لا أرغب في الكتابة حول الموضوعات التي تطغى على الأحداث، فحولها مداد كثير يسال، وبالتالي هناك فيض في المعلومات لا يحتاجها القارئ، ولكن موضوع الضرائب الذي لا يزال يشغل الجميع مختلف، ففي وسط هذا الضجيج الإعلامي، هناك زوايا لا يسلط عليها الضوء. وأولها منظمة التجارة العالمية، التي يدق الرئيس الأمريكي في نعشها آخر المسامير. فالدول المؤسسة لها، بداية التسعينات، أرادت أن تغتنم فرصة زوال الاتحاد السوفيتي لتستولي على أسواق العالم. ولذلك وضعوا أحد شروط العضوية المفاوضات الثنائية- وهو مبدأ تعسفي، وبناء عليه فإن المفاوضات لا تنتهي قبل إخضاع الدول الراغبة في الانضمام إلى نادي "النخبة" للشروط المطلوبة وتقديم كافة أو معظم التنازلات للمفاوض، ولذلك تدوم هذه المفاوضات 10 أعوام أو أكثر أحياناً. طبعاً اقتصاد البلدان الصناعية، في عام 1991، أي بعد انتهاء الحرب الباردة، كان في وضع لا يحسد عليه- مشابهاً لما هو عليه اليوم. ولذلك أسسوا منظمة التجارة العالمية من أجل فتح، أو الاستيلاء على أسواق الغير، ومواصلة النمو دون الحاجة لإجراء إصلاحات هيكلية مؤلمة، وهذا ما حصل فقد نمت صادراتهم، وتمكنت مصانعهم من تصريف منتجاتها بعد خفض التعرفات الجمركية عليها. ولهذا رأينا اقتصاد الدول الصناعية في التسعينات من القرن المنصرم يزدهر بشكل غير مسبوق، بفعل عاملين رئيسيين، الأول الاستيلاء على أسواق دول مجلس التعاون الاقتصادي كوميكون (COMECON)، والثاني إلغاء أو تخفيض الرسوم على البضائع التي تصدرها إلى غيرها في كافة أنحاء العالم. وهذا التطور المريح أدى إلى ضعف الضوابط المالية، التي قادت إلى أزمة الرهن العقاري عام 2008، ومن ثم إلى الأزمة المالية- الاقتصادية العالمية، التي محت معها كل المكاسب التي حققتها هذه البلدان منذ عام 1991. وهكذا بدأت دورة اقتصادية عالمية جديدة قاطرتها الصين وآسيا التي أصبحت تجر وراءها بقية الاقتصاد العالمي. وبهذا انقلب السحر على الساحر، فالصين وبلدان آسيا ومن ضمنهم بنغلادش وفيتنام، التي فرضت عليهم أمريكا تعرفات مرتفعة، تنتج سلعاً عالية الجودة بتكاليف منخفضة، وهذا يعني فرصاً لهذه البلدان للاستفادة من أنظمة وقواعد منظمة التجارة العالمية، وعلى رأسها الضرائب المنخفضة لتصدير ما تنتجه لأمريكا وأوروبا. ومن وقتها واليابان وأوروبا وكندا والولاياتالمتحدة تواجه صعوبات في تصدير منتجاتها، ولهذا انخفض فائض الميزان التجاري، بل وأصبح عند البعض سالباً كما هو في الولاياتالمتحدة وهذا بدوره يؤثر على معدلات نمو الاقتصاد. ولذلك كسر ترمب قواعد منظمة التجارة العالمية وصار يفرض رسوماً كبيرة لحماية ما تنتجه الولاياتالمتحدة، وهذا أمر طبيعي اعتاد العالم عليه قبل قيام منظمة التجارة العالمية.