نسبه هو: الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن ابن الشيخ العلامة محمد (القاضي) بن أحمد بن محمد بن منيف بن بسّام بن منيف بن عساكر بن بسّام بن عقبة، الوهيبي الحنظلي التميمي. جده الخامس محمد بن أحمد هو الملقب بالقاضي، وصار ذلك اسماً لذريته من بعده، وسببه أن شريف مكة عينه قاضياً لعالية نجد، ومقر إقامته في بلدة الشعراء، وهذا القاضي يُعَدُّ من أبرز علماء نجد في القرن العاشر الهجري، كتب عدداً من الوثائق في أشيقر، منها تحريره لوقفية رميثة بن قضيب سنة 986ه، وجدد نقل وصية صبيح الشهيرة. وقد انتقل إبراهيم جدّ المترجم له من أشيقر سنة 1135ه واستقر في سدير، ثم انتقل منها واستقر في عنيزة سنة 1165ه تقريباً، وبقيت لأسرته أوقاف في أشيقر إلى اليوم. نشأته ومشايخه وُلد في مدينة عنيزة سنة 1198ه، ووالدته زينب بنت صالح آل شبل من بطن الوهبة من تميم الذي منه المترجم له، وأسرته أسرة علم منذ القدم فإخوته وأبناء عمه برز منهم طلاب علم كثيرون، فأخو المترجم له الشيخ عبدالكريم بن محمد القاضي طالب علم، وهو ذو خط جميل، وقد وقف مجموعة من الكتب والمصاحف سنة 1244ه، حيث قال في وصيته: (اثبات الكتب الموقوفة على طالب العلم والمشتغل به من ذريتي، أو أقاربي، فإن لم يكن فيهم، والعياذ بالله، طالب علم، فعلى الطلبة من المسلمين في بلد عنيزة..)(2)، كما أن أخاه عبدالله (ت 1247ه) طالب علم، اطلعت على توقيفه لكتاب (الإيمان الكبير)، لابن تيمية، منسوخ سنة 1225ه(3). نشأ المترجم له في بلدته وبها تلقى بواكير تعليمه، وطلب العلم أولاً على علماء بلده عنيزة، ثم رحل في طلب العلم للوشم وسدير، ومن مشايخه: عبدالله بن فايز أبا الخيل، وعمه حمد بن إبراهيم القاضي، وغنيم بن سيف، وعبدالله بن سيف، وعبدالعزيز بن عبدالله الحصيّن، هكذا عدَّدهم صاحب كتاب روضة الناظرين، وأكد ذلك قائلاً: (في نسخة شرح الدليل بقلم عبدالله الفايز، وعليها تعليقات بقلم المترجم له، ويرمز لمشايخه الذين ذكرناهم، ومن بينهم الحصيّن)(4). قال الشيخ عبدالله البسّام عن المترجم له: (تلقى العلم عن علماء بلده، حتى أدرك في الفقه فله فيه معرفة تامة أهّلته لمنصب القضاء في بلده)(5). وقد وقفت على أسئلة أرسلها المترجم له للشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت 1285ه)، فأجابه عليها(6)، فهل يُعدُّ من مشايخه؟ أم أن هذا يُعدُّ من مدارسة الأقران؟ أعماله وآثاره: تعددت أعماله، وتنوعت آثاره، ويمكن تلخيص ما وقفت عليه منها في النقاط التالية: 1- ولاه الإمام تركي بن عبدالله منصب القضاء في بلد عنيزة، فمكث فيها قاضياً مدة خمس سنوات، منذ عام 1243ه، إلى أن طلب الإعفاء من القضاء، فأُعفي في شهر شوال عام 1248ه، وكان قبل ذلك يُستناب في القضاء من قبل شيخه عبدالله الفايز أبا الخيل. قال الشيخ إبراهيم بن ضويان، بعد أن ذكر قاضي عنيزة الشيخ عبدالله الفايز أبا الخيل: (وبعده تولى قضاء عنيزة عبدالرحمن بن محمد القاضي، وكان أخوه صالح إذ ذاك أميرها، وعزل سنة 1251 أو سنة 1252، وتولى قضاءها الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين العائذي)(7). 2- تولى الإمامة والخطابة في المسجد الجامع ببلد عنيزة مدة توليه القضاء فيها، وقد نصَّ في وصيته الآتية بعد قليل على توقيفه للأوراق والخطب التي لديه، فلعل المقصود الخطب التي أنشأها وكان يلقيها أيام توليه خطابة جامع عنيزة، وكذلك الخطب التي تملكها وليست بخطه. 3- تولى التّدريس والإفتاء وكان حريصاً على نشر العلم وتشجيع طالبيه، قال في وصيته: (ونصيبي من قليّب حقًا في الجو الشرقي من بلد عنيزة، وقف على طالب العلم من ذريتي فمن بعدهم من أبناء فأبناءهم، .. ومرادي بالعلم العلم النافع). وقد كانت له حلقة علم، تخرج منها عدد من الطلاب، منهم ابنه عبدالله(8)، ومنهم ابن أخيه الشيخ محمد بن علي القاضي (ت 1288ه)، كاتب الوثائق المعروف، وصهر المترجم له على ابنته زينب، ومنهم ابن أخيه أيضاً الشاعر الشّهير محمد بن عبدالله القاضي (ت 1285ه)(9)، ومع اشتهار الأخير بنظم الشعر إلا أن لديه حصيلة علمية واسعة من العلوم الشرعية وغيرها، أهلته لأن يكون عمدة في عنيزة في توثيق المبايعات والمداينات ونحوها، وخطه فائق الحسن والضبط، وهذا لا يكون في الغالب إلا لعالم أو طالب علم متمكن، خاصة في ذلك الزمن، وهكذا بعض الشعراء الكبار هم علماء قبل أن يكونوا شعراء. 4- ذكر صاحب (روضة الناظرين) عن المترجم له أنه: (كان مرجعاً في الأنساب والحوادث، وذلك لتقييده كل ما يمر عليه، فيثبته بخطه المتوسط بالحسن)(10)، وليته أوضح أكثر عن تقييدات المترجم له، هل هي تاريخ مستقل مثلاً؟ خاصة أنه قيّد مواليد أولاده كما سيأتي. أم كتاب في الأنساب؟ أم مجموع يحتوي على فوائد متنوعة؟ حتى يتسنى للباحثين إدراجه ضمن من لهم مؤلفات من العلماء النجديين في ذلك، وهم قلّة كما هو معلوم. 5- نسخ بخطه المليح عدداً من الكتب والفتاوى والرسائل، منها: (مسائل الشيخ سليمان بن علي بن مشرّف)، وهي أربعون مسألة أجاب بها الشيخ سليمان تلميذه الشيخ أحمد القصيّر، نقلها مترجمنا من خط شيخه عبدالله بن فايز أبا الخيل، قال في آخرها: (ونقله من خطه بعد معرفته الفقير إلى رحمة ربه عبدالرحمن بن محمد القاضي، لمحبوبه الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ)، ونسخ المترجم له أيضاً: (مسائل سأل عنها محمد بن إسماعيل الشيخ سليمان بن علي)(11). 6- كانت لديه مكتبة عامرة تحوي صنوفاً متنوعة من العلوم، وقفها على طلاب العلم، وسيأتي الحديث عنها، وعن بعض محتوياتها. 7- كان ثرياً، وقد ورث الثراء والعمل في التجارة من والده محمد بن إبراهيم القاضي (ت 1237ه)، وكان لدى مترجمنا عدد من البساتين والأراضي الزراعية، التي قل أن توجد إلا عند الموسرين، وقد نصّ عليها أو بعضها في وصيته، حيث وقف أوقافاً خاصة وعامة. مكتبته كان حريصاً على اقتناء الكتب وتملكها، إضافة إلى ما نسخه بخطه، فكوَّن بذلك مكتبة عامرة تحوي صنوفاً متنوعة من العلوم، منها في التفسير والحديث والفقه وغيرها، وفيها نسخ عدة من المصحف الشريف، حيث نصَّ على ذلك في وصيته، قال الشيخ محمد القاضي عن المترجم له: (عنده مخطوطات بقلمه وقلم فقهاء نجد، كان معظمها من تراث الآباء والأجداد ورثوها عمن تقدمهم، وبعضها آلت إلى أسباطه أخوالي(12)، وأولاد فهد العبدالله البسام)(13). ومن الكتب التي تملكها: - (مختصر الإنصاف والشرح الكبير)(14)، لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، يقع في 190 ورقة، وقد كتب عليه: (برحمة ربّه راضي، مال عبدالرحمن بن محمد القاضي). - (العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين)، لحسين بن غنام صاحب التاريخ، وهو بخط محمد بن علي النجار، سنة 1216ه، يقع في 204 ورقات، كتب عليه الشيخ محمد بن مانع (ت 1291ه) هذه العبارة: (وقف لله تعالى، وهو عندي أنا يا محمد بن عبدالله بن مانع عاريّة)، وعليه أنه في يد إبراهيم بن صالح القاضي(15). - (فتح الباري في شرح صحيح البخاري)، لابن حجر العسقلاني، يوجد منه مجلد في مكتبة جامع عنيزة، مخروم من أوله، وهو بخط يحيى بن ناصر بن منصور العبيدي، نسخه سنة 1179ه، يقع في 311 ورقة. - (المطلع على أبواب المقنع)، لابن مفلح الحنبلي، أوقفه على ذريته(16). - مجموع من مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، هي الورقة الأخيرة من كتاب التوحيد، وكشف الشبهات والقواعد الأربع ومسائل الجاهلية، وقفها المترجم له(17). - الجزء الرابع من كتاب (الإنصاف)، للمرداوي، بخط عمر زين الدين بن محمد الشهير بابن زريق ثم بابن أبي عمر المقدسي الحنبلي سنة 975ه(18)، يقع في 227 ورقة، ثم وقفت على هذا الجزء فإذا ورقته الأولى بخط مختلف وعليه كما ذكره الشيخ البسّام، بينما في الورقة الثانية بخط المترجم له أنه الجزء الثالث وقد أرخ تملكه سنة 1250ه، وكتب وقفية على آخر ورقة، هذا نصها: (ملكه الفقير إلى الله عبدالرحمن القاضي وقد وقفه لوجه الله تعالى، وجعل النظر له ثم لذريته من بعده ثم لأقاربه ثم للمصلح للوقف المستعمل له، قال ذلك بفمه وكتبه بأنامله بواسطة قلمه، راجياً رحمة ربه والفوز بقربه، إنه ولي ذلك والقادر عليه راجياً رضاه وعنه وعن والديه ووالدي والديه، ومن أحسن إليه ولجميع المسلمين أجمعين، آمين، وصلى اللهم على محمد). وقد وقّف جميع مكتبته على طلاب العلم، كما في وصيتيه الاثنتين، حيث قال: (جميع الكتب الذي عندي من كتب الفقه والتفسير والنسخ والأوراق كلها وقف، كذلك جميع المصاحف)، وقال أيضاً: (وجميع كتب القرآن والأحاديث والفقه والأوراق والخطب وقف لوجه الله تعالى، لا يمنع عنها من أراد بِرَهْن، والنظر والحفظ بيد أولادي إن كانوا يقرون بها فلهم الإعطاء والمنع، فإن لم يكن فلا يمنعون المستحقين،.. والكتب ما تخرج من بلد عنيزة،.. وطالب العلم أولى بالكتب ومن لا فلا). ومع حرص المترجم له عليها إلا أن هذه الكتب التي وقفها تفرّقت بين عدد من أسباطه وغيرهم، فبعضها وُجد في مكتبات عامة وأخرى خاصة. وثائقه وأحكامه مع أنه مضى على وفاته أكثر من مائة وثمانين عاماً، إلا أنه لا تزال له وثائق دوّنها في عنيزة وغيرها من البلدان خاصة في منطقة القصيم، بعضها بخط يده، وبعضها نقلاً عن خطه، يقدر عددها بالمئات، فهو عمدة في التوثيقات، وبعض الوثائق التي حررها يعود تاريخها للعقد الثالث من القرن الثالث عشر الهجري، اطلعت منها على وثيقة مؤرخة سنة 1226ه، وغيرها. وقد اطلعت على وثيقة بخطه فيها بيع بالخيار مؤجل إلى شهر رمضان سنة 1249ه، كتبها بأمر وإملاء الشيخ قرناس بن عبدالرحمن. أكتفي بوضع نموذجين بخط المترجم له، وقد مهر إحداهما بختمه المنقوش عليه اسمه، وسبق أن نشرت وثيقة بخطه مؤرخة سنة 1255ه(19)، وآخر وثيقة رأيتها له كتبها قبيل وفاته بأيام، حررها في شهر ذي القعدة سنة 1261ه. ويلاحظ على أغلب الوثائق التي حررها سلامة كتابته من الناحية اللغوية نسبياً، وحسن صياغتها، وحرصه على إثبات التاريخ غالباً، كما أن بعض وثائقه يكتبها بخط دقيق جداً تكاد تصعب قراءته إلا بتدقيق وجهد، فأتعجب كيف كتبها، وما القلم الذي استعمله؟ الهوامش (1) له ترجمة في: البسّام، عبدالله بن عبدالرحمن، (علماء نجد خلال ثمانية قرون)، دار العاصمة، الرياض، ط2، 1419ه، ج3، ص150، والقاضي، محمد بن عثمان، (روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين)، مطبعة الحلبي، القاهرة، ط2، 1403ه، ج1، ص195. (2) زودني بها الأستاذ الأديب الباحث عبدالعزيز بن حمد القاضي، كما أفادني ببعض المعلومات والوثائق الأخرى، فله جزيل الشكر. (3) بخط العلامة سليمان بن عبدالله آل الشيخ، إلا أن على اسمه طمس متعمد، والأصل في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، مخطوطات الإفتاء، رقم (406 / 86). (4) القاضي، (روضة الناظرين)، ج1، ص195. (5) البسّام، (علماء نجد)، ج3، ص151. (6) ضمن مجموع مخطوط في الدارة (البسّام/184)، بخط الشيخ إبراهيم بن حمد بن عيسى، في ق13 منه بداية الجواب على مسائل المترجم: السؤال الأول في قول العلماء فلو استعمل الماء ولم يدخل يده في الإناء.. إلخ. (7) ورقة واحدة مخطوطة من إملاء الشيخ ابن ضويان، في الدارة (البسّام/189)، والمعروف أن الأمير صالح القاضي لم يُعزل، في التاريخ المذكور بل إنه اعتذر عن الإمارة في اليوم الذي قتل فيه الإمام تركي بن عبدالله، وهو آخر يوم من سنة 1249ه، ومن ثمّ تنازل عنها. (8) دوّن تاريخ وفاة والده كما سيأتي، واطلعت على شهادة له بخطه على وثيقة مداينة، مؤرخة سنة 1271ه. (9) القاضي، عبدالعزيز بن حمد، (شاعر نجد الكبير محمد بن عبدالله القاضي)، ط1، 1429ه، ص25. (10) القاضي، (روضة الناظرين)، ج1، ص196، وقد حرصت على الوقوف على شيء منها، فطلبت من ابن العم الأستاذ أحمد بن حمد بن إبراهيم البسّام، وفقه الله، في شهر جمادى الأولى عام 1434ه أن يسأل الشيخ المؤرخ محمد بن عثمان القاضي (ت 1440ه)، مؤلف الروضة، رحمه الله، عما ذكره في هذا النص، وهل لديه شيء من مخطوطاته؟ وهو ممن تربطه به علاقة وصداقة متينة، فأفاده القاضي بأنها كانت لديه، وأنه أعارها للشيخ سليمان بن عبيد آل سلمي (ت 1416ه)، رحمه الله، الذي كان في السابق قاضياً لعنيزة، وبقيت عنده مدة، وعندما طلبها منه، أخبره بأنها احترقت مع كتبه التي في غرفته بالحرم المكي الشريف، في أحداث عام 1401ه. (11) المخطوط محفوظ في مكتبة جامعة الإمام بالرياض. زوّدني ببدايته ونهايته الشيخ الدكتور عبدالله بن زيد المسلم، وزودني بالصورة الأخيرة الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل الشيخ، فللجميع الشكر. (12) وقال في ص197: (الخالان سليمان وعبدالرحمن المحمد العبدالرحمن القاضي)، وذكر أن لهم إخوة من الأم من آل السناني، آخرهم توفي سنة 1395ه. (13) القاضي، (روضة الناظرين)، ج1، ص196. (14) المخطوط محفوظ في مكتبة جامع عنيزة، ومصورته متاحة في موقع شبكة الألوكة الإلكتروني. (15) نسخته محفوظة الآن في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، مخطوطات الإفتاء، برقم (389 / 86)، وانظر: آل الشيخ، عبدالمحسن، (الفهرس المصور لمخطوطات ومصورات مكتبة الرياض السعودية العامة)، ج1، ص442. (16) نسخته كانت محفوظة في مكتبة الشيخ سليمان البسّام الخاصة بعنيزة، انظر: المانع، خالد بن زيد، (موقفو المخطوطات النجديون)، ط1، 1433ه، ص132. (17) فهرس مخطوطات مكتبة الشيخ سليمان الصالح البسّام، ص14. (18) أشار له الشيخ عبدالله البسّام في (علماء نجد)، ج3، ص270، في كلامه عن المخطوطات التي كانت في مكتبة جامع عنيزة. (19) الوثيقة في: البسيمي، (العلماء والكتاب في أشيقر)، ج1، ص191. ** ** (*) الوشم - أشيقر