اللوائح الصحية الدولية بتعزيز البرامج الدولية القائمة في مجال مكافحة الأمراض، وبرامج التصدي للأمراض المعدية وتحسين السلامة الغذائية وسلامة البيئة. ذلك أنّ تلك البرامج تسهم إسهاماً أساسياً في النظام العالمي للإنذار والمواجهة إذ تتيح إمكانية تطوير قدرات عامة وقدرات خاصة في مجال التصدي للتهديدات.