كتبت كلمات وجمل وسطور عن المؤرخ المشهور العالم إبراهيم بن صالح العيسى -رحمه الله- وبينت ما قدمه للتاريخ النجدي من مخطوطات نسخها بيده، ولعل أشهر ما خدم التاريخ النجدي هو تكملته لتاريخ ابن بشر -رحمه الله- حينما توقف ابن بشر في (عنوان المجد في تاريخ نجد) عام 1267ه، وأتى ابن عيسى وأكمل بدايةً من عام 1268ه، وهذا يشمل تاريخ الدولة السعودية الثانية ثم سقوطها وبداية تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وما تلا ذلك من معارك التأسيس وعنوان كتابه (عقد الدرر). ومخطوطات ابن عيسى كثيرة ومتنوعة سواء في التاريخ أو الجغرافيا أو في الأدب والأنساب واللغة العربية والشعر، وأخيراً نُشرت هذه المخطوطات في عدة مجلدات نشرتها دارة الملك عبدالعزيز قبل عدة أشهر، وهي الأعمال الكاملة له وهي تسعة عشر مجلد. وهناك صديق حميم للمؤرخ ابن عيسى تشاركا في كتابة التاريخ النجدي وفي الأدب الشعبي وبنهما مراسلات، إلاّ أنه أقل شهرة من ابن عيسى، لكنه مؤرخ راسخ في التاريخ عموماً، وفي التاريخ النجدي خصوصاً، ولديه ثقافة غزيرة في المعارف العامة، ووجيه من وجهاء عنيزة وعَلم من أعلامها وأعيانها، وكانت مزرعته بعنيزة مقصداً ومحطاً للضيوف، فهو يعد من الكرماء الأجواد المحسنين، ومن سراة نجد، هذا الرجل هو الأديب المؤرخ عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- الذي يعد من مؤرخي نجد والجزيرة العربية، فابن عيسى والبسام جمعهما حب العلم والأدب والمعرفة والتاريخ، وأعمارهما متقاربة، فالبسام من مواليد عام 1275ه، وابن عيسى ولد عام 1270ه. نشأ في عنيزة وُلد عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- في عنيزة عام 1275ه إبان الدولة السعودية الثانية، وبالتحديد في عهد الإمام فيصل بن تركي -رحمه الله-، ويذكر المؤرخ الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن البسام -رحمه الله- وهو أعرف الناس بأسرته، حيث ترجم لشخصيتنا في كتابه (علماء نجد خلال ثمانية قرون)، وذكر أنه نشأ بعنيزة وكان والدهم محمد بن عبدالعزيز قد توفي عام 1279ه، وأنجب أربعة أبناء وهم: حمد وهو أكبرهم، يليه في السن عبدالعزيز ثم عبدالله -شخصيتنا-، ثم عبدالرحمن وقد مات أبوه وهو حمل في بطن أمه، وكان حمد أخوهم الأكبر قد حل مكان والدهم المتوفى، وأصبح هو بمثابة الوالد لإخوانه، وكان عمره لا يتجاوز 16 عاماً، لكن رزقه الله عقلاً أكبر من عمره وهمة عالية وإراده وعزم وتصميم وصبر على تحمل الشدائد. صاروا أثرياء وحدثني الباحث الصديق الفاضل منصور بن محمد البسام -رحمه الله- قائلاً: إن أسرة آل البسام قررت جمع مبلغ من المال لمواساة حمد وإخوانه ووالدتهم، وجمعوا المبلغ ومنحوه لحمد أكبر إخوانه فرفض استلامه إلاّ أن يكون قرضاً حسناً يرده متى تيسرت الأمور، قائلاً لهم: سوف أتعاطى التجارة، فكبر في عيون أسرة آل بسام، وعلموا يقيناً مدى علو نفس هذا الفتى وعظم عقله، لهذا اطمأنوا أنه سوف يقول ويفعل -انتهى كلامه-، ومرت السنوات وأصبح الوجيه حمد يتعاطى التجارة في عنيزة، ثم خارجها في العراق، ومن حسن نيته وطيب طويته وبره بإخوانه أنه جعلهم شركاء معه في هذه التجارة، مع أنه الذي كان يسوق تجارته هذه، ويسافر لوحده حينما كانوا إخوته صغاراً ومنهم شخصيتنا -عبدالله البسام-، وعندما كبر إخوانه أصبحوا عضداً لأخيهم حمد، ومنه تعلموا أساليب التجارة وصار بيتهم مشهوراً بها، وهكذا عاش شخصيتنا المؤرخ عبدالله بن محمد البسام في هذه البيئة التجارية، يقول المؤرخ الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن البسام -رحمه الله- في كتابه المذكور (علماء نجد): ففتح له بيت تجارة في جدة، فلما اتسعت أعمالهم نقلوها من جدة إلى البصرة، فلما زادت فتحوا بيت تجارة آخر في الهند، فصار حمد وعبدالرحمن يعملان في بيت البصرة بالتناوب، وعبدالعزيز وعبدالله يعملان بالتناوب في بيت الهند، فاتسعت أعمالهم وربحت تجارتهم وصاروا أثرياء -انتهى كلامه-. اطلاع قوي وشخصيتنا عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- كما ذكرت في مقدمة التقرير من الذين عشقوا التاريخ عموماً، وتاريخ الجزيرة العربية خصوصاً نجد، وله اطلاع قوي على تاريخ نجد وقرأ ودرس التواريخ النجدية التي سبقته وله صداقة مع المؤرخ الشهير إبراهيم بن عيسى، وكانا يتبادلان الرسائل التي تتسم بالطابع التاريخي والأدبي، بل كان بعضهما يرسل ما يكتب ويدوّن، والكتاب الذي ألّفه شخصيتنا واشتهر به هو (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق)، فهذه الموسوعة التاريخية هي الثقل العلمي للبسام، وهو من الكتب التاريخية النجدية عموماً، حيث لم يفته أحداث العراق والحجاز، وكان الأغلب التركيز على تاريخ نجد، وظل هذا الكتاب مخطوطاً مدة طويلة جداً، وانتشرت مخطوطة شريبة، وهو مدرس مصري نسخ تاريخ شخصيتنا حينما كان مدرساً بعنيزة، وهي النسخة المشهورة وفيها سقط وتصحيف كثير، لكن نسخة شخصيتنا هي العمدة التي نقلها شريبة، وقد اطلعت على نسخة البسام، وفيها ورقات وهي اثنا عشر ورقة بخط المؤرخ ابن عيسى ابتدأها تاريخ 1324ه، وقد أوضح بجلاء د. أحمد البسام بُطلان من زعم من الباحثين أن عبدالله بن محمد البسام قد أفاد من تواريخ ابن عيسى دون الإشارة إليها، وأثبت بالأدلة أن ابن عيسى وشخصيتنا كانا يتبادلان هذا الكتاب، وأن ابن عيسى كتب فيه اثنتا عشرة ورقة، وأن هناك مؤلف لشخصيتنا مجموع أدبي جمعه وانتقاه، وهو في الأشعار وعنوانه (الدليل المفيد لمن هو للدين والدنيا مريد) في الأدب، وذكر د. أحمد البسام في مقدمة تحقيقه لكتاب شخصيتنا أن ابن عيسى المؤرخ اطلع عليه عدة مرات في مراحل كتابته، وشارك بقلمه بخمسة وعشرين ورقة موزعة في الكتاب. إكمال معلومة وضرب المحقق د. أحمد البسام أمثلة على هذه المشاركة من ابن عيسى بخطه، ثم تعقيب عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- بعده في إكمال معلومة عن هذا الشاعر أو تاريخ وفاته، مثل قصيدة الشاعر المشهور مسلط الرعوجي، حينما كتبها ابن عيسى ثم أعقب شخصيتنا وفاة ذلك الشاعر والمناسبة ومكانها، وهذا الشاعر الفارس قد رثاه الشاعر المشهور محسن بن عثمان الهزاني في قصيدة تعد من عيون الشعر الشعبي، ومسلط قبل أن يموت قد رثى نفسه قبل أن يرثيه الهزاني وهو صديق لمسلط الذي توفي عام 1185ه. هذا خلاصة الخلاصة لرد د. أحمد البسام على الذين يزعمون أن عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- قد نقل تاريخ ابن عيسى وسطا عليه، لا سيما بدايات تاريخه من عام 850ه وما تلاه من أحداث ووقائع من أخبار معارك القبائل في نجد، وكنت أسمع بهذا منذ بواكير اطلاعي على التاريخ، وأرى بعضاً من الباحثين ينقل عنه، وأبرزهم حمد الجاسر في كتابه (جهرة أنساب الأسر المتحضرة)، وجعله من ضمن مراجعه، وقد تحدث عنه في محاضرته بعنوان: مؤرخي نجد من أهلها؟، التي عقدت في جامعة الملك سعود، وللشيخ العالم محمد بن سليمان البسام تعليق وعناية بكتاب شخصيتنا -عبدالله بن محمد البسام-، وهي تعليقات مفيدة ومختصرة، وهي نسخة المؤلف، وهو ابن بنت المؤرخ عبدالله البسام، وكانت لديه نسخة جده لأمه، والجدير بالذكر أن شخصيتنا قد اعتنى بسبطه هذا من حيث التعليم، ونشر المؤرخ الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن البسام في موسوعته (خزانة التواريخ النجدية) بعضاً من كراريسه التي وجدها. قراءة ومطالعة وقال المؤرخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام عن شخصيتنا عبدالله بن محمد البسام: القصد أنه مع أعماله التجارية كانت هوايته ورغبته في القراءة والمطالعة وجمع الكتب، وأغلب ميوله إلى التاريخ والأدب والسياسة ومعرفة أحوال البلدان والرحلات، فصارت لديه ثقافة ومعلومات واسعة في هذا الباب، فتحصيله للعلم هو من المطالعات ومجالسة العلماء والأدباء والمفكرين، وليس من دراسة منظمة في حلقات العلم، لذا فإن مشاركته في العلوم الشرعية والعلوم اللسانية ليست كبيرة. وأخبرني عمي سليمان -الحديث للمؤرخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام- أن عبدالله بن محمد البسام كتب كراريس كثيرة من الفوائد في التاريخ والأنساب والأشعار والأخبار، وأنه اطلع عليها عنده واستعارها منه، وهي مثل (ما رأيت وما سمعت)، التي جمعها من مشاهدات الأستاذ الزركلي. وتابع المؤرخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام قائلاً: في زيارتي إلى عنيزة في ذي القعدة عام 1400ه جئت بصورة من كراسة تتألف من 18 صحيفة لعبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- تتضمن وفيات بعض الأعيان وبعض الأخبار المهمة، وأصلها عند عبدالرحمن البراهيم العبد الرحمن البسام، ولم يزل شخصيتنا في تجارته مع إخوانه حتى عام 1329ه، حيث ألقى عصا التسيار في عنيزة، وصار لهم أولاد نجباء متعلمون يجيدون الكتابة والحساب، فقاموا بالأعمال التجارية عنهم، كما قاموا بتدبير وتصريف عقاراتهم التي في البصرة، أما عبدالله بن محمد البسام فاستقر في عنيزة، وفلح بستانهم الكبير في عنيزة المسمى «المهيرية»، ثم في عام 1340ه حفر بئراً عذبة غزيرة الماء لهذا البستان بعد أن استملحت الأولى، فصارت الثانية مورداً لمن حولها من سكان البلد. عارف ومُدقق وقد وصف البئر أمين الريحاني في رحلته إلى نجد، وذكر هذا البستان والبئر التي زار فيها عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله-، واستفاد من معلوماته التاريخية حتى قال: عبدالله هو على علمه وأدبه وروحه العصرية في كثير من أمور الحياة، مضيفاً: كنت قد استعنت به عندما مررت بعنيزة، فكتب لي لائحة بأسماء بلدان القصيم وسدير والعارض، وهو الذي قال فيه عظمة السلطان إنه من العارفين المدققين، وهو مرجعي في النبذة الأولى -انتهى كلام الريحاني-. وقال المؤرخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام: عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- من الأعيان الوجهاء في بلده وغيرها، يحرص الأمراء والعلماء والأعيان على مجالسته ومنادمته والاستفادة منه، فبستانه الغني بالماء العذب وأشجار النخيل والفاكهة مزار لمحبيه ومجالسيه، ويجدون الصدر الرحب والنفس الطيبة والبشاشة والطلاقة، كما يجدون عنده حسن المجالسة والمؤانسة، ولم يزل على أحواله الحميدة وصفاته الطيبة حتى توفاه الله في عنيزة في بستانه عام 1346ه، في الساعة الرابعة غروبي من ضحى يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر محرم، وصلي عليه في جامع عنيزة بعد صلاة العصر، وشيعه كافة أهل البلد من الأعيان وغيرهم، وعظمت المصيبة. محمد بن سليمان البسام د. أحمد البسام الرحالة أمين الريحاني وُلد عبدالله بن محمد البسام -رحمه الله- في عنيزة 1275ه إعداد- صلاح الزامل