يعد الخط العربي من أبرز ملامح الهوية الثقافية في العالم العربي والإسلامي، والذي يُعد فناً بصرياً يعكس روح اللغة العربية ويجسد عمقها الجمالي والتاريخي، وقد تميز هذا الفن بتطوره المستمر عبر العصور، حتى أصبح جزءًا من التراث الثقافي غير المادي الذي يحتفى به محلياً وعالمياً، وظهر الخط العربي في بداية انتشار الإسلام، وكانت أولى مهامه كتابة القرآن الكريم، ما أكسبه مكانة خاصة، وارتبط لاحقاً بالزخرفة الإسلامية، والنقوش على الجوامع، والمخطوطات، والتحف الفنية، وقد برع المسلمون على مر العصور في تطوير هذا الفن، وابتكروا أنماطاً وخطوطاً متعددة، وأبرزها الخط الكوفي، النسخ، الرقعة، الثلث، الديواني، والفارسي، ولكل نوع من هذه الخطوط خصائص فنية دقيقة، واستخدامات تتفاوت بين الرسمية والزخرفية والفنية، ويتجاوز الخط العربي حدود الوظيفة الكتابية، ليصبح تعبيراً فنياً قائماً على التوازن والتناغم البصري، فكل حرف فيه يحمل إمكانيات تشكيلية واسعة، والخطاط العربي لا يكتفي بكتابة الكلمات، بل يبدع في توزيعها وتشكيلها بأسلوب هندسي أو انسيابي يراعي الجمال والدقة، ويعد هذا التوظيف الفني أحد أسرار بقاء الخط العربي حياً ومتجددًا حتى يومنا هذا، وفي العصر الحديث، لم يفقد الخط العربي مكانته، بل عاد للواجهة من خلال مشاريع ومبادرات رسمية تهدف إلى إحيائه وتعزيزه في مختلف جوانب الحياة المعاصرة، ومن أبرز هذه المبادرات، إعلان المملكة العربية السعودية عام 2020 «عام الخط العربي»، والذي تضمن فعاليات ومعارض وورشاً تدريبية ومنافسات فنية تهدف إلى تعليم هذا الفن ونشره بين الجيل الجديد، وكما ساهمت الجهود المملكة بالتعاون مع عدد من الدول العربية في تسجيل الخط العربي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو في عام 2021، وهو ما شكل اعترافًا عالميًا بأهمية هذا الفن كأحد رموز الهوية العربية والإسلامية، وضرورة الحفاظ عليه وتعزيزه في ظل العولمة والتطور الرقمي، ومع التحولات الرقمية، بدأ الخط العربي يأخذ أشكالًا جديدة من خلال تصميم الخطوط الرقمية المستخدمة في التطبيقات والمواقع، ما أتاح له الوصول إلى جمهور أوسع، وفتح الباب أمام دمج الفن التقليدي بالتكنولوجيا الحديثة، دون أن يفقد أصالته، وإن الخط العربي، بما يحمله من قيم جمالية وتاريخية، ويظل شاهدًا على غنى الثقافة العربية وقدرتها على الإبداع والتجدد، وهو اليوم ليس فقط أداة تواصل، بل لغة فنية تعبر عن هوية أمة، وتربط الأجيال الجديدة بإرثها العريق في أبهى صوره.