تصدرت أمس الأول صورة جيروم كيرفييل أحد موظفي مصرف "سوسييتي جينرال" الفرنسي الصفحات الأولى في الصحف اليومية الاقتصادية وغير الاقتصادية واستأثر هذا الرجل البالغ من العمر الواحدة والثلاثين باهتمام وسائل الإعلام الفرنسية المسموعة والمرئية أيضا بعد أن أكد هذا المصرف أمس الأول بأن جيروم كان وراء عمليات في سوق البورصة خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة باسم "سوسيتي جينرال" أفقدت المصرف أربعة مليارات وتسع مائة مليون يورو. وفعلا توقفت أغلب الصحف الفرنسية الصادرة أمس عند مسار هذا الشاب الذي التحق بمصرف "سوسيتي جينرال" عام ألفين وكان من موظفي المصرف الصغار المتخصصين في المضاربات في سوق البورصة . وتساءلت عن حقيقة المعلومات التي قدمها دانيال بوتون رئيس المصرف يوم الخميس الماضي ومفادها أن هذا الشاب توصل خلال سنة كاملة تقريبا إلى القيام بعمليات مضاربة باسم المصرف في سوق البورصة دون أن يتفطن إليه أحد. واعتبر كثير من المحللين الاقتصاديين أنه من غير المنطقي أن يكون الشاب بمفرده وراء الخسارة الضخمة التي مني المصرف في سوق البورصة . ورأوا أنه ربما أوعز إلى رئيس المصرف في تحميل الشاب مسئولية ماحدث حتى لاتنهار أسهم المصرف انهيارا كليا في سوق البورصة التي شهدت في الأسابيع الأخيرة عاصفة بسبب أزمة القروض العقارية الأمريكية. والحقيقة أن رئيس المصرف الفرنسي سعى في اليومين الأخيرين إلى طمأنة موظفي المصرف وزبائنه بشأن مستقبل العلاقة القائمة بينهم وبين البنك . وحاول الرئيس الفرنسي الذي شرع أمس في زيارة إلى الهند تستمر يومين اثنين بدوره التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إلى المصرف ومسئوليه وإلى علاقة المصارف الفرنسية بالدولة الفرنسية. وكذا فعل أمس الأول فرانسوا فيون رئيس الوزراء الفرنسي خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا. أفق مدلهم وهناك اليوم قناعة لدى المحللين الاقتصاديين بأن الآفاق المفتوحة أمام مصرف "سوسيتي جينرال" بشكل خاص وكثير من المصارف الفرنسية الكبيرة بشكل عام لن تكون مشرقة على عكس ماكان يتصور من قبل. وصحيح أن الخبرة التي اكتسبتها المصارف الفرنسية في السنوات الثلاثين الماضية في الساحة الأوروبية أهلتها خلال السنوات العشر الأخيرة إلى شراء مصارف أوروبية وغير أوروبية كثيرة وإلى فرض نفسها في العالم باعتبارها قادرة على التأقلم مع منطق العولمة بشكل ذكي. ولكن الفضيحة التي أعلن عنها قبل يومين في مايخص مصرف "سوسيتي جينرال" أساءت كثيرا إلى سمعة المصارف الفرنسية في العالم. فهذا المصرف هو ثالث مصرف فرنسي من حيث الأهمية بعد "الكريدي أغريكول" ومصرف "بي-إن-بي باريبا" . فرأس ماله الخاص يقدر اليوم بحوالي ثلاثين مليار يورو. وهو يشغل حوالي مائة وعشرين ألف شخص. وعرف منذ سنوات عديدة بجديته وبعلاقته الجيدة مع الزبائن وباستقلاليته. وسواء صدقت الرواية التي قدمها رئيس المصرف عن الأسباب التي جعلته يفقد قرابة خمسة مليارات من العملة الأورروبية الموحدة أو كانت مفتعلة فإن انعكاسات ذلك ستكون على المدين القريب والمتوسط على الأقل سلبية على الزبائن وعلى صورة البنك في سوق البورصة . بل إن رئيس المصرف أكد أيضا في اليومين الأخيرين أن هذا الأخير خسر أيضا قرابة ملياري يورو بسبب العاصفة التي تضرب هذه الأيام أسواق البورصة العالمية بسبب أزمة القروض العقارية الأمريكية. وثمة قناعة اليوم لدى كثير من المحللين الاقتصاديين بأن مصارف فرنسية أخرى تورطت هي الأخرى في السنوات الأخيرة في المضاربة على القروض العقارية الأمريكية ولكنها تتستر اليوم على ذلك . وهذا من شأنه تغذية أزمة الثقة بين الزبائن الفرنسيين وغير الفرنسيين المتعاملين مع المصارف الفرنسية من جهة وهذه المصارف من جهة أخرى. وفي انتظار انقشاع مثل هذه الغيوم قدم عدد من الذين اشتروا أسهما كثيرة من تلك التي طرحها المصرف الفرنسي المنكود الحظ في سوق البورصة شكاوى أمام القضاء بحق المصرف بعد أن تقهقرت قيمة هذه الأسهم في البورصة. وقالت محامية الشاب الذي اتهم بالتسبب في تبخر قرابة خمسة مليارات يورو من المصرف إنه لم يفعل ذلك بسبب الرغبة في الإثراء الخاص بل لخدمة مصالح المصرف. وأما رئيس المصرف فإنه قال إنه قرر التبرع براتبه طوال ستة أشهر لمحاولة التعويض بعض الشي ء عن الخسارة التي مني بها البنك. ولكن البعض يرى أن في مثل هذا التصرف استخفافا بزبائن المصرف ولاسيما مالكي أسهمه لأن رئيس "سوسيتي جينرال" يراهن على أمر لايتحكم فيه لاسيما وأنه يعلم داخل نفسه أن أيامه على رأس هذه المؤسسة المصرفية أصبحت معدودة وأن رفض استقالته من قبل مجلس إدارة المصرف إنما هي مناورة لمحاولة طمأنة شركاء المصرف وزبائنه. ولابد من الإشارة أخيرا إلى أن راتب بوتون رئيس هذا المصرف قد يعادل عام ألفين وستة مليونا ومائتين وخمسين ألف يورو.