يظل الكاتب المكي عبدالله أبكر مهجوساً بتفاصيل الحياة المكية في كل كتاباته وقد وطد علاقته بمعشوقته أم القرى على مدى سنوات طويلة قارئاً لتراثها متأملاً في رموزها الاجتماعية والشعبية وعاشقاً لفنها وخبيراً بحاراتها العتيقة حتى غدا حفياً بكل ما يتعلق بمعشوقته مكةالمكرمة، وقد أكد صدق هذا الهيام ما أنجزه مؤخراً من كتاب جديد حمل عنوان "صدى الأيام.. ماذا في حارات مكة؟" والذي حظي بمقدمتين رائعتين للكاتبين محمد صادق دياب ومحمود تراوري أشادا فيهما بإلمامه الكبير بالحياة المكية وتناوله البارع لتاريخها الاجتماعي. إن المؤلف أبكر من الذين تسكنهم الحارة المكية بكل تقاليدها العريقة وبكل بسطائها الذين لا يحفل بهم التاريخ ويرصد من خلال رواشينها ومراكيزها الأحاديث العذبة والضحكات الصادقة، وتراه أيضاً يقع في بعض كتاباته تحت رؤية فلسفية مفادها أن مكة هي المدينة المتفردة بين كل المدن بتعدد ثقافاتهاوتفاعلها مع كل الثقافات والحضارات التي أثرت وتأثرت بالمشهد المكي فجاءت صوره واضحة، ورؤيته صادقة لكونه عاش بين رواشينها وتشرب مفرداتها الشعبية وتربى بين رجالاتها الأوفياء. حرص أبكر أن يلتقط جماليات المكان فكتب عن سوق الليل والنقا والشامية والمسفلة والقرارة والسليمانية، كما ولع بأخبار شخصياتها فدون أيامهم العتيقة بين المراكز والمقاهي واستحضر مفرداتها العتيقة وألعابها وفنونها وحكاياتها الفاتنة. وعلى الرغم من شيوع المفردات الحديثة بين أفراد هذا الجيل لم ينس مؤلف الكتاب الوقوف عند جمهرة من الألفاظ والمدلولات الشعبية التي أضحت في عالم الماضي. إن هذا الكتاب يفتح نافذة واسعة نحو مكة (زمان) ببيوتها العتيقة وأزقتها الضيقة ومراكيزها الصاخبة باليابات ورجالاتها الأوفياء، كما تستمع بوله إلى مجساتها وصهباتها وأصوات(المغاشعة) في حلقات المزمار.