الكل يصيح وفي كل مكان يشتكون من المنافسة الصينية، فأينما ذهبنا وحطت رحالنا تواجهنا عبارات التذمر التي لا تكاد تختلف عن بعضها: الصين الصين ومن ثم الصين ومنافسة منتجاتها للإنتاج المحلي. وهذه الظاهر صارت واضحة خصوصاً بعد الأزمة المالية الاقتصادية العالمية. فهذه الأزمة التي مست أغلب اقتصادات العالم لم تصب الصين بأي أذى يذكر، ولذلك نرى التنين الأصفر يقدم ليس فقط على منافسة المنتجات المحلية في العديد من بلدان العالم ببضائعه الرخيصة، وإنما نلاحظ كذلك عدم تردد الصين في شراء الشركات التي تواجه مصاعب مالية. وهنا يكفي أن ننظر فقط إلى تحرك الصين في البلدان الأوروبية مثل اليونان وأسبانيا وغيرها. فالصين التي تملك أكثر من ترليوني دولار لا تساوي النقود عندها شيئا. ويمكن أن الكثير منا قد قرأ في بداية هذا الشهر عن عزم الصين بناء أضخم مدينة سياحية في العالم تتسع ل 42 مليون نسمة على مقربة من مدينة شنغهاي بتكلفة تصل إلى 6 مليارات دولار. وهذه البلدة سوف تكون نسخة طبق الأصل من مدينة هاليسات السياحية النمساوية. ومثلما نعلم فإن مدينة هاليسات الجميلة يزورها كل عام حوالي 800 ألف سائح من مختلف بلدان العالم. وهذا أثار حفيظة رئيس البلدة فتقدم بشكوى ضد الصين إلى السلطات المحلية ومنظمة اليونسكو، وذلك على أساس أن هاليسات تعتبر جزءا من التراث الإنساني الذي يجب حمايته. وهذه مهنة جديدة للصين تضاف إلى المهن الأخرى التي اشتهرت بها. فمنذ زمان والعالم الصناعي يشكو من تقليد الصين لمنتجاته من دون تصاريح مسبقة. وقد يكون ما يتم تناقله عن اختفاء إحدى طائرات الايرباص التي اشترتها الصين بهدف كشف أسرارها دعابة. ولكن هذه الدعابة تعكس الشكوى التي صرنا نسمعها أكثر فأكثر عن تقليد الصين لبضائع غيرها. من ضمنها ما يثار عن تعرض بريطانيا إلى هجمات إلكترونية صينية لسرقة إسرارها الصناعية تتعدى المليار هجوم شهريا. ولذلك فإن شكوى المسؤولين في هاليسات ربما يفسره البعض بعدم اكتفاء الصين بسرقة أسرار المنتجات الصناعية العالمية وامتداد الأمر للخدمات السياحية لغيرها أيضاً. ولا أدري هنا هل أنه من المناسب تهنئة الصين والصياح لها برافو. أم أن ما نسمعه من الكثيرين حول بلوغ السيل مع الصين الزبا هو الأنسب. ومنبع الحيرة في التعبير مرده إلى أن أحداً لم يثبت حتى الآن تورط الصين في تقليد بضائعه. وإلا لكانت منظمة التجارة العالمية قد فرضت عقوبات على هذا المارد الاقتصادي. أما ما هو مؤكد فهو أن الصين أكثر البلدان حرصاً على حماية صناعتها المحلية. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى خفض سعر صرف عملتها اليوان مقابل الدولار، وذلك لدعم منتجيها وتشجيعهم على التصدير. كما نلاحظ كثرة الدعاوى التي تثيرها الصين ضد السلع المصدرة إليها وتخشى منافستها لما تنتجه. ولهذا تعرضت منتجات شركة سابك إلى العديد من الدعاوى من قبل وزارة التجارة الصينية بتهم الإغراق. ومجمل القول أن المقدرة الاقتصادية المتنامية للصين بقدر ما هي رحمة هي في نفس الوقت نقمة، فالمستهلكون في كافة أنحاء العالم يقبلون على السلع الصينية لرخصها. ولكن هذه الرحمة هي في نفس الوقت نقمة لغالبية المنتجين في العالم. إذ لا أحد منهم يستطيع منافسة السلع الصفراء منخفضة التكلفة. وهذا الأمر يعني بالدرجة الأولى الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي التي تعتبر مدخلات الإنتاج فيها مرتفعة. وهذا يذكرنا بما حدث للإنتاج التقليدي في المستعمرات البريطانية والفرنسية. فبعد أن غزت المنتجات الصناعية البريطانية والفرنسية أسواق تلك المستعمرات ماتت العديد من الورش الحرفية واختفت الكثير من الصناعات القديمة التي لم تتمكن منتجاتها من منافسة السلع الأوروبية المشابهة لها لا من حيث الجودة ولا من حيث السعر. فهل سيحدث الشيء نفسه لمنتجات أوروبا وأمريكا على يد الصين؟